شطحات الموتى بعد التصويت/ محمد الأمين محمودي

حين عاد الأموات إلى قبورهم بعد التصويت القسري و السحل في الشوارع التي لا تصرف الماء و لا الفضلات أوقدوا نارا و شرعوا في الحديث تناوبا، تحدث كل واحد منهم عن تجربته الحياتية القصيرة، كانوا يرقدون كقطع السردين و النار تتوهج لترسم ظلالهم على الجدران الطينية.. الحرطاني يضع القطن في أذنيه:

– و الله تعبت من احاديثكم هذه رغم أنكم الأحب إلى قلبي من بين جميع أقاربكم فلأنكم تنتظرون الجنة بعد أن حصلتم على الحكم بدخولها، أيقنت أنكم لم تستعبدوا أحدا ولم تسكتوا على الظلم، لكن حقا مللت السياسة و أنا الوحيد الذي لم يقبل بالخروج للتصويت فقد قلت لهم بصوت قبوري قوي:

– كفى ياكلاب، كفى ماعانيته على أيديكم..،


 إلتفت أسن الموتى إلى الآخرين و صرخ غاضبا كأن افعى لدغته، فعجبوا لأمره فالمغفري المسن يحفظ القرآن و كان يدرسّه و بهذا لا يخشى لدغا و لا نصبا :

- لعنة الله عليهم، لم يمنحوني الفرصة لزيارة الأهل أقصى الشرق، و كنت في كل مرة أسأل الرجل البدين الذي يجرني نحو المجهول، إلى أين أنا ذاهب؟ أين تأخذني؟ لقد تجاوزت باستحقاق اسئلة الملكين و لا أنتظر إلا البعث لأسمع علية بعد أن حرمتها على نفسي ردحا من الزمن، أنتظر اليوم الذي أتجول فيه في الجنة من ناحية الحوض،، كان اللعين غير مكترث و يصر على أني ميت، و في كل مرة يقول: أنت ميت لا يمكنك التحرك.. يداك مشلولتان، لقد طوعنا الأحياء، ضربتهم شخصيا بالضرائب حتى أصبحوا كالمنومين مغناطيسيا.. ماذا تقول، أيها اللعين؟ أقسم بالله لو لم أكن ميتا لما تجرأ أمثالك على النيل مني..

 ضحك البدين، صدقت هذه المرة، لكننا نعبث بالأموات حتى يفهم الأحياء أننا لا نرحم،، قاطعته سيدة تبدو في الثلاثين من العمر:

– اريد ان اعرف الى اين اخذوه.؟

تدخل خمسيني يتحدث ببطء :

– دعيه يجر الحديث و يجره الخبيث،، فما سبب استعجالك، و نحن ننتظر منذ اعوام. قاطعته ناهرة:

– أنا لا أفهمك و لم أتمكن من ذلك منذ ألقت بنا الصروف في هذه الحفر، كنت أعتقدك ميتا ميتا لا تتحدث إلا لماما و حين تفعل تمجد المقاومة و المهادنة في ذات الوقت، لهذا وجدتك غير طبيعي، فاعتبرتك ميتا لأن بعضنا أموات لكنهم بيننا احياء يرزقون، و جميعهم ماتوا على أيدي النصارى الكافرين، و أنت لست من هؤلاء قطعا لأنك أخبرتنا مرة بأن المهادنة تجب أحيانا تماما كما المقاومة.

صحيح قلت هذا الكلام بعد إصرار من الجيران على التبرير، والحقيقة أن الشهداء هنا و هناك، و مقاومة النصارى تجب تماما كما قد يجب التعامل معهم بالسلم، و الله لولا إصراركم لما تحدثت فالحروف ماتت حين قلتها، زغردت الشابة: اليوم تكلمت كثيرا فلابد ان خطبا حصل لك أو لأهلك فوق الأرض، لكن حقا أنّا من قوم يتعاملون بوضوح،ا لشهيد من قاتل النصارى و قتل و المقاوم من قاتلهم و لم يمت، هما خطان أحمران و مابينهما هراء،،،أهيه ايصح ذاك رد عليها و هو يزيح خنفساء عن ذقنه بعد أن امضت ساعة و هي تتجول على وجهه.

واصل الشيخ:

– أخذوني إلى مكان لا ناقة لي فية و لا بقرة و لا أعرف أحدا من اهله، جميع اهله يصفقون و رموني أمام عسكري عرفت من سحنته أنه ابن عسكري آخر كان من حرس گفر أو الحاكم، و مكثت أنتظر ساعات و هو يحضرون سكان الحي الآخر من مدرجنا، و وضعوا ورقة في يدي و ضموا أصابعي عليها حتى لا تسقط و أدخلوها في صندوق، أظنني كنت أصوت للشيخ العافية.

 قاطعته المرأة:

– بل تصوت لعزيز المخلص رئيس الدولة. قال الشيخ:

– لا لا اخبرني الحرسي ان صوتي سيكون في صالح أحد اثنين كلاهما من الشرق، ويتناوبان معنويا على قلب عزيزك الذي يسمونه هناك بالحفار، و لا أفهم لماذا لا يتركهم و يقيم فوقنا و يتولى المهمة التي كان يتولاها ولد بيديه في سالف الدهر. واصل الشيخ:



ـ تتكلمون جميعكم عن أشياء لم تفهموها فالشهداء الذين تتحدثون عنهم لم يكن من بينهم من ماتوا في حربنا ضد الصحراء و لا الذين أستشهدوا على يد التنظيمات الإرهابية و لا الزنوج الذين قتلوا ظلما وعدوانا و لا من أعدموا بتهمة قتل النصارى في عمارة النعمة، من أستشهدوا في قتال ضد النصارى ليسوا وحدهم الشهداء أم أن عليكم أن ننتظروا حتى يحكم البلاد من يقرب لهم حتى يجلس في مدينة الرشيد و يأمر بكتابة التاريخ بطريقة جديدة، أنصفوا الجميع أو اتركوا الجميع، و على كل وفي جميع الأحوال أنا مع الشيخ العافية أو أحد أقاربي.

اعتدل الجنوبي في جلسته و قال :

ـ أذكر أن الراحل المختار هنا. قاطعته المرأة:

المختار عميل لفرنسا، رد عليها: 

صحيح لأننا نتكلم عنه اليوم في ظل هذا الحكم، بالأمس القريب لم يكن كذلك، وهنا أقصد امس معاوية و هيدالة و من قبلهما، لن أكمل قصتي إذ يبدو أن السيدة لا تريدها. ردت عليه:

– لا يورطك الأمر واضح و ضوح الشمس هل تذكر خطاب الاستقلال الذي تلاه هو شخصيا بالفرنسية، أين الشهداء في ذلك الخطاب و أين ارواحهم فيه؟

قال الرجل:

– أعتقد أن الاعتبار للأسف أعيد لهم بفرنسية ركيكة و ليست مستقيمة في تعديلات عزيز. 

وهما يتكلمان يفور الشيخ و ترتعد فرائصه:

ـ اقسم بالله لو أخرجوني مرة اخرى لأقتلن ذلك البدين النتن..لن تفعل لأنك إن خرجت ستجد أمامك من المشاكل مايشغلك و نصفها من البدين قالت المرأة. رد الشيخ:

– إنه صناعة عزيز و أنتِ تمجدينه.

– انا ياشيخ لا أمجد عزيزا، لكن حين أحس النفس الجهوي يتحرك و ينبعث أدافع عنه و أمجده، أعرف أنه انقلابي أصلح أمرا و أفسد أمورا تماما كمن قبله، لكن الخطر الحقيقي فعلا هو بعثه للخطاب الجهوي بطرائق شتى، و تمزيقه للأسرة الواحدة بتسريب محادثات نسيها أصحابها و تجاوزوها.. المقاومة يحاولون تصويرها على أنها لعرق دون الأعراق الأخرى.. للعرب دون الزوايا و لجهة دون الجهات الأخرى.. الأمر ليس صحيحا فقد حدثني أجدادي من عرب الشمال عن العمليات المشتركة التي شاركت فيها المقاومة من كل الجهات و الأعراق، حدثوني عن وقوف الجميع ضد المستعمر كما حدثوني باحترام عن اجتهادات العلماء الذين رأوا بضرورة مهادنة المتغلب بعد أن حاولوا لم شمل المقاومين مع و قبل توغله في البلاد.. تعلمنا التاريخ من هؤلاء بطريقة كانت تطمئن الجميع و الآن نريد له أن يفرق الجميع.

قال الشيخ:

ـ في ارضنا كنا نتحدث عن مقاومة الشمال و الجنوب أكثر من حديثنا عن مقاومتنا، كنا سند ولد داداه في بناء الدولة و لم نفكر في اختلافاتنا الجهوية ففي النهاية كان همنا أن تظل البلاد قوية و أن تحافظ على أرضها كاملة غير منقوصة.. التفتت إلى الصامت أبدا فإذا شخيره يتجول صدى في الرمس..لقد نام الجنوبي قبل أن يعود رعاتي بالحليب، و رغم أن عيشه جاهز إلا أنه لم يعد يقوى على السهر.

قال المرأة:

– جميعنا تعبنا من الموت و جميعنا نحب الحياة، لكن مادام في الأعلى من لا يحترمون الشيوخ و لا النساء و لا الهادئين فالأفضل أن نموت مرة اخرى.. 

فرك الجنوبي عينيه: لا أريد أن أموت عن شمالية كهذه و كهل من الشرق طيبته و بياض سريرته هما مايجعل هذا المدرج الصامت جنة تحت الأرض..لكن هل يمكن أن تكون فوقها؟!!!!

يواصل غناءه ذلك الشاب البولاري الذي دخل الرمس شابا و مازال يرتدي بزته العسكرية:

الحياة فوق لاتستحق الحياة معكم،افضل بكثير مررت بقتلتي منكم يعذبون و يصرخون طلبت النقل الى البيظان من اهل الجنة فهؤلاء من بكوا لتسفيري ووجموا حين أبلغوا بقتلي هؤلاء أبناء وطني لأنهم معي في الجنة..

نهرهم الحرطاني، دعونا نفكر في الغد الجميل و الوعد الالهي بالسعادة بدل نبش سوءات الآدميين.. تصبحون على جنة سنسمي أحد احيائها بالوطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى