مذكرات رجل من أسرة متعددة المشارب 2

الزمان انفو – ب- إغرم اولاد جرار وأسرة ابراهيم ولد محمد محمود ( 1952 _ 1967 )

عندما ولدت بقرية اغرم اولاد جرار  30 أكتوبر 1952 كانت والدتي رحمة الله عليها فاطمتو بنت محمد فاضل ولد سالم ولد بابو السباعية  تقول لي بأنني فال خير على الأسرة باجمعها ففي ذلك الشهر بالذات عين والدي ابراهيم ولد محمد محمود  رحمة الله عليه معلما للغة العربية  بمدرسة الشيخ النعمة بايت الرخاء نواحي تزنيت … وعندما أصبحت أعي المحيط الذي ولدت فيه وعشت فيه طفولتي بداية الستينيات وجدت نفسي في بيت مجاور للمسجد العتيق بقرية اغرم اولادل جرار الذي سكن ودرس فيه جدي محمد محمود وأخوه محمد لمين …. فبالإضافة إلى والدتي وخالتي خدوج وجدتي زينة بنت  علي البعقيلية كان لي أربعة أخوة وثلاث بنات الأخ الكبير محمد هجر –  بضم الهاء – قسرا إلى كلميم ليعيش مع جده محمد محمود  … شقيقتي الكبرى فاطمة توفيت  وهي في ريعان شبابها جراء مرض السل الذي كان دواؤه مستعصيا في تلك الحقبة وكنت اسمع بالموت ولا اعرف كنهه وكنت اقول في نفسي وانا صبي صغير بأن اختي فاطمة سافرت إلى عند الله وستعود في يوم من الأيام لأنني كلما سألت والدتي عنها تقول لي انها مشات عند الله يا ولدي … انها اول فاجعة تقع في منزلنا  التي تأثر بها الكبار أما نحن الصغار فلم نكن نحس بما يدور حولنا …. أما جدتي من والدي شطومة بنت سي علي بن محمد الغرمي فلم اعرفها ولا اعرف اي وقت تو فيت وكانت  والدتي تقول لي بأن والدي ابراهيم مرض مرضا شديدا بالحمى واوشك على الموت وكانت والدته تصعد إلى سطح المنزل وتصرخ  بأعلى صوتها طالبة من الله إذا كانت الموت سيفتك بأبنها  الوحيد  وفلدة كبدها ابراهيم أن يذهب بها هي في مكانه. … إنها المحبة السرمدية التي ليست فوقها محبة ….إنها محبة الأم لابنها وتضحيتها بمهجتها من أجل إنقاذ ابنها …. إنها المحبة التي التي لم تعد فوقها محبة تجسدت في بيت متواضع بقرية نائية في أسفل جبل بين امرأة من اصول معقلية زوجة شريف سباعي ادريسي جاء مع والده  وأخيه من تخوم شنقبط ليرغف من كتاب الله وعلوم سنة نبيه في مسجد عتيق ليتزوج بابنة شيخ القبيلة التي لم بكن له سابق معرفة بها وتمنحه ولدا بكرا لأسرة جده بمنزل يتكون من سبع اخوات لا أخا لهم ولكم أن تتصورون محبة هذا الصبي ابراهيم الذي كاذ مرض  الحمى أن تفتك به وقام والده بتهجيره بعيدا عن أسرته وخالاته ليعيش بعيدا عليهن في زاوية الشيخ النعمة التي حفظ بها القرآن الكريم  والعلوم الدينية وأصبح اول معلم للغة العربية بمدرسة القرية التي ستحمل اسم الولي الصالح الشيخ النعمة الذي تعمد أحد المسؤولين في مندوبية التعليم بتزنيت بكتابة اسم المدرسة  مجردا من لقب الشيخ  وكتبها مدرسة النعمة ولعله أحد الوهابيين الغلاة الذين يكرهون أولياء الله الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. .،،انه الفكر الوهابي الذي انتشر في بلادنا مؤخرا وقانا الله من شره وارجع كيد أهله في نحورهم ..

عشنا في منزلنا المتواضع باغرم اولاد جرار في منزلين متجاورين الأول نسكن فيه مع الوالدة واخواني احمد والساخية وحجبوها ولمام وجدتي زينة بنت المقدم علي وبعض الخدام والخدمات لا أذكر منهم إلا عمر نزينة الرخاوي … والمنزل الآخر المجاور الذي تعيش فيه خالتي خدوج وابنيها الحسين وسالم …. كان مثالي الكبير هو شقيقي احمد فقد كنت اقلده في كل شيء في اللباس والمتابرة والاهتمام بالدراسة وكنت احاول تقليد خطه العربي الجميل الا انني لم أفلح لأنه غادرنا للدراسة في مدارس بنيوسف بمراكش ….شقيقي محمد عاش بكلميم عند الجد لأن عادة السباعيين والشناقطة في تلك الحقبة أن يتركوا الابن البكر يعيش بعيدا عن والده ووالدته ويعيش في كنف جده حتى لا يحس الجد انه اصبح جدا كبيرا وحتى يتعود الجميع على مناداة الجد بابي بذل جدي ….الشقيقتين الساخية وبحجبوها لم تستطيعتا إتمام دراستهما الابتدائية لأن عادة البلد في تلك الحقبة عدم تشجيع تمدرس البنات لأسباب اجهلها شخصيا …. كان سالم ولد خالتي هو خليلي وصديقي ومنافسي في كل شيء كنا لا نفترق نلعب سويا  .. ندرس سويا … ونتشاجر سويا … ويحمي بعضنا البعض في وجه أي مكروه يتلقاه أحدنا  ،،،،نلعب البي ولماغيل وحابة ودراجة السلك والفلوس المصورة في الاوارق … كانت خالتي خدوج بالمرصاد لكل من حاول الاعتداء علينا من ابناء البلدة ….كنا نسمع اترابنا واصدقائنا ينادوننا بالقاب لم  افهمها إلا من بعد. ..  ينادوننا بالفروي والعربي والصحراوي وهي ألقاب يقصدون بها اننا غرباء عليهم فمنزلنا يسمونه منزل اد  محمود. … منزل العرب …منزل لفرو….وانا عندما يريد أحد الأصدقاء الانتقام مني لفظا يناد يني بالفروي وهي عبارة قدحية تعني اني  العربي القادم من ادغال الصحراء لا قيمة لا لملبسه ولا لمأكله ولا مشربه ولا ماضيه ولا حاضره ولا مستقبله . … عشت مع شقيقي احمد وسالم والحسين  ولد خالتي طفولة صعبة في بيئة نحس فيها بأننا غرباء ….وغريب الدار تنبحه الكلاب …. جميع شباب قرية اغرم والقرى المجاورة كلبريزة ولبرزة وبلالات ووعلكة ودار بيه واد علي وسعيد  كلهم كانوا ينظرون لنا نظرات شجر وأننا غرباء عليهم وأننا جئت واشترينا منزلهم وحقولهم ومزارعهم وكنا نسمع كلمة  الفروي بين الفئة والأخرى كنا محسودين على لباسنا  وهندامنا وكتبنا ومحفظاتنا وسحناتنا. ……ومن الاصدقاء الذين لا زلت احتفظ بذكريات جميلة معهم أذكر على سبيل المثال لا الحصر اولا بحميد الحسين والعربي كنا نلعب جميعا ونفرح ونمرح كان الحسين ولد حميد يتباها علينا بأنه يعرف اللعب بعجلة السلك كان يحاول أن يقنعنا انه أمهر سائق بين أزقة القرية ….. وصدق الذين قالوا إن مواهب الشخص تظهر في صباه …..فقد أصبح فيما بعد الحسين ولد با حميد سائقا بارعا في شركات النقل الدولي خاصة شركة ساتيام وسبرتور التي عمل بها إلى ان أحيل على التقاعد مؤخرا ….. لقد مارس ولد با حميد في كهولته ما كان يجسده ويحلم به في صباه ..،، اما اخوه العربي فقد أتم دراسته في التكوين المهني وعمل مسؤولا كبيرا في معمل بيك لصنع الأقلام بالدار البيصاء ….كما كان من اترابي ونحن صغارا الحسين ولد لمعلم عبدل ولد دادا المعروف بولد الدويك. .. ومحمد ولد الشيخ سعيد وأخوه عبدالله …..

أهم ما حز في نفسي اننا لم نحفظ القرآن الكريم لأن المسجد العتيق فقد بريقه واصبحنا نزوره كاطلال. ….وديارا كانت قديما ديارا … سترانا كما نراها قفارا . ……. وهو ما وقع بالفعل حيث أصبحت المدرسة التي درس بها  محمد محمود ومحمد لمين أصبحت قفارا بيوت آئلة للسقوط تبكي الماضي  التليد …..ففي الوقت الذي كان آبائنا واجدادنا حالهم يغني عن سؤالهم بنوا مسجدا بكل مقوماته وفروا الفقهاء والمأكل والمشرب لعشرات الطلبة الغرباء مثل جدي وعمي فنحن الأبناء مهما عانينا من ظروف الغربة في الوطن لن ننس أن قبيلة اولاد جرار آوت ابائي وبها رأينا النور   وفيها لعبنا وتلقيها اول الحروف الأبجدية ولهذا قررنا نحن حفدة أسرة اهل محمدو أن نوقف منزلنا برمته وقفا للمسجد على اساس ان يكون سكنى لامام أو اي عمل له علاقة بوقف المسجد العتيق أدوار اغرم الفقاني …..جعله الله وقف خير وبركة  يكون روحا وريحانا وجنة النعيم  لكل أجدادنا الذين ماتوا ولنا نحن الذين  سنموتون مهما طال بنا الأمد  ….. أما ابناء اغرم رغم غناهم اليوم فلم يستطيعوا المحافظة على ما وصلواىاىيه أجدادهم وخاصة المحافظة  على المدرسة الوثيقة. ..

وللتاريخ اقول انه كان بعين اولاد جرار قائدا قيل لي انه كان حازما كريما مقداما هو القائد عياد الجراري الذي قال فيه الرايس بلعيد انه يحمل البارود في يده يسي البارود غفوس وقد كانت  بجدي محمد محمود صداقة متينة فهو الذي كان يجلب ه ريش النعام من شنقبط والعبيد والخدم يو كان هناك سوق لبيع العبيد أما اليوم فقد تسوى الجميع واستقت البحار من الركايا وقد طابت منادمة المنايا …..كان القائد عياد يحترم اسرتناواسرة بابا لمين كما نقول له أو سي لمين كما يقول له اولاد جرار ….. وكان القائد عياد يعفي اسرتناواسرة من الخدمة للمخزن وكان ذلك يحتفي نفوس بعض الجراريين. ….قيل لي والقول منسوب لقائله والدي ابراهيم أن جماعة من اولاد جرار ذهبوا عند القائد عياد وقالوا له انك لا تعاشر ولا تجالس إلا الاعراب القادمين من الصحراء بينما تهمنا ولا تنادينا إلا للعمل والتعذيب  … اجابهم القائد  عياد بأن الإعراب يأتون عندي لمجالسي  بالدين والحديث والشعر وجوهر الأدب  وانتم لا تايون عندي الا متخاصمين متناحرين والعياذ بالله …..القائد عياد نفي من طرف الاستعمار مع كاتبه الخاص ولد كردن السباعي إلى سجن الجديد ولم يطلق سراحه إلا بعد أن لقحوه بلقاح الموت ليسلم الروح باريها بمجرد رجوعه إلى عين اولاد جرار …..أما ابنه عبدالله وانا مسمي عليه فقد كان يعيش حياة البدخ والترف إلى أن القي عليه القبض من طرف جيش التحرير ليقتادة هو جماعة جماعة القياد إلى كلميم قرب فندق الحاج بنيحيى ويلبسونهم الخيش ويغسلون بهم السيارات إلى أن تم  إعدامهم بنواحي طاطا يوم عيد الأضحى وكانوا هم من حفر قبورهم بأنفسهم. …وقد ذكرتني تلك الواقعة بما فعلوه الأمريكان بالشهيد صدام الذي أعدم هو كذلك يوم عيد الأضحى. ….

درست في مدرسة اغرم التي توجد قرب السوق الاسبوعي الخميس ……كم كانت فرحتي كبير اول أكتوبر 1960 عندما   تأبطت محفظتي الصغيرة وبها كتاب ايام الجد والنشاط وكنت مزوهوا مع شقيقي احمد الذي يسبقني بعدة اقسام …..لا زلت أذكر اسم المعلمين في التحضيري وهما سي احمد وسي علي وانا لا اعرف لقبهما وكنت اسمع أنهما من قرية أكلو القرية الشاطئية قرب مدينة تزنيت ……درسني عدة معلمين في الأقسام الابتدائية أذكر من بينهم معلم الفرنسية سي برحيم والعربية بدر الدين وسي احمد الدباغ رحمها الله وسي محمد السعداوي الذي درسنا العربية و  الفرنسية والذي عمل معنا بكل جد إلى أن حصلنا على الشهادة الابتدائية التي كانت لها أهمية قصوى …..

لقد كانت  للمعلم هيبة ومكانة  مهمة وكنا نحترمهم احتراما كبيرا ونخاف حتى أن نلتقي معهم  في وسط الطريق …اما  اليوم  فلا احترام للمعلم  لتلامذته ولا التلاميذ لمعلهم اختلط الحابل بالنابل …. رحم الله احمد شوقي عندما قال ..قم للمعلم وفيه التجيلا….، كاد المعلم أن يكون رسولا ….

لا زلت أذكر  الاحتفالات التي تقام في المجموعة المدرسية آخر كل سنة والتي كنا نعد لها بكل فرح وسرور لأنه يعلن بداية العطلة الصيفية ولا زلت أذكر تألق اخي احمد في تمثيلية تحت عنوان قتلنا الثعبان  ….،،وقد أصيب اخي بعين حقود وحسود ومرض مرضا شديدا كاذ أن يودي بحياته فمنطقة اولاد جرار  معرفة بالعين (مياطة )  … وكل المظالم والموبقات اجتمعت في تلك الارض الغير الطاهرة فكما قال أحدهم اولاد جرار هواها سم وماؤها دم ………..لم أر في حياتي قبيلة يشعشع الظلم فيها ولا احد يقول اللهم إن هذا منكر فانكرناه ….يشهد الجراري على الظلم وهو نتشرف بشهادته. … ويتنكر الجراري لخير فعلته فيه وعليه ينطبق ،، إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ….

وإذا انت أكرمت اللئيم عليك تمردا ….

أنا لا اعمم لكنني لا زلت احتفظ عن كريم جراري فلم اعثر عليه لا في الماضي ولا في الحاضر واخاف أن أجده فيما تبقى من حياتي ….الجراري يأخذ حقك قهرا وعندما تذهب به إلى المحكمة يتكبر ويتجبر ويريد أن يسلبك حقك بكل السبل ويبكي بكاء التماسيح وعندما تنتصر عليه في كل درجات القضاء يمتنع عن تنفيذ الأحكام القضائية ويتهرب بكل الحيل بما فيها الالتجاء إلى تشويه غريمه إعلاميا والكذب والبهتان وهو لا يعرف أن القانون يجرم المشهر الكاذب الجسوس الافاك الفاسق ….الجراري عندما يحس انه انهزم يلجأ إلى التهديد بالقتل وهو لا يعرف أن نية القتل يعاقب عليه في الدنيا بالسجن المؤبد أما الآخرة فأغلب اولاد جرار لا يفكرون فيها ….

وحرر بنواكشوط في 12 يوليوز 2018

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى