مهاجر يكتب :”الجنس كقضية”

الزمان ـ قرر صديقي سيزار الطبيب النفسي بمدريد ان يفتح قلبه ذات مساء بعد تبادل حديث مطول في بار جانبي بحي باييكاس الهادئ..

نظر في الزجاجة النحيفة أمامه كأنه يقرأ الفنجان.. في فنجان القهوة يقرأ المنجمون في الشرق مستقبل الناس.. في كأس النبيذ يقرأ سيزار ماضيه المفعم بالخيارات الجنسية.. نادرا ما يفتح سيزار قلبه.. لقد كان يتحفظ سيزار عندما يتحدث إلى الأجانب من أصدقائه.. لأسباب تتعلق أساسا بتحكم الديكتاتوريات سابقا.. وبسياسة إعلامية حالية يخطط لها مجموعة من الأذكياء الانتهازيين في اسبانيا، نشأ جيل يعتقد ان إفريقيا هي صحراء قاحلة لا يزال الإنسان فيها بدائيا بالكاد يلبس ما يخفي عورته.. نفس الشيئ ينطبق بالنسبة لهم على العرب المسلمين أصحاب اللحى الطويلة ممن يحبون مشاركة السرير مع اربع نساء.. لكن سيزار.. تكلم مع الوقت..تكلم بعمق كأنه يتحدث للبحر.. قصة سيزار مع مرضاه العرب والأفارقة الذين يزورونه معقدة جدا.. وهي واحدة من اغرب قصص مدريد، هذه العاصمة التي تعيش على القبلات والنبيذ والخامون.. ويسيطر عليها المثليون.. كل شيئ في قيم مدريد حرام عند المسلمين..!! الحقيقة ان العرب ممن زواره أكثر من الأفارقة.. الأفارقة لا يؤمنون كثيرا بعلم النفس.. لكن نخبة منهم ضاقت بها هموم السلطة والمال لا تبخل على نفسها بالتمتع بالتحدث إلى طبيب أوروبي في عيادتة ليدلك أرواحهم تماما كما تفعل حسناوات مايوركا في الفنادق الفاخرة لسواح قدموا ليعيشوا آخر الملذات على وجه البسيطة.. راكم سيزار تجربة كبيرة مع أثرياء عرب وأفارقة يدفعون الكثير من المال لينعموا بلحظة من التعري أمام الذات.. يحكي الرجال العرب قصص خياناتهم لزوجاتهم.. وتحكي العربيات ذوات العيون السوداء والشعر الطويل ممارستهن الجنس سرا مع العشيق وعلنا مع الزوج “المغتصب”.. يحكي الأفارقة وجع المال والقتل والتعذيب والثأر في الأدغال البعيدة التي لا يزال سكانها يتصارعون لإثبات قداسة الأجنة الذين يرقدون في بطون أمهاتهم عقودا من الزمن ليولدوا فجأة.. فتتحول لحظة عشقية طائشة ومليئة بالمغامرة إلى معجزة إلهية..!! علقت بذهن سيزار قصة أميرة عربية.. قتل أفراد من قبيلتها -بأوامر من والدها- عشيقها “البدون” في إحدى دول الخليج، وحملوا إليها صوره..في واحدة من أقسى اللحظات التي يمكن ان تواجهها أنثى. عاشت الاميرة بمشاعر محطمة.. كأنها دفنت حبيبها في صدرها.. ليس أكثر حزنا من امرأة تدفن رجلا في صدرها.. تتحول إلى مقبرة جميلة.. وتظل تذكر رجلها بكثير من الحب والرعب. حملوها إلى مدريد، وقادتهم قصص الحزن المتوارث في العائلة إلى عيادة سيزار.. فجأة.. أحبت البنت ثانية.. لكنها هذه المرة أحبت طبيبها.. يعتقد سيزار ان ما حدث ليس حبا.. فهنالك أرواح مقاتلة ترفض الاستسلام: “هذه الفتاة جعلت من الحب قضية.. ولن تفشل”.. مضيفا: لذلك أعجبتني لدرجة الحب.. ولأول مرة نمت مع شعر أسود وعيون واسعة وكلمات لا أفهمها.. كان وقتا لا يصدق.. إنها أول امرأة أضاجعها واكتشف إنها لم تتعر أمامي وأنني لم أنزع عنها فستانها بالكامل وأننا لم نشرب كأس نبيذ.. ما حدث كان مثل السحر أو ميلاد ضوء.. كانت الدماء تسيل ساخنة على فخذيها فتطهرني من الأسفل… خلقت داخلي رغبات جديدة لا حصر لها”. لكن هذه الأميرة التي تسير حافية وتنام على سرير في عيادة.. وتفتح كل الكنوز التي قاوم المسلمون 14 قرنا ليحافظوا عليها لم تشغل وحدها بال الطبيب الاسباني..!! كانت هنالك قصة أخرى في حياته.. قصة شاب سنغالي تربى في كنف أسرة دينية قريبة من السلطة، لكنه ضاجع أخته وهو صغير في حوادث يسميها المسلمون “زنى المحارم”.. تولدت لديه مأساة جنسية لا تزال تضرب أعماق روحه.. وكلما رأى جسد أنثى تملكته رغبة في التقيئ.. فتحول مع مرور الوقت الى مثلي جنسي. كان له مكان في قلب سيزار.. كان لسيزار موقف من البكاء.. وهو الذي درس الكبرياء الإفريقي ومعانيه النفسية في صناعة الإنسان.. كان مذهولا وهو يقرأ ان الرجل الإفريقي لا يبكي..!! يحاول سيزار شرح تلك العلاقة المعقدة بين الناس.. وبين البكاء: “عندما لا يبكي إنسان يتشظى ويروي الأفعال الشنيعة التي ارتكبها ويتعرى أمام نفسه.. فانه يكون فعلا حاملا لجزء من روح ملائكية.. لهذا احببت صديقي.. انه ذلك الشخص الذي يموت واقفا.. اما بالنسبة للأميرة العربية فانا أتحفز جنسيا عندما تبكي امرأة.. وهي كانت تبكي على صدري.. اعتقد إنهما تقاسما قلبي.. لذك تعمدت ذات يوم في نهاية مارس ان امنحهما موعدا في يوم واحد.. كان بداية فصل الربيع وكانت اسبانيا تستقبل الورد والحب.. كان الفرق بين لقائهما نصف ساعة.. كأنه الحد الفاصل بين ان تموت وان تولد.. شيء ما يتغير في خريطة روحك”. تذكرت وانا في مواجهة هذا الطبيب العاشق قصة “فتية”.. رغم ان “فتية” اسم أنثى الا انه كان يطلق على شاب.. كان شابا سمينا وجميلا ذا شعر ناعم..!! فجأة ظهر في شوارع مدينة كيفه، كان كأنه فتاة، وكان لديه ميول جنسي للرجال، قيل حينها ان والده طرده من بيت العائلة في نواكشوط بسبب ميوله الجنسية. بعد فترة ظهر وهو يرقص في المناسبات العائلية، وتعرض ذات يوم للضرب من قبل طلاب المحظرة، لقد اعتبروه كافرا يستحق الجلد والضرب.. وبسبب التنكيل الدائم اختفى “فتية” الذي لا نعرف اسمه الكامل ولم نره بعد ذلك.. لكن صورة وجهه والدماء تسيل من فمه كأنه مذؤوب، ظلت عالقة بذهني تثير الكثير من التساؤلات عن قيم الشرق وحقوق الإنسان. سيزار مثلي جنسي مختلط الرغبات يحظى بحياة مرفهة بعد ان تمكن مثليو الجنس من فرض أنفسهم في حياة النخبة والإعلام الاسباني وتحصلوا على حماية القانون في ممارسة حياتهم ورغباتهم علنا.. أشاهد لأول مرة في حياتي مثليا ثائرا.. أعرف ان المثليين في موريتانيا لديهم اهتمامات اقل شأنا كتبادل الشتائم في الولائم والتشبه بالفتيات.. وجمع المال الذي يلقيه إقطاعيون على فنان لحظة إنشاده “بيت حرب”.. يواصل الطبيب النفسي فلسفته الاجتماعية وهو يداعب بأصابعه الضعيفة كأسه الأخيرة.. إنه يخطط اليوم مع مجموعة كبيرة ممن يوافقونه الميول الجنسية للخطوة القادمة التي قد تهز أوروبا.. لقد تمكن الرجال من إثبات وحماية حبهم للنساء منذ نشأة البشرية.. وبعد تطور الإنسان ونتيجة نضالات البشرية اليوم تعترف الدول بحب الرجل للرجل والأنثى للأنثى وبالتحول من جنس الى جنس وبالدعارة.. اننا اليوم نخطط لما هو أعمق وأكثر تمردا على المجتمعات التي لا زالت تحمل ذرة محافظة: “يجب ان تعترف الدولة وتحمي حقوق مختلط الرغبات الجنسية وان تنظمها وترخص علاقاتها العاطفية لتتحول إلى كيان عائلي معترف به.. يضيف صديقي بكبرياء ضحية: “أنا أحب الرجال واحب النساء ومن حقي ان أعيش مع امرأة ورجل -في ذات الوقت- حياة جنسية متكاملة تعترف بها الدولة وتترتب عليها حقوق.. لن انتظر غيري ليقرر ميولي، هي قضيتي وأعمل عليها بنفسي، لن اترك بشرا آخرين يقررون لي من أكون”. أحب سيزار الأميرة العربية لأنها بكت كثيرا ومنحت كل شيئ دون ان تطلب شيئا.. واحب سيزار الفتى السنغالي لانه لا يبكي..!! بدا الرجل أمامي وكأنه يذبل.. وتساءلت: كيف يستيقظ الطبيب في هذا الإنسان؟! هل نحن مخطئون بحكم التربية عندما نعتقد دون دليل علمي ان هذا الإنسان هو شخص مريض؟ هل تمت ادلجتنا ونحن صغار لنقف موقفا ما من ميول جنسي..؟ وهل نولد برغبات ام نكتسب رغبات ونتخلى عن اخرى؟ وهل مبدأ الحب محرم عندما يتعلق بالنوع.. حسب فلسفة اجتماعية بعينها؟ يبدو أمامي سيزار رجلا حائرا بين خطوط الحظ المتشابكة.. لقد احبته أميرة عربية مثقلة بقوانين العفاف وأعطته كل شيئ.. وأحب هو شابا سنغاليا مفعما بالرجولة.. وحلق الاثنان الى ارض بعيدة.

وبقي سيزار وحيدا في مدريد وينظر في الزجاجة النحيفة أمامه.. كأنه يقرأ الفنجان.

 

الربيع ولد إدومو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى