حرب حارقة مضيئة

altمن المثير فعلا  أن تضيء الحرب ـ على رأي البعض وحسب فهمه ـ والطبيعي أن تحرق، أو أن تكون مصدر دمار وخسار وخراب واسع ، مزمن يصعب معالجة آثاره المختلفة، ولو على مدى طويل!.

أجل انطلقت الحرب الأخطر في التاريخ الغرب إفريقي، على الأقل في الحقبة المعاصرة، فيما بعد الاستعمار، وقتلت حتى الآن وحطمت الكثير من السكان والمساكن والمكاسب الأمنية الهشة، لكنها قد تحطم من أقدم عليها، أي فرنسا نفسها، ومن ورائها القارة الأوربية العجوز، التي تئن من اقتصادها ووضعها الحالي في كل مجال، وستدفع ثمنا باهظا من أمنها واستقرارها وبقية رخائها الاقتصادي الهش المتآكل.

وإذا كانت أمريكا تضعضعت تحت ضربات وانعكاسات حرب القاعدة وطالبان في أفغانستان وباكستان والعراق، وهجوم 2001،في قلب نيويورك وواشنطن، وكذالك حرب المواجهة المفتوحة مع ما سمته “الإرهاب” حسب قاموسها الخاص الأعوج، الذي يزكي اللوبي الصهيوني الدولي وكيانه المصطنع بريطانيا وغربيا، والمدعوم أمريكيا بصورة رهيبة ، ملفتة لانتباه كل مراقب، من قريب أو بعيد.

 فإن فرنسا هذه المرة، قد أخطأت توقيت مشروعها الاستعماري ـ ولو بطريقة غير مباشرة ـ لغرب إفريقيا المسلم!!!.

أجل قرر هولاند الحرب و دخل فيها، في بداية عهدته الرئاسية، غير الموفقة، وهو من صنع العيال دون شرعة ،من عشيقته السابقة سيغولين رويال.

 حتى لوكانت هذه الشرعة  مغلوطة  محرفة  الأصل، وهو الداعم عمليا وسياسيا للمثلية حيث وزر مثليا معروفا في حكومته، هذا الرئيس الاشتراكي الخطيب المتأني في نظر البعض رغم طريقته  “الأخلاقية الغربية المثيرة في نظر بعض الفرنسيين أنفسهم” أقدم على محاربة الآمنيين ولو نسبيا، بحجة مكافحة الانفصال، والحرص الزائف على الحوزة الترابية للدولة المالية المهددة بامتياز!.

لكنه لم يحسب لطبيعة الخصم “العقائدية الفدائية العارفة بدروب المنطقة وفنون حرب العصابات” ومايرافق هذا التوقيت الحالي ـ في المنطقة العربية والإفريقية ـ من كره عميق لمشروعهم الصهيوني ، القائم في فلسطين المحتلة، والمدعوم غربيا دون انشقاق، أو اختلاف كبير يذكر، حول هذا الموقف الظالم الإجماعي.

تم رفض العرب والمسلمين برمتهم للسياسات الازدواجية الغربية، و مجافاة القانون وحقوق الإنسان ،حين يتعلق الأمر بنا معشر المسلمين ،والعرب المسلمين بصورة أخص!.

ونسي أن الربيع شمل دولا  عربية مهمة، وهو مطل على البقية، دون تأخير إن شاء الله.

هذا الجو قد يولد نتائج كارثية على فرنسا والغرب بصورة أوسع، لأن القاعدة وأنصارها من الطوارق قد ينسحبون من المدن، ليخوضوا حربا داخلية (في منطقة أزواد) و خارجية مفتوحة، مثل عملية حقل أميناس الجزائري المرعب النتائج والدلالات.

وعندما يطول الوقت، مع استمرار هذه الحرب الاستنزافية للطرفين، وخصوصا لفرنسا والغرب المنهك من حرب “الإرهاب”، سيحدث ما لا يتوقعه أكبر مراصد الغرب برمته.

سمعت ان بعض الكتاب اليابانيين، قبل فترة غير بعيدة، توقعوا تحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى دولة إسلامية، وأقول تعقيبا لا أستغرب ،و إنما موقن بذلك، بدليل تبشيره صلى الله عليه وسلم، بأن يعم هذا الدين بعد غربة ثانية، وسيادته للأرض كلها، حتى يشمل كل بيت من حجر أو وبر أو مدر.

 سبحان الله، أخلافة راشدة على أعتاب الزمن القريب المشرق المضيء ،بعد حرب مالي الحارقه فعلا، لتصبح نتائجها و تداعياتها مضيئة للعالم أجمع.

مع تناقص نفوذ التفكير النمطي الغربي الضيق الأفق، الصهيوني الخلفية والمحرك، قد تحدث المفاجأة، بدءا بأمريكا ومرورا بأوربا كلها، ووصولا  إلى العالم كله إن شاء الله.

” وما ذلك على الله بعزيز” يا عزيز وبقية حكام وسكان المنطقة وفرنسا و أمريكا و الأرض كلها (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).

ستسقط أمريكا تحت انعكاسات حروبها ضد القاعدة و الدعم الأعمى للصهاينة، ومع حماية حرية التعبير، المكفولة داخليا ، سينشط المد الإسلامي فى أمريكيا ،الولايات المتحدة، وأمريكا القارة كلها، وربما يتحقق وقتها توقع المفكرين اليابانيين المزعومين!!!.

ونفس المسار مع فرنسا وأوربا، ووقتها سيرث المستضعفون المطاردون في الأرض، من (المجموعات الإرهابية الإسلامية ) وغيرها من الجماعات المعتدلة، الأطول نفسا و الأكثر مرانا ومراسا، نعم سيرثون الأرض الفرنسية الأوربية،بسبب الظلم والخروج بغيا وظلما وغزوا إلى أراضي الغير، بحجج مصطنعة، تخفي طبعا وراءها المصالح الضيقة النفعية والإسترزاقية، سواء في حساب فرنسا أو أوربا أو أمريكا أو الغرب كله.

ثم إن إطلاق عبارة متطرف وإرهابي لم تعد كافية لتبرير الاستيطان الاستعماري الجديد التوسعي،لأنكم معشر الغربيين صغار العقول، تطمعون في خديعتنا كلنا.

قد تخدعون أو ينخدع لكم الحكام، لحسابات نفعية مؤقتة وخاصة،أما الرأي العام العربي والإسلامي، وربما العالمي، عند أحرار العالم ، فقد بدأ يدرك بقوة وبساطة سخافة حججكم، لأنكم أصحاب معايير مزدوجة باختصار.

أليست إسرائيل أو الكيان الصهيوني المصطنع، كما نفضل تسميتها، و هي التسمية الأصح، أقول أليست هذه المسخة الغربية الصنع، ماركة بريطانية أولا، ثم غربية ثانيا بإجماع ، ألا تمثل إسرائيل هذه ، وخصوصا قادتها وجيشها  وأهل تدبيرأمرها ،من اليهود الصهاينة، قمة التطرف و الوحشية في العالم أجمع، بل في الكون كله، من سماواته وأرضه وأفلاكه؟!!.

ألم تدعموها دعما قويا خفيا وعلنيا، واستراتيجيا بامتياز، وبخبرة ودراسة وتخطيط، ثم تقولون لنا عاملوا متطرفيكم بالقوة والقتل، بدل الحوار وبحث مخارج الحلول السلمية.

ونحن ـ أي الغربيون ـ سنظل أمامكم نتبجح بدعم المتطرف الأسرائيلي، و ندعوكم علنا وبوقاحة للتطبيع معه على مختلف الأصعدة، ولو تدريجيا!!!.

نعم للقاعدة والتوحيد والجهاد وأنصار الدين وغيرها من أحرار العالم ، عند مواجهة غزاتكم الغاشمين، ولا وجه لدعم الكافر على المسلم،ولو كانت له نواقص في دينه لا تصل إلى الردة والخروج من الملة، وبعد الفراغ من عملية طردكم، لنا حديث مع دعاة الانفصال، الذين لا يرفض بعضهم أو أغلبهم البحث و الحوار و المخارج، رغم أخطاء سابقة ثقيلة، في حق الدولة المالية الأم، التي نحرص على إعادة وحدتها المفقودة للأسف البالغ.

على كل حال خير لكم معشر الغزاة الفرنسيين مراجعة سياساتكم الخرقاء، الضارة بالفرنسيين أنفسهم، ونحن أجدر بحل مشاكلنا، لأنفسنا بأنفسنا، وتدخلكم في هذه الأزمة، رغم الغطاء الأممي المصطنع المفبرك، سيضر بوجودكم الحضاري الغربي، ولو حرق بعض الحياة وخضرتها،في الشمال المالي وجواره الإقليمي.

فستنبت شجرة الإسلام في أمريكا وأوربا و العالم أجمع ،من فيض الدماء الزكية البريئة، التي ستزهقونها بأسلحتكم الفتاكة المتطورة المدمرة إلى أقصى الحدود.

ووقتها يفرح المؤمنون بنصر الله، ولوبعد حين ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾

(“ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين” (القصص 5)

هذه هي المحصلة البعيدة النهائية، والأمور بنتائجها الحقيقية النهائية، وليست بالقشور والخسائر الآنية المؤقتة، فحرب واحدة، قليل في حساب الصراع بين الحق والباطل، على هذه الأرض الطويلة العمر والسجال، قال الله تعالى  (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ).

أما حسابات المقاعد وكراسي الحكم، فتلك قصة أخرى لنا إليها عودة، وقد تسقط هذه الحرب بعض الرؤوس والأطراف الإقليمية والخارجية اللاعبة في المسرح الخطر، وترفع أخرى ،في سياق التداعيات و الإنعكاسات الميدانية والسياسية و الإقتصادية والأمنية، فالحرب شيء كريه ثقيل قاتل مؤثر، حمانا الله من سائر الفتن، ما ظهر منها و ما بطن.

وقد يكون للنفط والمعادن و المصالح الإقتصادية و الإستراتيجية نصيب وافر، يستحق مقالا مفردا، فقد لا تريد أمريكا استخراج نفط موريتانيا الزاخر المؤكد ـ بحريا ـ حسب معلومات الأمركيين الدقيقة في  هذا الصدد، أقول قد لا تريد أمريكا لهذا النفط الموريتاني،أن يستخرج إلا بعد نفاد نفط المشرق العربي بوجه خاص، وبالتالي تفتعل الولايات المتحدة الأمريكية الحرب وعدم الإستقرار في شبه المنطقة، لهذا الغرض أو غيره من حساباتهم واستراتيجياتهم الكثيرة العميقة أحيانا، فهم رغم كفرهم يفكرون ويخططون، ونحن  ـ دائما أو غالبا ـ  اعتباطيون ارتجاليون عاطفيون آنيون .

فهل ننتبه قبل فوات الأوان؟، لا أظن ذلك قريبا.

لا حول ولا قوة إلا بالله.

بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير أسبوعية الأقصى/ حرر بأطار الجمعة الموافق 25/01/2013

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى