نص مبادرة مسعود ولد بلخير

altبسم الله الرحمن الرحيم

مساهمة للبحث عن مصالحة وطنية

1     – مدخل: إذا كان من غير الهين توقع وصول كل من منسقية المعارضة الديمقراطية ورئيس الجمهورية لقراءة موحدة للوضعية الحالية للجمهورية الإسلامية الموريتانية، فمن الغرابة أن لا يقبل الطرفان، أن البلد منذ انقلاب 6 أغسطس 2008 يعيش حالة من التوتر والاختلال السياسي.

هذه الحالة جدير بنا جميعا الوقوف عندها لمحاولة شرح أسبابها بإيجاز، وذلك قبل البحث عن الطرق والوسائل الكفيلة بالتغلب عليها معا.

إن مقاربة في هذا الاتجاه لن يكون من مفرداتها الغالب أو المغلوب وإنما المصلحة العليا للوطن هي وحدها المنتصر، والوطن وحده الواجب تأمينه من كل خطر من شأنه أن يعرقل مسيرته نحو الديمقراطية والنماء، أو يمس من أمنه ووحدته الوطنية والترابية.

إن الطريقة الأنجع لرفع هذا التحدي تتمثل في ضمان السير المنتظم لمؤسسات الدولة في مناخ سياسي وديمقراطي هادئ يجب خلقه فورا،

مما يقتضي التكفل بالهموم الواقعية للمواطن في ميادين العدالة والحرية والأمن والمساواة في الفرص واحترام الكرامة وحق الاختلاف والتوزيع العادل للثروة الوطنية والحق في التعليم والصحة والعمل والسكن..

لاشك أن الحديث في هذا الشأن أسهل من التطبيق الذي لا بد أن يمر بمأمورية سياسية عبر انتخابات حرة وشفافة يشارك فيها الجميع، وهو ما لا يمكن التوصل إليه إلا في جو سياسي يطبعه الاطمئنان والهدوء، فيه يصبح كل شيء ممكنا بما فيه تقبل النتائج مهما كانت.

ولأن القرار الصحيح لا يضر إن جاء متأخرا فقد حان الوقت لنتجاوز جميعا (أغلبية ومعارضة ومجتمعا مدنيا) المواقف الحزبية التقليدية من جهة والتفرج على الشأن العام من جهة أخرى؛ وذلك للتفرغ لما هو  أهم وأكثر تجردا وهو المصلحة العامة أو الوطنية المهددة اليوم أكثر من أي وقت مضى.

إن هذه المصلحة تتطلب منا جميعا مراجعة الأنا التي كثيرا ما تكون دافع قناعتنا  وأوهامنا الذاتية. وعليه فإن الخيار الوحيد أمامنا هو العمل على المحافظة على بقاء البلد دولة وأمة فبتلك الروح وفي ذلك الفضاء سيتحدد الظرف الزمني الذي يمكننا من تجسيد أعمالنا وتحقيق طموحاتنا.

ومن أجل إنقاذ وطننا الذي هو في خطر يلزمنا – كفاعلين سياسيين- أن لا تكون خلافاتنا أو عداواتنا – مهما كان عمقها- عائقا أمام توحيد جهودنا، وهذا ما يمليه واجبنا الوطني والسياسي والأخلاقي والديني، لأن كل تصرف مناقض لن يكون متقبلا ولا مسموحا به من طرف المواطنين المحفوفين بالمشكلات من جهة. إن ادعاء أو اعتبار أن الدولة لا تعيش وضعية اضطراب متنام أو أزمة يتطلبان –وبسرعة- علاجا فعالا وخاصا. إن ذلك الادعاء مغامرة ولبس يجب تحاشيهما لكونهما مفضيين إلى الفوضى ومبعدين عن الخير بالنظر إلى الواقع الهيكلي والظرفي الذي لم يعد قابلا للنكران.

2     – حقائق هيكلية مرة..

إن قدم الهياكل التقليدية وتعقد انسيابية القيم والمعالم المؤسسة لها واللامساواة واللاعدالة المتزايدة والتجاوزات المفرطة والتمييز والإقصاء شبه الممنهج بحق فئات كاملة من المجتمع إلى جانب الجهل والبطالة والفقر والأمراض المزمنة، إن كل تلك حقائق أليمة تضعف المجتمع، وتؤخر تكوين الجمهورية التي بدونها يستحيل التفكير في إمكانية ترسيخ دولة القانون القادرة وحدها على مواجهة والتغلب على جميع المشكلات التي تتعقد يوما بعد يوم.

إن الدولة القوية –أيا كان حكمها- (رئاسيا أو شبه رئاسي أو برلمانيا) والتي تستمد قوتها من القانون الأساس والمؤسس الذي يكفل جميع التطلعات ذات الأولوية للمواطنين في مجال الحرية والمساواة والعدل الاجتماعي والكرامة والرخاء وحق التعليم والعمل والصحة والسكن –باحترام كامل واعتراف مطلق بحقهم في الاختلاف- طبقا لخصوصياتهم العرقية والاثنية واللغوية والثقافية؛ هذه الدولة هي الضامن للوحدة وديمومة اللحمة الاجتماعية والسلم المدني، وهي الكافل الحقيقي للتناوب السلمي على السلطة.

ولضمان نجاح هذه السياسات يجب العمل على تحقيق الحياد التام للإدارة وضمان حياد السلطة القضائية وفصلها عن السلطة التنفيذية. ويخضع قياس مصداقية الدول عادة لنوعية الخدمات التي تقدمها الإدارة – الوكيل الأساسي للسلطة التنفيذية- من جهة، ولمصداقية خدمات مؤسسة العدالة المقدسة من جهة أخرى.

إن الدولة التي تتميز بنوعية خدمات إدارتها وعدالتها تحتاج كي تحتل مكانتها في مصاف الدول المتطورة إلى التقيد بالقيم الديمقراطية ومبدأ فصل السلطات واحترام حرية التعبير والتنظيم والتعددية السياسية والتناوب السلمي على السلطة الذي يقتضي بدوره إجراء انتخابات حرة، ذات مصداقية وشفافية ويجب أيضا على حكام هذه الدولة الاهتمام الدائم بلم الشمل والحرص على احترام وحماية التوازنات الكبرى بأبعادها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي تحدد في الأساس إرادة مجتمعات متنوعة في العيش معا لصناعة أمة متكاملة.

إن بناء دولة حديثة يتطلب حتمية مهنية الإدارة بجعلها بعيدة عن تدخلها السياسي الصارخ، لأنها تجسد رمزية الدولة وهيبتها، كما أنها هي ضامن استمراريتها، وعليه فإنها مطالبة بالحياد وخدمة الجميع بالتساوي مثلما هو في قطاع العدالة الذي لا بد أن يتصف بالاستقلالية والسرعة في تنفيذ القرارات وأن يكون في خدمة الجميع.

وعلينا أن نلاحظ بصدق ومرارة أن إحدى العقبات البنيوية للدولة تتمثل في الشعور الخاطئ لدى المسؤولين المتعاقبين بأن الإدارة ملك خاص بدل اعتبارها شأنا عاما ومحركا أساسيا لعجلة التنمية والمدنية

والوطنية وبها يتم التقدم.

إن الإدارة سواء كانت متخصصة كالطب أم مهنية كالداخلية والخارجية كادت أن تفكك وتفرغ من محتواها، لأنها مدارة من وكلاء عديمي الخبرة والكفاءة والتخصصات وفي بعض الأحيان يكونون غرباء على القطاع زيادة على أنهم لا يتحملون أية مسؤولية حقيقية.

إن رؤساء القطاعات الوزارية أنفسهم لا يبدو أنهم قادرون على اتخاذ مبادرات تعبر عن ثقتهم في أنفسهم وقدرتهم على تحمل مسؤولياتهم من جهة، كما أنها لا تدل على رغبتهم في تحسين نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين الذين يشعرون بأن الإدارة قد تخلت عنهم من جهة أخرى.

وفيما يخص الإدارات اللامركزية (المجموعة الحضرية بنواكشوط وبقية المجالس الحضرية والريفية) فإن صلاحياتها أصبحت مصادرة من طرف سلطات الوصاية دون أن يساعد ذلك في تحسين الأداء ويشهد لهذا مشكل القمامات والروائح الكريهة التي تختنق بها العاصمة.

إن تحمل الحكومة كامل مسؤولياتها والسماح للبلديات بالقيام بمهامها مع تحميلها المسؤولية التامة من شأنه أن يساعد على ترسيخ مفهوم الجمهورية في الأذهان وتخفيض الضغط الكبير الممارس على مؤسسة رئاسة الجمهورية التي أصبحت ملاذا وحيدا للمستائين والمسيرات المتعددة والتجمعات الاحتجاجية التي كان بإمكانها أن تعطل الحياة بها لولا ضيق المساحة المحاذية لمحيطها.

إن قطاع العدالة مطالب بمزيد من التفعيل من خلال إدراج مهنيي كافة المكونات الوطنية فيه، كما هو مطالب بالتحرر من السلطة التنفيذية وتحمل مهمته المقدسة المتمثلة في حماية الضعفاء والْمُقْصَيْنَ الذين هم في الغالب ضحية لمختلف أنواع الظلم بدلا من أن يبقى آلة في أيدي المتنفذين والأغنياء.

ويزيد من مصداقية هذا القطاع وفعاليته تحسين ظروف الحبس الاحتياطي والسجون والحريات (المؤقتة والمشروطة) وعليه أن يعتني

بالسجلات المتعلقة بتنفيذ الأحكام الصادرة والمتعلقة بوقف التنفيذ وضمان الحقوق الكاملة للمدانين، وإعادة الاعتبار والثقة في السلك الوطني للمحامين الذي قطعت معه كافة أشكال التنسيق والتعاون في الوقت الذي كان عليه أن يعتبر مكملا لهذا القطاع النبيل عن طريق المساعدة القضائية والتشريعية التي هي اختصاصه.وبما أن الإدارة والعدالة -وهما تشكلان القاطرة الأساسية للحكم الرشيد- ليستا في أحسن حال في الوقت الراهن، فإن تجاوز وضعهما الراهن سيشكل رفعا لعائق بنيوي ويمثل هدفا سيمكن من بلوغه استعداد رئيس الجمهورية المقبل للتنازل عن بعض صلاحياته الدستورية وانفتاحه واستعداده للمشاركة السياسية.إلا أن دور الإدارة والعدالة في توفير وتحسين الخدمات المناسبة للحكم الرشيد لا يقلل من أهمية دورهما المتمثل في تقييم وقياس مستوى الفصل بين السلطات.وفي إطار تعزيز الوحدة الوطنية والمشكلات المتكررة المتعلقة بالرق وتلك المتعلقة بالتنوع العرقي والثقافي للبلد –رغم التقدم المسجل في الدستور في هذا

الشأن- فإنه ما زال ينتظر القيام بأفعال وإجراءات مصاحبة تكون أكثرا إقناعا وفاعلية في بعض الأحيان، كما تكون أكثر ردعا أحيانا أخرى.إذا كانت المطالب المتكررة للمواطنين الزنوج تتلخص في تقاسم السلطة السياسية والاقتصادية والاعتراف بحقوقهم في الاختلاف في ميدان الثقافة واللغة فإن مطالب الحراطين تتمثل في تكريس حقهم في الحرية والرفاه، لأن ذلك هو السبيل الوحيد للنفاذ إلى معاملة عادلة ومتساوية بدون تمييز.

وهذا ما اهتم به المشاركون في الحوار كما أنه لم يفت على الرأي العام موضوعية التجريم الصريح للرق والتعذيب في الدستور والتأكيد فيه على حق الاختلاف والاعتراف الصريح باللغة العربية لغة رسمية ولغة عمل دونما أي مساس بترقية اللغات الوطنية الأخرى (البولارية السوننكية والولفية).

كما أوصى المشاركون في الحوار بتوصيات ما زالت تنتظر التطبيق وهي:

 • إنشاء وكالة وطنية للقضاء على الرق ومضاعفة الإدانات القضائية حول ممارسة الظاهرة وبدء أعمال تطوعية تدخل في إطار التمييز الإيجابي في المجال الاقتصادية والاجتماعي والتعليمي خاصة.

• تشكيل لجنة وطنية لتصفية الإرث الإنساني المدني والعسكري وعودة المبعدين ودمجهم وتعويض الأرامل واليتامى وأصحاب الحقوق وإعادة دمج الموظفين وعمال الشركات العمومية ضحايا أحداث 1989 وتسوية أوضاعهم المالية.

• إدخال اللغات الوطنية البولارية السوننكية والولفية في التعليم المدرسي وتأهيل المعهد الوطني للغات.

• وينبغي أن لا تضر هذه الإجراءات حقوق ومصالح الموريتانيين العائدين من السنغال (المسفرين) ولا الإجراءات المناسبة التي تتخذ من أجل تمكين اللغة العربية من لعب دورها كاملا وتدريجيا كلغة عمل وإدارة.

• إن تجريم الاستيلاء على الحكم بواسطة الانقلابات والتنصيص على عدم قابلية تقادمها هو أحد النتائج الأساسية للحوار.

هذا مع العلم أن الجيش نفسه أصبح مشكلة سياسية صعبة التسيير، بسبب رفضه التخلي عن السلطة التي مارسها لمدة طويلة بدون منازع. تلك الممارسة التي سببت أخطر مآسي البلد على جميع الأصعدة.إن ما يدور خارجيا يبين بوضوح لمن يريد أن يرى ذلك أن الجيش مع الثورات الشعبية لم يعد وحده سيد الموقف، ومع ذلك فإنه ما يزال يتمسك بالحياة السياسية، مما يفقده مهنيته ويجعل من البلاد فريسة سهلة للمتربصين بها. وعلى الجيش أن يعلم أن تحقيق الأمن والحفاظ على الحوزة الترابية مرتبطان بعزوفه الصادق عن العمل السياسي.وقد تمت المصادقة على إجراءات مهمة أخرى متعلقة بدعم المسار الديمقراطي وتوضيح العمل السياسي وإنشاء لجنة وطنية مستقلة للانتخابات ومدونة للانتخابات، توسيع دائرة النسبية، منع الترحال السياسي ومنع الترشحات المستقلة في الانتخابات التشريعية والبلدية، واستفادة النساء من المساواة ومن لائحة وطنية خاصة بهن.كل هذه القرارات تدخل في المطالب التقليدية للمعارضة وقد تحققت من خلال الحوار الذي كان دليلا قويا على إرادة الرئيس في بناء جمهورية جديدة تحترم الحقوق والحريات، وتعترف بالحق في الاختلاف وتساوي بين كافة المواطنين.

إن النتائج المتعلقة بتنظيم استخدام وسائل الإعلام لم تكن مقنعة، كما أن من المؤسف التأخير المتواصل الملاحظ في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه. إضافة إلى هاتين الملاحظتين، هناك ثالثة غير مفهومة ويؤسف لها، وهي غياب الترخيص لوسيلة إعلام (راديو، تلفزيون) ناطقة بإحدى لغاتنا الوطنية الأخرى (البولارية، السوننكية، والولفية) وذلك في غياب وجود قناة لكل لغة وطنية لأن من دور السلطة العمومية الحفاظ

على التوازنات الكبرى.وبصفة عامة –وبالرغم من أن الحوار كان هدفه الأساسي الوصول إلى اتفاق سياسي في الميادين المشار إليها أعلاه- فإنه قد اهتم أيضا بالمشكلات المتعلقة بالفقر والهشاشة وسوء الأحوال وعدم الارتياح النفسي الذي يشغل اهتمام أغلبية المواطنين الساحقة الذين يشكون يوميا من ندرة الماء الشروب والنقص الحاصل في التعليم والصحة والشغل والأمن الاجتماعي والثقافة والفنون والتسلية والرياضة.كل هذا يظهر حقيقة العوائق البنيوية المتعددة الأبعاد وهذه الاختلالات العديدة والتطلعات الملحة للسكان الكادحين، والمتعلقة بإصلاح حقيقي للملكية العقارية الزراعية لا يبدو أنها تحظى باهتمام السلطات المكلفة بحلها.يفترض في هذا الإصلاح أن يضمن لكل مزارع الحق في أن يصبح مالكا قطعة زراعية علاوة على ما يمكنه من استثمارها من جهة ومن جهة أخرى يتعين أن يبين أن سياسة الاستحواذ والعنصرية والإقصاء والمحسوبية والقبلية والزبونية يجب أن تحل محلها مسلكيات أكثر عقلانية وإنصافا تشمل الجميع.ويتعلق الأمر من بين أمور أخرى-  بإعادة توزيع واقتسام نتائج مصادر البلاد المعدنية والبحرية وتشجيع ظهور طبقة متوسطة في جميع الولايات وعلى الخصوص في المجموعات الوطنية التي ما تزال تعاني التهميش الإقصاء.إنه بدون التزام قوي طوعي من السلطات العمومية بإيجاد حلول مرضية لهذه المشكلات الملحة جميعها فسيكون من الصعب احتواء الامتعاض الذي يعبر عن نفسه بشكل أكثر عنفا؛ منددا بالتفاوت الكبير والفوارق التي أصبحت لا تطاق

ولتذكير السلطات العمومية بواجبها في هذا المجال تم اتخاذ توصيات موضوعية اقترحت واعتمدها الحوار، غير أنها وبعد عدة أشهر لم يشرع في تنفيذها حتى الآن. ومن بين هذه المقترحات:

• إنشاء صندوق للوئام الاجتماعي لصالح السكان والمناطق الفقيرة.

• إعداد سياسات منصفة في مجال الاستصلاح الترابي.

• إنشاء آليات للمحافظة على الخلية الأسرية.

• تشجيع وتشغيل حملة الشهادات العاطلين.

• تصور وإعداد تكوين مهني لصالح المزارعين والمنمين

.• تعزيز دولة القانون عبر إدخال التمييز الإيجابي في مجال العدالة وفي الجيش وفي الحرس الوطني والبعثات الدبلوماسية وفي المالية والاقتصاد وفي الأمن والإدارة الترابية.

• استعادة الدور الرئيسي للمدرسة في ترسيخ القيم الأخلاقية والمواطنة والحرية والكرامة والترقية والتضامن الاجتماعيين

.• تحديد استراتيجية لمكافحة الإرهاب، تحظى بالمشاركة الواعية للسكان.

• مكافحة الرشوة التي تتنامى بدل أن تتراجع.إن إيجاد حلول عادلة وسريعة لهذه الحقائق البنيوية المرة ينبغي أن يشكل الاهتمام الأكبر والدائم للحكام الذين يجب الحكم عليهم بعيدا عن العواطفومن خلال النتائج التي يحققونها؛ مع العلم أن الأمر ليس بالهين، إذ يتطلب تصحيح عادات واختلالات مضى عليها أكثر من نصف قرن.إني أعترف شخصيا للرئيس محمد ولد عبد العزيز أنه كانت لديه الشجاعة الكافية لتغيير بعض العادات السيئة المتجذرة، ولكن لم يكن باستطاعته تصحيح اختلالات الإدارة التي تزايدت أحيانا كثيرة.وقد ساهمت نتائج

الحوار –إلى حد كبير- في هذا التقييم الإيجابي والجزئي لعمله؛ خاصة أنه لو لم يكن ذلك الحوار الذي بادر به لكان الوضع أسوأ ولكانت الأزمة أعمق.إن حرصي على الموضوعية يفرض علي أن أعترف كذلك بأن رئيس الجمهورية لم يكن قليل الإنجازات في كل شيء، وهكذا فإن وسائل كبيرة تم استثمارها في انواكشوط وفي جميع عواصم الولايات وفي بعض عواصم المقاطعات (الطينطان) في سبيل عصرنتها وتمدنها (تحسين شبكة الممرات تعبيد الشوارع والقضاء على أحياء الصفيح العشوائية/ الكزرة).إضافة إلى ذلك فإن جهودا مماثلة أخرى قد قيم بها لصالح شبكة الطرق لفك العزلة ولكهربة الوسط الريفي، وفي إطار برنامج أمل 2012 وورشات كثيرة أخرى من بينها تدخلات آنية لصالح العالم الريفي كالتزويد بالماء الشروب (حفر الآبار) وإنشاء السدود الصغيرة وتقديم شبابيك لحماية المزارع.أما الوجه الثاني للعملة فيكمن في كون المسائل الأخرى التي لم يكتب لها النجاح ذات الصلة بما أوضحنا سابقا، والتي تتحول من حقائق بنيوية إلى كوابيس ظرفية تشكل بؤرا للتوتر تحمل معها مختلف الأخطار؛ خاصة عندما يتم استغلالها عن سوء نية وعدم مسؤولية.

3- ظرفية مضطربة…ليس من المبالغة القول إن الظرفية التي نعيشها من أكبر الحالات اضطرابا نتيجة للغليان في المنطقة الناجم عن الثورات العربية في تونس وليبيا القريبتين وعن الاضطراب الاجتماعي في الداخل الناتج عن الظروف المعيشية للسكان الذين يئنون تحت وطأة ضغوط الحاجة الملحة بحيث تفقدهم العقل وتارة المعتقد.ومما يزيد الوضع سوءا وخطورة ويجعل من العنف الوسيلة الوحيدة للتعبير عن عدم الارتياح كون البلد يزخر بثروات معدنية وبحرية معتبرة.ولأنه قلما تأتي آفة منفردة فقد وجد الإرهاب مكانا في

هذه البيئة المتفجرة، مما جعل أمن موريتانيا -نظرا لما يحدث في مالي- قضية بقاء.

 3-أ- الثورة والغليان الاجتماعيإن الربيع العربي ورياح الثورة التي أنتجها جاءت لتجسد بإعجاز –نظرا لجاذبيتها لدى الجماهير المضطهدة والمتروكة لأمرها متوخية منها حلا لكل معاناتها- جاءت وكأنها إغراء لكعكة تجسد مطالب المواطنين الملحة التي

تفاقمت بفعل الحالة المأساوية الناتجة عن ظروف طبيعية أحيانا أو بسبب أناس غرباء على البلد وكثيرا ما يكونون معادين للنظام القائم أحيانا أخرى.ولا نستطيع أن ننفي أن ارتفاع الأسعار والبطالة المستشرية وضعف الرواتب وتفاقم التضخم والركود الاقتصادي وما ينجر عنه من حرمان المجتمع والتمييز والشعور العام بالحيف وغياب الحق واتساع نطاق الفقر، كلها أسباب لا يمكن إنكار أنها تبرر وتغذي امتعاضا اجتماعيا يتجه أكثر فأكثر إلى التعبير عن نفسه بعنف متزايد.وهذا ما تعبر عنه بشكل صريح –وستواصل ذلك وبعنف- بؤر التوتر المنظمة بشكل مستمر في الجامعة والمعهد العالي وعلى مستوى عمال اليوميين في اسنيم وعمال (شركة النحاس في أكجوجت) كما تعبر عنه المركزيات النقابية.فهل يمكن منطقيا أن لا نقيم علاقة بين هذا الامتعاض الاجتماعي

والجموح الثوري الذي يستلهم الربيع العربي، والذي يلوح به شباب عاطل عن العمل، مهمش، مقصى ومستغل، لم يتردد أصحاب النوايا السيئة في التلاعب به عبر العزف على الأوتار الأكثر حساسية كالعرق والوضع الاجتماعي.ولحسن الحظ لم تكلل تلك المحاولات بالنجاح رغم نشاط مناضلي “لا تلمس جنسيتي” ومبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية (إيرا) الراغبين في التعبير عن نفاد صبرهم، ولو كان الثمن حربا أهلية أو فوضى، حنقين من عملية الإحصاء السكاني سيئ البداية؛ وكذلك تأثير التباطؤ المفرط في التسوية النهائية للإرث الإنساني؛ ومسائل أخرى عالقة من أحداث 89 الأليمة من جهة، كما أنهم -من جهة أخرى- حنقون من سوء تصرف الإدارة فيما يتعلق بقضايا الاسترقاق المعروضة عليهما؛ مما ينم عن نزعة غايتها نكران هذه الظاهرة وهو لعمري أمر جائر وجارح.غير أن الأخطر هو استهزاء الدولة -بل تواطؤها- أمام تفاقم التوترات المبنية على العرق أو الوضع الاجتماعي كما يظهر تباطؤها في إيجاد حل نهائي للمشكلات الناجمة عن عودة لاجئي الزنوج الأفارقة ومطالبهم العادلة باسترداد حقوقهم؛ واسترجاع أراضيهم وقراهم التي وطن فيها منذ عقود ملاك آخرون وسكان هم في الغالب من الحراطين.وما لم توجد

حلول عاجلة ومناسبة لكل هذه المشكلات فعلى الدولة أن تعي -على الأقل- خطورتها، وأن تطلب من الشركاء الاجتماعيين الانخراط في حوار بغية تهدئة الأمور.وأن تطالب كذلك رؤساء المراكز (الحكام، الولاة) التابعين لها أن يعملوا أكثر على تفادي النزاعات المحلية لحماية أكثر للضعفاء والمظلومين والمقصين عكسا لما عليه الحال الآن.

3-ب- التسيير الاقتصاديلا شك أن الجانب الاقتصادي والمالي هو أحد الملفات التي تستدعي تحليلات ناقدة وتوصيفا مطابقا، ومن الراسخ عند الرأي العام أن الهدف الأولوي لدى كل من يصلون السلطة هو السيطرة على الاقتصاد؛ إذ تلك الحجة الأكثر إقناعا للسيطرة والتحكم في جميع أوضاع المجتمع، حيث يحتل الاستهلاك مكانة أوسع يوما بعد يوم. إن الاحتكار والسيطرة على الاقتصاد لدى السلطة هما محل الشعور بالمناعة كما هي حال المحارب.

وهذا الشعور غير الحاسم بالضرورة في النصر أو الهزيمة، لا يخلو من إثارة المخاوف وزرع الرعب لدى الخصوم.ولم يغب عن الرأي العام (شديد الانتباه للتسيير الاقتصادي عند كل تغيير للسلطة) العناية الفائقة التي يوليها رئيس الدولة لتسيير

“اسنيم” و”شركة النحاس” و”تازيازت” و”قطاع الصيد” حتى لا يتعين علينا ذكر غيرها، وقد لقيت هذه العناية الفائقة تفهما وترحيبا من المواطنين.نظرا للصورة الغامضة الناجمة عن الظلام والصمت الطاغيين على تسيير هذه المؤسسات التي تجسد الثروة الحقيقة للبلد، أملا في حماية هذه الثروة وتوزيعها توزيعا عادلا وهو الدور المنتظر

من كل أن يلعبه كرب أسرة صالح.ومن المستغرب أنه -برغم الرقابة الاستثنائية التي تتم عن قرب- ما تزال هذه المفارقة قائمة في موريتانيا 2012 حيث البلد فاحش الثراء كما يقال بصيده ومصادره المعدنية (الذهب، الحديد، النحاس) بينما هو بلد فقير لا يحس المواطن فيه بهذه الثروة الحقيقية أو المفترضة؛ لا في تجسيدها ولا في راتبه ولا في مطبخه ولا رفاهه المعنوي ولا المادي ولا في التجهيزات القاعدية للبلد.إن الفوائد الاقتصادية للصناعة الاستخراجية في البلد وتأثيرها على السكان المحيطين لم ترق إلى الآمال الكبيرة المعلقة عليها؛ خاصة مع إنشاء تازيازت.إن القطاع الاقتصادي بالتأكيد ميدان أصبح فيه التمييز وتصفية الحسابات والاحتكار والإقصاء مسألة عادلة، وذلك على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد وعلى حساب التوزيع المتوازن للامتيازات وإعادة التوزيع العادل للمصادر.إن المجموعة الوطنية يحق لها أن تتساءل: من المستفيد الحقيقي من كل هذه الثروات ومن الضبابية التي تلف تسييرها؟ وأن تطالب بمزيد من الوضوح؛ ذلك أن القناعة تزداد شيئا فشيئا بتعمد قتلها اقتصاديا.ويحق لها أخيرا أن تأمل في أن يتوقف ذلك في أسرع وقت؛ فالمثل الشعبي يقول إن الجوع هو ألد أعداء الإيمان.

إننا مطالبون جميعا بمساعدة المجتمع على التمسك بالإيمان بالله وبالبلد

وبقادته بدل أن نجبره -كل منا على طريقته- على فقدان ذلك الإيمان.

3-ج- مشكلات المجتمع إن الامتعاض الذي يشعر به السكان ضحايا التجاوزات وسوء الإدارة المتكرر وإحالات الظلم المطرد التي تنجم عن ذلك والشعور العام بالإحباط، وخاصة على صعيد التسيير الاقتصادي؛ كل ذلك يؤدي إلى خلق مناخ انزعاج وحيرة عميقة تنضاف إلى خوف كامن كاد يستبد بالجميع. وهو ما يؤدي إلى خلق مجتمع معقد غير مستقر وعلى حافة اليأس.

فهل من وصف أصدق تعبيرا عن تردي الأوضاع من تفاقم ظاهرة الانفجار؟ هذا التصرف التراجيدي الذي ينم -في نفس الوقت- عن فقدان المرجعيات، كما ينم عن أن ضغط الحاجة أصبح لا يطاق إلى درجة زعزعة الإيمان.فلكي نجد تفسيرا مقبولا لذلك يجب أن نعترف أنه نتيجة مباشرة للتغييرات العميقة التي لا رجعة فيها، والتي تحدث أمام أعيننا، والتي تجعلنا اليوم بعيدين من أولئك السكان المستسلمين غير المبالين المترقبين والصامتين الذين طالما سعد بهم قادتنا.إن هؤلاء القادة سرعان ما يتناسون الظروف التي أوصلتهم فيتصرفون كعباقرة؛ بل كآلهة تتحكم في كل شيء وتسيطر عليه دون أن تهتم بما قد ينجم عن ذلك.

إن هذا التصرف المأساوي العنيف المنبوذ جملة وتفصيلا في مجتمعنا الإسلامي العريق أصبح اليوم –مع الأسف- شيئا فشيئا يتجه نحو الدخول في العادات.إن الظروف التي قد تقود إليه متعددة، لكنها على العموم لا تعدو أن تكون نفسية أو مادية، حيث الواقع المعيش يشكل الأرضية الصالحة لهاتين الفرضيتين.

 3-ج-1- الأسباب النفسية لفقدان الأملإن الأسباب النفسية التي قد تؤدي إلى هذا النوع من الموت هي شعور قوي بالشقاء في وسطنا وفي نفوسنا، وبأننا لا نمثل شيئا ولا أهمية لنا ومهما تكن مشكلاتنا والصعوبات التي نواجهها وحالات الحيف التي نتعرض لها والمآسي التي تصيبنا، خاصة عندما تتكرر، فكل هذا الشعور -رغم مساوئه- يبقى من الناحية النفسية قابلا للسيطرة إذا ما كان نتيجة لعلاقاتنا مع الآخرين أقارب أو أباعد.. غير أنه يتحول إلى عدوانية عنيفة لا يمكن تحملها عندما تنجم عن فعل -أو عدم فعل- القوة العمومية.

وليس بسر أن حالات الحيف وعدم المساواة العرقية والجهوية والقبلية والعائلية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية كبيرة بين مختلف المجموعات الوطنية، وحتى داخل كل مجموعة على حدة، وأنه في غياب إدارة محايدة وعدالة منصفة ذات سيادة تسهر على التوازن عبر تصحيح الأخطاء فإن تضافر الشعور بالإحباط والنسيان والعجز قد يؤدي بسرعة إلى ما لا يمكن إصلاحه.

إن التجاهل والمحاباة والحيف والممارسات العنصرية والإقصاء هي أوجه مختلفة لما يراه مئات الآلاف من ضحايا الاسترقاق وآثاره، مثلما هي حال الأعداد الكثيرة من الأفارقة ضحايا المعاملات العنصرية المستمرة؛ وكذلك العديد من حملة الشهادات العاطلين والشبيبة المتلهفة العاطلة والمنسية، وضحايا كثر للتجاوزات وعمليات السلب المختلفة داخل البلاد وخارجها.إن هذا الشعور بالإهمال وعدم الارتياح الذي طالما شكل الموضوع المفضل لسمر الموريتانيين في الأزمنة المتعاقبة لم يصل قط إلى ما وصل إليه الآن، من الموضوعية والجدية والحتمية. ولا أدل على هذا من استياء الموريتانيين من رداءة التعليم المفرغ من كل محتوى.لقد أصبح المجتمع يعتبر التعليم مضيعة للوقت؛ حيث لم يعد شرطا في ولوج العمل المعوض، ولا للترقية السريعة؛ فقد أنتج العديد من حملة الشهادات العاطلين في حين تمتلئ الوظيفة العمومية بمن ليست لهم شهادات، فما عسى أن تكون الأسباب إن لم تكن عدم ملاءمة البرامج الوطنية للتعليم مع حاجات البلد.

لقد تم العمل بالعديد من الإصلاحات التي لم تفد، وإنما كانت سببا من أسباب عدم الانسجام والمغامرة والارتجال؛ فساهمت كلها في تأخر البلاد في هذا المجال الحيوي.وأصبحت الاستفادة من التعليم نادرة ومقصورة على مجموعة تتناقص شيئا فشيئا، حيث لا يستطيع غير الميسورين تحمل أعباء التكاليف الباهظة للتعليم الخاص التي تزداد كل يوم.

أما قطاع الصحة فليس -هو الآخر- بأحسن حالا؛ حيث النقص الحاد في البنى التحية وعدم ملاءمتها مع الحاجات المتزايدة، وارتفاع تكاليف الخدمات العمومية، وارتفاع أسعار الأدوية، والغياب التام للرقابة على جودتها ومصدرها، إضافة إلى عدم مواءمة الظروف المحيطة بالعمل فيه؛ حيث ضعف المباني وقلة الولوج للماء الشروب وانخفاض الرواتب وتعرض اليد العاملة لأخطار العمل المتعددة والغياب شبه التام للتغطية الصحية، كل ذلك يزيد من المطالبات ويجعل من موريتانيا بلدا الصحة فيه هشة ومكلفة لا يطيقها ذوو الدخل المتوسط أحرى من لا دخل لهم. 3-ج-2- الأسباب المادية لليأسإذا كان من المحتمل أن تقود الضغوط النفسية إلى اليأس القاتل فإن الاحتمال يصبح أقوى حين تكون تلك الضغوط المادية مكشوفة في مجتمع تطغى فيه النزعة المادية الاستهلاكية؛ ذلك لأن عرض آلام الفقر والبؤس والهشاشة والعجز على عيون وملاحظات المارة في مجتمع تزداد فيه

الانفرادية عامل لزعزعة الاستقرار الفردي والجماعي بإمكانه أن يجر إلى أقصى التطرف، خاصة في هذه الفترة العصيبة؛ حيث الخوف من الأسوأ يشغل بال الجميع.إذ أن الركود الاقتصادي وقصور الدولة ونقص الأمطار ونتائجه الوخيمة، على صغار المنمين وقطعانهم

وعلى فقراء الفلاحين، والارتفاع المذهل لأسعار المواد الغذائية والمواد الضرورية الأخرى كالمحروقات. كل هذه إضافة إلى ضعف العملة وتدني مداخل الأسر؛ واتساع قاعدة الفقر (كثير من الأسر في انواكشوط يستطيع بالكاد توفير وجبة واحدة لليوم) كانت -وما تزال- أسبابا موضوعية لفقدان الصبر والعقل.ومما يؤكد هذا ويجعله أكثر مأساوية كونه ناجما عن سوء إدارة تفتقر لمزيد من الاستماع والإقناع والمشاركة من جهة، ومن جهة أخرى لكونه ناجما عن ضعف التضامن الوطني الذي يؤثر عليه تعدد الأعباء ونقص الوسائل.لكن الضغوط النفسية والمادية قد تؤدي إلى أشياء أخرى غير الانتحار؛ بل

تتسبب كذلك في شكل من الاحتجاج لا يقل عنفا عن الانتحار واستبداله بالحياة مع المخاطرة بالعيش على هامش المجتمع والانغلاق في محيط الجريمة بشتى أنواعها؛ ذلك أن الجنوح وانحلال الأخلاق والجريمة والسطو المسلح والمتاجرة بالمخدرات والاغتصاب والاغتيال والإرهاب قد بلغت حدودا لم تبلغها قط في بلادنا؛ كما طالت مكونات شبيبتنا الوطنية (بنات وبنين) العاطلة والمنسية والمتعطشة إلى إثبات وجودها وقدرتها على التعبير عن نفسها داخل الحدود، بل وحتى خارجها.هذه إشارات كان يمكن فهمها وتفسيرها كدلائل ساطعة على ظروف العيش شديدة القساوة في البلد وعلى قدرتها على المساس باستقراره.

 3-د- المشكلات الأمنية كان ينظر إلى المشكلات الأمنية على أنها (لعبة الموت) أو “لعبة القط والفأر” بين السلطات العمومية وخلايا القاعدة في الغرب الإسلامي التي ما فتئت -رغبة في التحدي- تظهر لمختلف السلطات في المنطقة أن قدرتها على الإضرار كبيرة ورهيبة، وأحيانا ينظر إليها كلعبة سياسية لتخويف النفس (يساعد على ذلك الربيع العربي والوضع الداخلي) وهو ما تمارسه بانتهازية منسقية المعارضة؛ أملا في زعزعة السلطة القائمة، فالأمن الوطني اليوم –وبسبب ما يجري في مالي- يأخذ بعدا آخر أصبح يتجلى في الحفاظ على الوحدة الوطنية والترابية وهو ما يعني الدفاع عن بقاء البلد.

 3-د-1- الحيف الاجتماعي وعدم الاستقرارلا شيء أجلب لعدم الاستقرار وانعدام الأمن من الحيف الاجتماعي المستمر الذي يبدو أن السلطات العمومية لم تختر حلا إلا اعتباره وهما مختلقا.إن انعدام الأمن الناجم عن سوء الحكامة، وخاصة انحياز الإدارة العامة والعدالة وأعوانهما (الدرك، الحرس الوطني، الشرطة) حيث يندد باللجوء إلى التعذيب والقمع والعنف القاتل أحيانا، والاستغلال المشبوه للتوترات الاجتماعية والعرقية والتفاوت الشديد الناجم عن عدم المساواة بين المواطنين، هذا كله يجب أن يدفع إلى الحذر الشديد والحيطة المتزايدة.إن تباطؤ السلطة العمومية وعدم لياقتها وجديتها، كي لا نقول ازدراءها بالملفات والنزاعات الكثيرة التي تصلها يوميا دون تأثير سلبي قوي على الاستقرار الداخلي وتلزم الحيطة حتى لا يستمر كسيف “دمواقليس” المصلت على البلد، والذي يكفيه أدنى سبب ليسلط عليه.يجب كذلك أن نأسف بقوة للاحتكار المسيء العنصري من قبل مجموعة واحدة على حساب جميع المكونات الأخرى (حراطين، بولار، سوننكي، ولوف) للقيادة العملية في القوات المسلحة وقوات الأمن (الدرك الحرس الوطني، الشرطة) لو كانت الوطنية والقيمة تتحددان بالاقتصاد على المستوى الاجتماعي أو اللون.

إن هذه المسلكيات المثيرة –على أقل تقدير- تولد ردود أفعال غير محسوبة ومضرة بعقلية دعم الوحدة والتضامن والمدنية والالتزام التي تتطلبها المرحلة.ربما تكون هذه إحدى الأسباب في زيادة الجريمة بما فيها الإرهاب في بعض الأوساط؛ خاصة الشباب، والتي يتم الحديث فيها كل يوم بشكل شبه مفتوح (على ضوء ما يحدث في جارتنا) عن مخاوف قد لا تكون غير مبررة ناتجة عن إشاعات بخصوص الهدف شبه المعلن من قبل البعض في تجزئة البلد إلى ما يمكن من دويلات صغيرة مبنية على أساس جهوي أو غيره.

 3-د-2- الإرهاب الجريمة المنظمة وانعدام الأمنإن الإرهاب الدولي أو الإقليمي أو المحلي -سواء وحده أو مع  جريمة منظمة كالمتاجرة بالمخدرات- ظل حتى وقت قريب يعتبر الخطر الأكبر على البلاد واستقرارها وأمنها، وذلك بالنظر إلى نشاطه الذي طال اغتيال العديد من شهداء قواتنا المسلحة بدم بارد، واغتيال أجانب ومعارك في شوارع العاصمة وأخذ الرهائن وقنبلة بشرية وسيارات مفخخة. وقد كان على وشك الاستيطان في بلادنا لمدة طويلة مضيفا الخوف إلى المشكلات العديدة للسكان.إن الجانب الآخر للإرهاب هو الجريمة المنظمة للمتاجرة بالمخدرات التي ما فتئت تحدث دمارا جسيما؛ ليس فقط في حدودنا الشمالية والشرقية؛ بل أيضا في مدننا الكبرى كنواكشوط وانواذيبو.

ومن نافلة القول أن التنسيق الإقليمي والدولي أمر لا مناص منه إذا أردنا أن نكافح هذه الظاهرة بنجاح.

وفي إطار هذه المواجهة يجب الاعتراف بالمجهودات المبذولة في مجال تكوين وتجهيز وتدريب قواتنا المسلحة وقوات أمننا لتمكينهما من منع وردع الهجمات الإرهابية، لكن بموازاة ذلك ينبغي أن نأسف للأخطاء المتكررة التي مست علاقاتنا مع جمهورية مالي الشقيقة وهو ما أدى إلى جدل كبير ما يزال مستمرا حتى اليوم.إن آراء كثيرة كانت تفضل اجتناب العمليات المسلحة التي قامت بها قواتنا العسكرية والأمنية خارج حدود بلادنا.إن وضعية مالي الجديدة جاءت لتضع في الرتبة الثانية ما كان يشكل اهتمامنا الأول.

إن إعلان استقلال أزواد من قبل الحركة الوطنية لتحرير أزواد والسيطرة على مناطق الشمال والشرق من قبل مجموعات إسلامية متطرفة راعية لتهريب المخدرات تحمل في طياتها خطرا كبيرا على البلد بإمكانه تهديد وجوده.

 3-د-3- العلاقات الخارجية وعدم الاستقرار إن من عوامل فقدان الأمن والاستقرار التسرع في علاج علاقاتنا الخارجية وكذلك التسيير المبتذل أو المزاجي لصلاتنا بجاراتنا في الشمال والجنوب أو عدم اعتبارنا أول المعنيين بما يجري فيها أو يحتمل أن يجري فيهاوفي هذا السياق فإن من المضر جدا بالبلد أن يحول إلى قاعدة خلفية (للقتال أو اللجوء) لأولئك الذين قد يكونون في صراع مفتوح أو خفي مع دول شقيقة جارة.ويجد هذا التخوف مبرره اليوم في موقف حكومتنا الحالي الذي يصعب تفهمه، حيث تعلن أنها ضد احتلال وتقسيم مالي؛ في حين تواصل إيواء وحماية أطر ومناضلي حركة أزواد الانفصالية مع كل ما ينطوي عليه ذلك من أخطار تهدد البلد الذي أصبح في مستوى هشاشة جارته.

صحيح أن العلاقات الخارجية تعتبر ميدان رئيس الجمهورية الخاص به إلا أنه –وإن كانت الكلمة الأخيرة تعود إليه- ما كان ليكلفه الكثير إن قبل أن ينفتح من وقت لآخر على الفاعلين السياسيين ليطلع على آرائهم حول بعض القضايا الحساسة.

ومن المسلمات أن الأكثر احتياجا للاستئناس بآراء الآخرين هو من له صلاحيات اتخاذ القرار بمفرده؛ وهذا ما يبينه مثلنا الشعبي الذي يقول: “أخير ال عدلها مع جماعة وتخسر من ال عدلها وحده وتصلح”.

وقبل أن تعير بأعمالها الصائبة أو الخاطئة فإن الدبلوماسية تعتبر –قبل

كل شيء- مدرسة وطريقة في التصرف والسلوك واللباقة والصبر والتواضع؛ وهو ما لا ينبغي لها أن تتخلى عنه، لأن هذا وحده هو الذي يؤدي إلى احترامها ويبرز فعاليتها ويضمن استمرارية دولتنا في الحفاظ على وحدتها وأمنها.

إن الحكمة التي تقول: “خير اليرعاها سابك تلحكو” تملي علينا البدء –بدون تأخير- بأي مبادرة أو خطوة من شأنها طمأنة جاراتنا شمالا وجنوبا على إرادتنا الثابتة للمضي في تكريس هذا الموقع الرابط بين

هذين العالمين اللذين ننتمي إليهما، والتعبير عن تضماننا الفعال مع جميع الجيران، والقيام بواجبنا في إلزامية دعمنا القوي لهم بكافة الوسائل المتاحة لدينا فيما يخص دفاعهم عن استقلالهم وسيادتهم. ولهذه الأسباب لا يتصور أن يكون للقيادة في موريتانيا موقف غير التعبير عن التضامن الفعال والدعم اللامشروط للسلطات المالية في

سعيها المشروع لاستعادة وحدة بلادها وحوزتها الترابية، دون المساس بالدعم المعنوي والسياسي لمواطنيهم الذين يبحثون سلميا -وعن طريق الحوار السياسي- عن تحقيق مطالبهم غير الانفصالية.

إن لبلادنا مصلحة في أن تعود العلاقات الممتازة التي كانت قائمة دوما بيننا وبين جيراننا وأصدقائنا الأقرب والأبعد جغرافيا.

 3-د-4- العلاقات السياسية وعدم الاستقرار

تشكل الخلافات السياسية والقانونية –في حد ذاتها- محرك نشاط المعارضة الديمقراطية التي تتحدد وظيفتها في نقد وتقويم ممارسة السلطة في انتظار أن تمارسها هي نفسها.

إن إقامة وزن مقابل أو سلطة موازية لا يقل أهمية في الديمقراطية عن ممارسة السلطة نفسها؛ إذ أن النقد البناء واتخاذ المواقف والاستجواب -وأحيانا التظاهر بالتحدي لمن يقومون بهذا الدور- يساهم في تنمية وترسيخ الديمقراطية، ويشارك مباشرة في بناء دولة القانون والحريات، وهي منافية للانحراف السلطوي والاستبداد.

إن على كل سلطة ديمقراطية أن تحترم المعارضة، وتكون لها ممتنة من حيث أنها تذكرها دائما بواجبها ومهمتها بدون مجاملة، عكسا لما يفعل مؤيدوها؛ لكن على المعارضة أن تعرف حدودها وأن لا تتجاهل -بأي حال من الأحوال- الوزن الموازي والمعادل الذي عليها أن تقوم به وإلا أخلت بلعبة التناوب الديمقراطي والسلمي.يجب أن لا يغيب عن كل من السلطة والمعارضة (الأولى باعتبارها مسؤولة عن التسيير الحالي للحكم، والثانية لكونها في انتظار القيام بنفس المسؤولية عاجلا أو آجلا) أن عليهما أن تتراضيا وتتكاملا، لأن دورهما الأول هو الحرص على بقاء البلد؛ وهذا ما يجعل من واجبهما التسامح والعيش معا

وعلما بأن التاريخ سيسجل أقوالهما وأفعالهما التي سيحاسبهما عليها حَكَمُهما الحقيقي (الذي هو الناخب) عليهما الابتعاد عن كل ما من شأنه زعزعة استقرار وأمن البلد.إلا أنه في المقابل تبقى الخلافات السياسية والقانونية واردة.

وأجيز لنفسي في هذا السياق حرية تصنيف العلاقات القائمة بين مختلف الفاعلين السياسيين والتي تؤثر يوميا بشكل ملموس على حياة كل منا.

 3-د-4-أ- التأجيل المثير للانتخابات

أثار تمديد المأموريات التشريعية جدلا متكررا، يتعلق من جهة بثلث مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية في مجملها وبتحديد المجالس البلدية من جهة أخرى؛ مما أتاح للبعض أن يحتج على الإجراءات المتبعة بذلك الخصوص ويعتبرها غير قانونية؛ بينما دافع آخرون عن شرعيتها.وإذا كان قانونيا، يمكن اختلاف الطرفين (المدافع عن القانونية والمقتنع بالعكس) اللذين بإمكانهما اللجوء لتبرير مواقفهما بالدلائل المقنعة (وهذا ما يعطي التخصص القانوني طعمه) فإنه يصعب –خلافا لذلك، نظرا لمناخ الريبة والشك والرفض المتبادل بين الأطراف- تنظيم انتخابات توافقية ذات مصداقية شفافة وحرة يشارك

فيها الجميع؛ إذ أن من المستبعد تنظيم انتخابات طبقا للمسطرة القديمة بإشراف وزارة الداخلية أو لجنة انتخابات تعينها الحكومة؛ مما يجعلها لا تتمتع بضمانة حقيقية بالحياد والشفافية.وللاستجابة لهذه المتطلبات لا خيار غير متابعة النهج الذي سلكه المتحاورون.

 أما العائق الآخر فهو ضرورة إحصاء السكان، وأن يكون الإحصاء شاملا، نظرا لدوره في إعداد اللوائح الانتخابية، وهو ما يقتضي وقتا كافيا. أفلا تبرر هذه الحقائق كاملة هذا التأجيل وتمديد الإنابة الجارية حتى الانتخابات المقبلة؟

 3-د-4-ب- مناخ العلاقات السياسية

إن جو العلاقات السياسية القائمة بين مختلف الفاعلين السياسيين سيئ، وهو على العموم نتيجة مباشرة لغلو التناقضات التي طبعت الساحة السياسية الوطنية منذ انقلاب 6 أغسطس 2008، فهذا الوضع  قد سمم المناخ إلى درجة جعله أحيانا غير قابل للتنفس؛ لأنه حيثما توجهنا نجد هذه العلاقات غير مرضية، لا تناسب الظرفية الصعبة التي يعيشها البلد على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ لأنها إما أن تكون غير طبيعية أو تعتبر غير حسنة أو هي سيئة أو سيئة جدا.1- العلاقات غير

الطبيعية هي التي تربط رئيس الجمهورية مع حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وأحزاب الأغلبية الرئاسية الأخرى؛ فهذه الأحزاب تشتكي من انعدام الثقة وأنها لا تحظى إلا بالجزء القليل من سلطة سياسية يفترض أنها شريك فيها مع رئيس الدولة، لأنه لم يكن بمقدور أصحابها أن يحظوا بالإشعار أو الاستشارة أو -من باب أحرى- المشاركة في اتخاذ القرار.

2- أما العلاقات غير الحسنة فهي تنطبق على تلك التي تربط رئيس الجمهورية بالمعاهدة؛ والتي كان ينبغي أن تكون مغايرة للتي تربطه بأغلبيته، نظرا للحساسية السياسية التي تطبعها، لأن المعاهدة من أجل التناوب السلمي تعتبر نفسها شريكا سياسيا معارضا كان عليه أن يحظى بتشاور فعلي؛ لأن منطق الشراكة بين السلطة والمعارضة يفرض على الأولي التخلي عن الانفراد بالقرار.وعليه فبسبب ازدياد تساؤل رأيها العام عن نتائج حوار يتعثر تجسيدها وتنفيذها وعجزها عن خلق لمتنفس سياسي جديد يستشف من سلوك وتصرفات رئيس الدولة الذي لم يظهر إرادة للانفتاح والمشاركة، فإن أحزاب المعاهدة بدأت تفكر أكثر فأكثر في الابتعاد عن تموقع لم يوصل البلاد إلى تسيير هادئ وتوافقي للسلطة. 3- وأما العلاقات السيئة فهي تلك الموجودة بين قطبي المعارضة منسقية المعارضة الديمقراطية والمعاهدة من أجل التناوب السلمي، والتي وصلت بعد افتراقهما إلى درجة أقرب للقطيعة؛ حيث تحول خلافات سياسية لتقييم وتفسير موازين القوة والأحداث إلى حساسيات وتحديات شخصية.وليس من المسلم به أن الاتصالات المقوم بها مؤخرا مع مسؤولي الأحزاب المشكلة للمنسقية أفلحت في نسيان أدى إلى وضع لكل واحد من الأطرف جزء من المسؤولية فيه عليه أن يعترف به ويتحمله.

 4- العلاقات الجد سيئة

هي القائمة بين رئيس الجمهورية وزعماء الأحزاب المشكلة لمنسقية المعارضة الديمقراطية (حيث يطبع تلك العلاقة التباغض) وهو تباغض أصدقاء، حيث يتظاهرون بتجاهل بعضهم بعضا.هذا في حين يبقى الرئيس منغلقا في وجه أي تشاور مع المنسقية دون أن تجد هي دورا تلعبه سوى محاولة زعزعة النظام بكل الوسائل المتاحة لديها.

 إن جميع هذه العلاقات السياسية على المستوى الأعلى بين الزعماء منافية تماما لما ينبغي أن تكون عليه موضوعيا بسبب الوضعية التي يمر بها البلد حاليا.

 4-رد الفعل الحكيم

نظرا لهذه العلاقات غير الحميمة فإن الاستغلال السياسي من طرف منسقية المعارضة الديمقراطية لجميع الأوضاع السيئة الموصوفة أعلاه كما يعتبر أمرا طبيعيا، غير أنه مع تطور المظاهرات شيئا فشيئا والالتحام الذي أوشك أن يتم مع بؤر التوتر الأخرى (شباب 25 فبراير المؤسسات الجامعية – الغليان الاجتماعي – النقابات – حركة “إيرا” – “لا تلمس جنسيتي”) أصبح من الواضح أن كل هذا يشكل أخطارا قد تؤدي إلى أنواع الانحراف بات من الضروري مواجهتها تفاديا لحصول الأسوأ.لكي يكون ذلك ممكنا علينا دفن أنانيتنا من أجل المصلحة العامة؛ إذ أن وضع المصلحة العامة فوق الاعتبارات يسهل الصعاب؛ ويخفف ثقل المسؤوليات.إن السياسة يمكن وصفها بأنها فن تسيير وإدارة حكم المجتمع وتكون رديفة الفشل الذريع إذا أدارت ظهرها لهذا المرجع؛ غير أنها في المقابل يوفق فيها الملوك والمستبدون الذين تحركهم إرادة صادقة لبناء مجتمع وبلد مثاليين في بيئة كالتي وصفنا، كان ينبغي أن يتم الاعتماد على البصيرة والسيطرة على النفس.فلو حصل ذلك لاتضح من جهة للسيد رئيس الجمهورية أن هشاشة البلد وأولوياته التنموية تدعو أكثر إلى الانفتاح والمشاركة ولم الشمل؛ ولو تم ذلك -من جهة أخرى- لوصلت المعارضة إلى نفس التحليل وابتعدت عن الراديكالية التي تهدد الهدوء النسبي والانسجام الهش للبلد.

ومع الأسف فإن نهج التحدي المختار من الطرفين قاد إلى مسلسل من الفرص التي أدت إضاعتها إلى تعقيد الوضع المعيش اليوم.وإذا كان علينا أن نأسف لحدة خطاب منسقية المعارضة الديمقراطية ورفضها الحوار ونتائجه واعتمادها شعار “ارحل” فإننا نأسف كذلك لكون رئيس الجمهورية لم يدعم ولم يواكب الحوار ونتائجه بإرادة واضحة في الانفتاح بهدف لم الشمل.تجدر الإشارة إلى أن الرئيس لم ير على ما يبدو في الحوار سوى عملية ميكانيكية تتجلى في إجراءات متتالية ومجردة؛ بدل أن يرى فيه مقاربة أخلاقية وفلسفية وسياسية تهدف إلى خلق مناخ ملائم لاحتواء التوترات الاجتماعية ولإقامة علاقات إنسانية متحضرة سهلة التسيير بين مواطنين متعارضين دونما شك، لكن ليسوا متعادين.

إن عدم إشراك المجتمع المدني في النقاش السياسي الوطني عموما جعل من الصعب رؤية هذه الأخطاء البسيطة السهلة التصحيح، كما حوله إلى مرافعات خطابية وصراعية على السلطة؛ في حين كان ينبغي أن يكون نقاشا وجدانيا عميقا.لذا فإني على كامل الاقتناع بأنه لو

افترضنا أن للحوار أخطاء قد ارتكبت فإن غياب المجتمع المدني كان من أبرزها، وقد جعل تغيبه الحوار نقاشا سياسيا بحتا، وهو ما نزع عنه الطابع الوطني الذي كان بإمكانه توسيعه وإثراؤه وإضفاء المصداقية عليه، ذلك لأن شهرة المجتمع المدني وفعاليته لم تعد تحتاج لبرهان عبر العالم.ونذكر هنا المجتمع المدني الحديث في موريتانيا بضرورة إقحام نفسه والاشتراك في تسيير الشؤون العامة كأداة تسهيل وتوازن للروابط المضطربة للأطراف السياسية الميالة إلى تسخين الأوضاع إلى حد الانفجار.إن الفاعلين السياسيين -وعلى الخصوص من بيدهم مقاليد الأمور- عليهم أن يفهموا أهمية دور فاعلي المجتمع

المدني، من أي مستوى كانوا ومهما كان تخصصهم؛ وبالتالي عليهم تشجيعهم ودعمهم على لعب دورهم كاملا بكل حرية ومسؤولية بدل وصفهم بمعرقلي السير السليم، وذلك بمجرد اهتمامهم بالدفاع عن حقوق ومصالح الإنسان والمجتمع (حقوق الإنسان، الحقوق الثقافية،

النقابية، الاجتماعية، الاقتصادية، الدينية والبيئية.. إلخ) فينبغي أن ينظر إليهم ببساطة كما هم، أي بمعنى آخر كمواطنين كاملي المواطنة متميزين وقادرين -عند الحاجة- على أن يكونوا أعوانا وشركاء ذوي فائدة كبيرة لمن يساهم جماعيا في تطوير المجتمع في مختلف الميادين.

إن الرغبة في البقاء تفرض على الجميع رفض الثنائية العقيمة والقاتلة

في الأخير فإنها تضع المجتمع المدني بفضل الامتياز الذي يحظى به كمتكلم لا غنى عنه باسم الأغلبية الساحقة الصامتة، في طليعة الذين ينبغي لهم التعبير بقوة عن عدم قبولهم استمرار هذا الوضع الذي يشل البلد ويزيد من هشاشته.إن ترك الأمور على ما هي عليه قد يؤدي –لا قدر الله- إلى القضاء على البلد؛ فالواجب يفرض علينا رفض هذا الاحتمال ويملي علينا الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تؤدي لتوافق تاريخي يقبله الجميع.

 5- الخطوط العريضة للتوافقإن الهدف من هذا التحليل الطويل هو أن أصف –بكل موضوعية وصراحة وعلى ضوء ملاحظاتي الخاصة ودون الاستخفاف بالحساسيات الكثيرة الأخرى المتعددة الاتجاهات- الحس الحقيقي الكامن أو الظاهر للوضع العام للبلد والمناخ الخطير الذي ينمو فيه.لم يكن يوما هدفي تحميل أي كان دورا أو صب اللعنات بأي سبب على هذه المجموعة أو تلك أو على جماعة أو حزب أو أغلبية أو معارضة أو رئيس حزب أو رئيس جمهورية كما سيزعم البعض وهو لا يستطيع إثباته.لا أنفي أني أردت -عبر هذا التحليل- تحسيسنا فرادى وجماعات بالمحورين الكبيرين اللذين بدون استيعابهما سوف يتعرض وجود الدولة والأمة إلى تهديد حقيقي.هذان المحوران هما:أ. المسؤولية التي تستلزم الحقيقة وبعد النظر؛ب. الواجب الذي يستلزم التضحية والتواضع.

 5-أ- مسؤولية= حقيقة وبعد نظرنظرا إلى أنه لا يمكن بناء شيء مستديم على الكذب والمظاهر الخداعة، ولكون بلدنا يمر بأكثر فترات تاريخه حساسية، فإن من الحيوي مساعدته على البقاء بإجراء قطيعة مع العادات المشبوهة السيئة، رجوعا إلى الحقيقة التي ستكون القلب النابض والمحرك للمسؤولية التي هي نفسها مجال تطبيق بعد النظر بامتياز.

إن تبيان مسؤولية الفاعلين السياسيين بأقصى ما يمكن من اللباقة في هذه الأزمة المتشعبة التي تشل البلد وتعرقل تقدمه الهادئ نحو النمو والديمقراطية يبدو -في المقام الأول- ممرا حتميا لكل حل مستديم.ولذا فإن على الفرقاء (أي رئيس الجمهورية ومنسقية أحزاب المعارضة) أن يفكروا بعمق في مسؤولية كل منهم عما يجري في البلد.فعلى رئيس

الجمهورية أن يدرك أن الشرعية الانتخابية تلزمه مسؤولية أخلاقية ودينية وسياسية في أن لا يدخر أي جهد لمساعدة المواطنين على تحقيق ما يصبون إليه من سلام ووحدة وحرية وأخوة وتضامن، وأن يعلم أنهم ليسوا قاصرين ولا عاجزين عن التمييز والتفكير والتقييم.

وبما أن الوقت يلزم بالتسيير التشاركي والتشاوري للأمور، فعلى من يتولى المسؤولية السامية في الدولة أن يتفرغ أكثر لدور المسهل والمربي وجامع الشمل ورب الأسرة المثالي لما لهذه المتطلبات من أهمية في إحراز النجاح في عالمنا اليوم.

إن على رئيس الجمهورية أن يعمل بقوة على قبول هذا الاقتراح الساعي إلى توافق وطني جاء ليكمل ديناميكية يدعمها بقوة الكثير من المواطنين.وسيكون لهذا القرار -بصداه السياسي ومدلوله الوطني والتربوي- القدرة على إرجاع الأمور إلى نصابها وبسرعة، لاسيما وأنه لن يستطيع أحد القدح فيه بأنه اتخذ تحت أي إكراه.إن وظيفة أي رئيس هي أن ينفتح ويوحد ويشارك؛ وهذا ما ينتظره الموريتانيون من رئيسهم.أما مسؤولية منسقية المعارضة الديمقراطية فهي أن تمارس نشاطها، وأن تمثل حقا ما تتبناه، وتفهم أن الديمقراطية ليست صورة افتراضية أو وهمية ولا شعارا أجوف؛ لكنها حقيقة ملموسة تتحسن مع الممارسة وتساهم في رفع شأن من يؤمنون بها ويمارسونها بشكل سليم.

لقد آن الأوان لمنسقية المعارضة الديمقراطية أن تراجع نفسها بتقبلها الوفاق الوطني.إن هذا القرار سيتيح لها المصالحة مع البلد والمواطنين الذين شعروا –من وقت لآخر- أنهم نسوا ممن كان يفترض أنه الأقرب إليهم.

وفي الختام فإن السير إلى الأمام في سبيل التطلعات المشروعة للوطن والمجموعة الوطنية واجب أخلاقي على من يستطيع المساهمة فيه من قريب أو بعيد.ونأمل جميعا من رئيس الجمهورية ومنسقية المعارضة أن لا يحمل بعضهم البعض مسؤولية تفويت الفرصة مرة أخرى.5

-ب- الواجب= التضحية والتواضع

فعلى الرئيس ومسؤولي منسقية المعارضة أن يعوا أن هاجس المحافظة على السلطة (فيما يعني الأول) وهاجس الوصول إليها (فيما يعني الآخرين) لا يبرران التقوقع في منطق الرفض المتبادل الذي يمنع أي اتصال يفيد البلد والمجموعة الوطنية.وعليهم كذلك أن يدركوا أن الشرعية الانتخابية (فيما يعني الرئيس) والشرعية الديمقراطية (فيما يعني المنسقية) لا يبرران كذلك ما يلاحظ من نقص وتجاوزات من كلا الطرفين فيما يتعلق بتسيير الشأن العام أو ما يتعلق بانتقاد ذلك التسيير.إذا كان قد تبين لهم أن المهم في النهاية ليس اعتقاد كل منهم بأنه على صواب وأن الآخر على خطأ، بل المهم هو ما تولد عن هذا

الاعتقاد من خسار بين أو محتمل للبلد؛ مما يملي ضرورة إدارة الظهر للماضي والتوجه لبناء مستقبل مفيد للبلد.إنه من المسلم به عموما أن الالتزام الصادق والزهد والتواضع والتضحية في سبيل مجموعة أو بلد أو قضية يعد من بين القيم التي يبرهن عليها بالأفعال لا الأقوال؛ لأن التجربة علمتنا أن التمادي في التعبير عنها في الخطب بدلا من أن تؤدي إلى الاقتناع وتحمل على الاطمئنان تدل -عكسا لذلك- على موت

ودفن تلك القيم ضحية للديماغوجية والجشع والأنانية والاستعلاء، وتلك هي أمراض العصر.

وبناء على هذه المسؤولية، وانطلاقا من هذا الواجب الذي يتعين على كل فاعل أو مسؤول سياسي أن يتصرف وفق ما يمليانه، فإنني أوجه نداء صادقا باسم المجموعة الوطنية من جهة إلى السيد رئيس الجمهورية، ومن جهة أخرى إلى مسؤولية منسقية المعارضة الديمقراطية، بأن يقبلوا جميعا الجلوس إلى جانب مختلف مكونات المجتمع المدني ومسؤولي المعاهدة من أجل التناوب السلمي -دون المساس بدور الشخصيات المرجعية المتفق عليها- من أجل مشاركة الجميع في بناء جبهة داخلية صلبة، ذات مصداقية لمواجهة الأخطار الخارجية التي تهدد وطننا؛ هذا في حين أنها تشجع داخليا على إحلال مناخ من الثقة والسكينة والاحترام المتبادل، وهو الشرط الضروري الضامن لمشاركة الجميع في الانتخابات المقبلة التي ستكرس نهاية عهد وبداية آخر. 6- حكومة وحدة وطنية ذات توافق عريضإذا كنا أطلنا في الوصف والتحليل النقدي لوضع البلد لتصوير الأزمة التي نتخبط فيها منذ 6 أغسطس 2008 فعلى الأقل إبراز وجود الكثير من المواد القابلة للاشتعال ومن ثم خلقها وتأجيجها، فقد حان الوقت لتقديم الحكومة الوطنية ذات الوفاق العريض من حيث روحها ومهماتها وتشكلتها وحدودها الزمانية باعتبارها المخرج الأوحد من الأزمة من طرف من يؤمنون بوجودها، وتجنبها من طرف من لا يعترفون بوجودها.

 6-أ- كيف نفهم روح الحكومة الوطنية ذات التوافق العريض؟إنه بدل أن تعتبر حكومة الوفاق الوطنية ذات التوافق العريض هزيمة أو نصرا لأي طرف كان يجب أن تعتبر ثاني تجل تاريخي لإرادة الموريتانيين في تجاوز فوارقهم وخلافاتهم، تعبيرا منهم عن إرادتهم

القوية والصادقة في العيش المشترك وإنشاء دولة ديمقراطية وجمهورية باعتبار أن التجلي الأول كان ذلك الذي قاد إلى الانعتاق من الاستعمار سنة 1960.

وبما أنه في 1960 كان الاختيار بين الحرية والاستعباد فهو الآن بين أن نتحد لإنشاء جبهة داخلية صلبة نكون بها قادرين على إحباط جميع المؤامرات السيئة من أي جهة أتت، أو أن نبقى منقسمين غير واعين الأخطار الحقيقية التي تهدد أمن بلادنا ووحدتها.إن هذا يعني أن المسؤولية والواجب يتطلبان من رئيس الجمهورية أن يعمل على لم الشمل وتعبئة كل المواطنين للدفاع عن الوطن؛ جاعلا من الانفتاح على المعارضة وعلى المجتمع المدني قرارا أولويا، لأن الشرعية لا تكتسب عبر صناديق الاقتراع فقط.وكذلك على منسقية المعارضة الديمقراطية -انطلاقا من نفس المسؤولية ونفس الواجب إزاء الوطن- أن تستجيب لهذا النداء، لأن معارضة نظام لا تبرر التضحية ببلد. وهذه الاستجابة تعني الاعتراف عمليا وقانونيا بشرعية وسلطة رئيس الدولة.غير أن الوطنية وروح التضحية اللتان ستقودان إلى هذا القرار العظيم ذي المصلحة الوطنية تستبعدان مسبقا جميع الحساسيات الشخصية؛ إذ أن مفاهيم المسؤولية والواجب مهيمنة على الكل.ينبغي أن لا ننظر إلى حكومة الوفاق هذه كفرصة لتقاسم كعكة جديدة (سواء بالتساوي أو بنسبية لا يعرف أساس حسابها) بل إنها ببساطة عمل جماعي يخدم المصلحة العامة يتحتم أن تراعى فيه فائدة وكفاءة المشاركين (منظمات، أفراد) ويكون هذان هما المعيارين الحاسمين.وفي الختام فإن روح حكومة الوحدة الوطنية ذات التوافق العريض تمنح مختلف الأطراف فرصة ذهبية لتصحيح الأخطاء والنسيان بإشهاد الأمة، مبرهنين لمن ينتابهم الشك من المواطنين –وهم

كثر- على أن نخبتنا السياسية قادرة دوما على تصحيح أخطائها في الوقت المناسب، وأنها جاهزة تماما للمشاركة بأحسن ما عندها في عملية البناء الدائمة وإصلاح البلد؛ وذلك بكل تجرد وحسن نية.

 6-ب- مهمات الحكومة الوطنية ذات التوافق العريض

نظرا لكونها ليست حكومة استعراض أو تباه أو تظاهر أو تحد، وبالنظر إلى أن موريتانيا ليست كعكة للتقاسم؛ بل هي بلد يحسده الكثيرون على ثرواته وإمكاناته الكثيرة الكامنة والظاهرة وموقعه الجغرافي الذي يجعل منه منطقة التقاء بين إفريقيا العربية البيضاء من جهة وإفريقيا السوداء من جهة أخرى، وبابا منفتحا على العالم الغربي، فإنه لا ينبغي أن يكون لها من هدف تجسده سوى أن تكون حكومة للخلاص الوطني محركها الوحيد المصلحة العامة للبلاد، ولا رقيب عليها سوى ضميرها والبلد الذي ستتولى تسييره المؤقت تحت الإشراف السامي لرئيس الجمهورية.وبما أن التوافق يأتي نتيجة لتنازلات متبادلة، فإن المنطق يملي –إذا ما قبلت منسقية المعارضة الديمقراطية المشاركة في الحكومة التي ستمارس نشاطاتها تحت إشراف ورقابة رئيس لم تعد تطعن في شرعيته- أن يكون التنازل المنتظر من الرئيس هو أن يقبل أن تلك الحكومة ستكون مختلفة عن سابقتها، وأن تحظى –على وجه الخصوص- بالمزيد من الاستقلالية وحرية التصرف في إطار تنفيذ برنامجها.

1- وبما أنها ناتجة عن إجماع توافق وطني – وليست ناتجة عن ائتلاف أغلبية أحزاب سياسية- يصبح ضروريا ومنطقيا أن تكون هذه الحكومة مقودة من لدن وزير أول توافقي، وأن تكون له صلاحيات واسعة تجعل منه رئيس حكومة حقيقيا.

2- إلا أن من المنطقي كذلك أن يكون تجسيد نتائج الحوار العمود الفقري لبرنامج حكومة الوحدة الوطنية ذات التوافق العريض؛ لاسيما فيما يتعلق –من قريب أو من بعيد- بالانتخابات المقبلة وجدولتها بالتنسيق مع لجنة الانتخابات الوطنية المستقلة وعلى الحكومة أن تجعل من مشاركة الجميع في هذه الانتخابات هدفها الأولوي، لأن هذا وحده هو الضامن لمصداقية هذه الانتخابات وقبول النتائج التي ستصدر عنها.إن الإكمال السريع لعمليات الإحصاء وإصدار وثائق الحالة المدنية (بطاقات التعريف الوطنية) يجب أن يتصدر –هو الآخر- اهتمامات الحكومة الجديدة دون المساس بجميع التحسينات الأخرى التوافقية والمفيدة ذات الطابع العام؛ كالتقطيع الانتخابي على سبيل المثال.

3- إن المهمات العامة للحكومة الوطنية ذات التوافق العريض طيلة فترة عملها هي أن تسعى –في المقام الأول- إلى إعادة تأهيل جميع الإدارات؛ خاصة منها تلك التي لها مصالح وأنشطة مرتبطة بالاهتمامات اليومية للمواطنين في مجالات العدل وتسوية النزاعات والأمن والإنتاج والتعليم والصحة.. للحد من المعاناة في انتظار استئصالها، وتقليص ضغط الحاجات الأكثر استعجالية؛ والتي حاول التحليل إبرازها.إن قطاعات العدالة وحقوق الإنسان والداخلية (الإدارة الإقليمية والأمن) والتهذيب الوطني والصحة والتنمية الريفية والمياه والتجارة والاتصال والاقتصاد والمالية والصيد والمعادن يجب أن تكون محل عناية فائقة هي وما يتعلق بها؛ على أن تبقى الشؤون الخارجية والدفاع من اختصاص رئيس الجمهورية.

 6-ج- تشكلة الحكومة الوطنية ذات التوافق العريضكما بينا من قبل فإن الحكومة الوطنية ذات التوافق العريض تعني –إضافة إلى الأغلبية الرئاسية- منسقية المعارضة الديمقراطية والمجتمع المدني والمعاهدة من أجل التناوب السلمي، دون المساس بمساهمة الشخصيات المرجعية التوافقية.إذا كان من الضروري للبلد وللتوافق المنشود أن تشارك هذه الأطراف الأربعة فلا يعني ذلك أن تكون هذه المشاركة بالتساوي؛ لأن الأمر يتعلق بانفتاح طوعي ومؤقت لسلطة شرعية على المعارضة والمجتمع المدني؛ ليساهم الجميع في بلوغ إجماع وطني قادر على أن يقود البلد بهدوء وسلامة وبكل مسؤولية تامة إلى تنظيم حر وشفاف وشامل للانتخابات المقبلة.كما أنه لن يكون مقبولا –بطبيعة الحال- من

أي طرف أن يفرض حصة نوعية أو كمية في هذه الحكومة التي تتشكل -على غرار جميع حكومات العالم- بعد التشاور الذي سيمكن في النهاية من مشاركة كلية (وهي الغاية) أو مشاركة جزئية (وهي ما يؤسف له) لجميع الأطراف المستهدفة. 6-د- مدة نشاط الحكومة الوطنية ذات التوافق العريضكما بينا أكثر من مرة فإن مدة نشاط هذه الحكومة المقررة سيكون الفترة التي تفصلنا عن الانتخابات التشريعية والبلديات التي ينبغي بعدها أن تعود الأمور إلى نصابها بشكل نهائي. كلمة الختامحاولنا طيلة هذا النداء الهادف إلى خلق وعي جماعي توضيح الظروف التي تجعل الطمأنينة وسلام الأنفس والقلوب الضامن الوحيد لاستمرار وجود بلدنا وشعبنا، وقد أقدمنا على ذلك دونما كراهية أو رغبة خاصة.وبهذه المناسبة أتوجه بالدرجة الأولى إلى الفاعلين السياسيين الوطنيين -وعلى رأسهم السيد رئيس الجمهورية- ليشاركوني الشعور بضرورة أن تضع الحرب أوزارها ولو مؤقتا؛ وذلك لمواجهة ما هو أكثر إلحاحا وهو:

• التحصين الدائم للبلد وسكانه من أخطار الفوضى العارمة.

• ضمان تنظيم وسير الانتخابات المقبلة بمشاركة الجميع.

وأتمنى من صميم قلبي أن أكون قد وفقت في إثارة الإحساس لدى الجميع؛ لا سيما منه ما يتعلق بالوطنية التي اعتبرها وحدها القادرة على تحريك المواقف نحو الأفضل.

وبصفتي جزءا لا يتجزأ من الفاعلين السياسيين الوطنيين أبادر -بعد تحملي الكامل لجزئي من المسؤولية عما يجري في البلد- بتقديم اعتذاري الخالص للشعب الموريتاني الذي أكن له احتراما عميقا؛ والذي أعبر له عن أخلص تمنياتي بالسعادة والتصالح والسلام.

وأخيرا فإنني أطلب من الجميع أن يتأمل بعمق هذه المقولة التي أعتبرها صادقة وفي محلها حتى وإن كان هذا كل ما أراه عادلا ومستحقا للتقدير في شخص صاحبها (أدمون بورك) هذه المقولة هي: “يكفي لانتصار الشر أن يخرس الخيرون ولا يفعلوا شيئا”.

01-11-2012

مسعود ولد بلخير

المصدؤ:المجيط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى