البعد العسكري لمحاربة الإرهب (عرض العقيد البخاري)

altتمهيد:

نود، كمقدمة لهذه الورقة، أن نعرض بعض الملاحظات التمهيدية التي تهدف إلى إدراج الموضوع في الإطار العام للاضطرابات والشكوك التي تحيط بتصورنا للتحديات الأمنية الراهنة. كما أنها تهدف أيضا إلى توضيح الطابع الشخصي لهذه المقاربة ورسم حدودها.

1. بصفة عامة، يعاني الفكر الاستراتيجي في زمن العولمة، من صعوبة إيجاد معالم دالة، واضحة، دقيقة ومقبولة من كل الناس. وتبدو هذه الصعوبة أكثر جلاء حين يتعلق الأمر بتناول إشكالية محاربة الإرهاب في الساحل، فالمسألة مثيرة للجدل والنقاش لأن عوامل الحكم المتعلقة بها معقدة، ومبهمة غالبا ومتغيرة دائما. ولا تفلت المقاربة الراهنة من هذه الإكراهات والعوائق.

2. نلاحظ أن النزاعات المسلحة التقليدية بين الدول، تميل إلى التناقص، على عكس ذلك فإن الإرهاب وعلاقاته مع الجريمة الدولية، ظواهر تنتشر بكثافة وقلق لدرجة جعلت منها اليوم عوامل بنيوية في تشكيل وصياغة سياسات الدفاع والأمن على المستوى الدولي.

3. تندرج الرؤية الإستراتيجية الموريتانية لهذه الظاهرة، بشكل تام، في هذا التحليل المبني على اعتبار الارهاب خطرا أمنيا، ديناميكيا، شاملا ومؤسسا للسياسات في مجال الدفاع. ومن هذا المنظور نقدم “قراءتنا” الشخصية للبعد العسكري لهذه الإستراتيجية عبر محورين رئيسيين:

• عوامل الهشاشة وتمييز التحديات الأمنية في الساحل وخاصة منها تلك التي تمس موريتانيا

• الجوانب العسكرية من المنظومة الوطنية لمحاربة الارهاب.

عوامل الهشاشة وتمييز التحديات الأمنية.

من المسلم به أن سياقات النزاع والأزمات تهيؤ الشروط الملائمة لظهور وتطور التهريب والانتشار غير المقنن للسلاح وكذلك الجريمة المنظمة والإرهاب. وهذا ما يفسر أن التحديات الأمنية التي تواجهها موريتانيا مرتبطة إلى درجة كبيرة بمحيط البلاد الجيوستراتيجي الإقليمي المضطرب.

المحيط الجيوستراتيجي الإقليمي

تعيش الدول المحاذية لموريتانيا تحت تهديدات دائمة من نزاعات مسلحة كامنة أو نشطة (انظر شكل أ): نزاع الصحراء الغربية (الجزائر والمغرب)، كازامانص (السنغال)، النزاع في شمال مالي (مالي).

وإلى الشمال من هذه المنطقة، حيث الدول التي عرفت “الربيع العربي” (تونس، ليبيا، مصر)، فإن اضطرابات “ما بعد الثورات” والارتجاجات السياسية يشكل مع معضلة إعادة تنظيم قوات الدفاع والأمن، مظهرا جديدا من مظاهر عدم الاستقرار التي يتصف بها المحيط الجيوستراتيجي في العالم العربي والإسلامي.

وفي الشرق والشمال الشرقي، تضرب تحديات أمنية هامة بلاد هذه المنطقة في دول الساحل وغيرها، من غينيا الاستوائية إلى القرن الافريقي مرورا بكوت ديفوار والنيجر والتشاد والسودان…

وتكمن هذه التحديات الأمنية في أن أكثرية الدول تخوض صراعا مباشرا مع ظواهر الارهاب والتمرد والجريمة العابرة للحدود.

وهي ظواهر تتولد عنها عصابات ومجموعات مسلحة تهاجم قوات الدفاع والأمن الوطنية، وتضر بسلطة الدول وتخيف السكان، وتخطط عمليات اختطاف الرهائن أو تنفذها، وتمارس أو تشارك في أنشطة الجريمة عابرة الحدود وفي أعمال الحرابة: تهريب المخدرات، التهريب، الهجرة السرية…

إن هذه اللائحة من الأخطار المتعددة الأشكال التي أصبحت تقليدية ومعروفة في مناطق كثيرة من العالم، تجد أسباب قوتها منذ سنوات في جمهورية مالي. وتعرف هذه الأخطار تطورات هامة جدا في منطقة الساحل منذ احتلال شمال مالي من طرف العصابات المسلحة والحرب التي نجمت عن ذلك.

وهذه الأزمة تشكل خطورة على المنطقة والعالم كله.

وبالنسبة لموريتانيا، تنتج عن هذه الحالة تهديدات عابرة للحدود تتوقف درجة خطورتها، بدرجة كبيرة، على التحكم في المعطيات الجيوستراتيجية الخاصة بالبلد.

السياق الوطني وتحدي مراقبة الحدود

بوصفها بلد عربي مسلم وافريقي، تحتل موريتانيا موقعا جيوستراتيجيا هاما على الشاطيء الغربي الافريقي بين المغرب العربي وافريقيا جنوب الصحراء. ويبلغ سكانها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، يمتد البلد على مساحة تزيد على المليون كيلومتر مربع، و تزيد حدوده علي 5800 كلم ينبغي مراقبتها، منها 750 كلم على المحيط الاطلسي و 5000 كلم حدود قارية يتقاسمها مع الصحراء الغربية والجزائر والسنغال ومالي.

إن هذه الحدود البرية الطويلة، ذات الخصائص الصحراوية، سهلة الاجتياز. وإضافة إلى سهولة اختراق حدوده، فإن البلد يوفر فرصا على الصعيد الاقتصادي والسياسي، تجعل منه إحدى الوجهات المفضلة التي تجتذب الشباب الإفريقي الراغب في الهجرة السرية من بلدان جنوب الصحراء إلى أروبا فيتخذ موريتانيا ممرا أحيانا ومستقرا أحيانا أخرى.

إن تضافر هذه العوامل، يجعل من السيطرة على الحدود قضية أساسية في مواجهة التحدي الإرهابي.

التحدي الإرهابي في الساحل وملامحه الجديدة

يعرف التحدي الإرهابي في الساحل اليوم تحولات هامة منذ احتل “الجهادويون” شمال مالي لأشهر خلت. أما اليوم فيعطي التدخل الدولي المسلح في النزاع دفعا قويا للتغيرات ويدرج محاربة الإرهاب في هذه المنطقة ضمن إطار جيوسياسي أكثر شمولا واتساعا من الماضي. ويدعونا تسارع الأحداث هذا إلى إعادة النظر في تطور التهديد مع علمنا باستحالة تقديم عناصر تحليل ثابتة، موثوق بها وغير قابلة للطعن بخصوص ظاهرة معقدة وعلى هذه الدرجة من التغير. إن طموحنا يقف عند تقديم بعض التأملات التي قد تضيف إضاءات للإشكالية. وسيتم ذلك عبر النقاط التالية:

1. عصابات القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، تهديد أصلي ذو صبغة إقليمية. منذ مطلع العقد الماضي، بدأ الارهاب ينمو ويستقر بصفة دائمة على الحدود الشمالية الشرقية لموريتانيا ثم أصبحت البلاد لاحقا أحد أهدافه المفضلة في المنطقة. وهكذا، عرفت موريتانيا أكثر من عشرين عملية عنيفة أدت في أغلبها إلى القتل، بين سنتي 2005 و2011. ويبين التحليل أن العدو كان دائما مكونا من عصابات مسلحة تنسب نفسها “لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” أو لسلفه “تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والجهاد”. وكانت هذه العصابات معروفة إلى حدما، وكذلك كان قادتها معروفين كما كان معلوما أنها تتخذ من المناطق الصحراوية الأبعد في الشمال المالي مكانا لها تنتشر فيها وتتنقل في مجموعات صغيرة خفيفة دائمة التجوال، جاعلة من الحركة والتشتت إستراتيجيتها الرئيسية للدفاع والهجوم. فبهذه الطريقة، كانت تقوم بأعمالها الإرهابية بعد قطع مسافات طويلة ثم تنسحب مباشرة نحو مناطق تحصنها في تلك المجاهل الصحراوية النائية. وكان أعداؤها المباشرون هم بالدرجة الأولى دول المنطقة الساحلية منها والمغاربية. وغالبا ما فشلت محاولات هذه العصابات المتكررة لزرع وتنشيط خلايا “نائمة” في كل واحد من هذه البلدان.

2. بنية معقدة جديدة للتهديد الإرهابي، تحد عالمي ذو سمات متغيرة. إن هذه الصورة الشفافة إلى حد ما، تتغير الآن في منطقة الساحل. لم تعد العصابات المنتسبة “للقاعدة في بلاد المغرب الاسلامي” تحتكر الإرهاب ولم تعد بنفس التجانس السابق، كما أن علاقتها “الخاطفة” بالمجال الجغرافي في طريقها إلى التبدل. وباختصار، نري أن تشكلا جديدا للتهديدات الأمنية يتبلور الآن.

وتظهر خريطة التهديدات العابرة للحدود في جمهورية مالي منظرا معبرا عن هذه الدينامية المعقدة. وبالموازاة مع هذه الدينامية، نجد في الجهة المقابلة، أن تعدد المتدخلين، من دول ومنظمات، حاضرة في ميدان العمليات، يضيف بعدا جديدا إلى محاربة الإرهاب في الساحل، حيث تأخذ أهمية دولية لم يسبق لها مثيل. تظهر كل هذه العوامل الصفة الدينامية للتحدي الإرهابي في هذه المنطقة. وهو تحد يتميز بمتغيرات متسارعة التطور: عدد ونوع الفاعلين، اللجوء إلى العنف والقوة المسلحة وكل ما يترتب عن ذلك من تغير سواء في موازين القوة بين المتصارعين و داخل الأحلاف أو في التكتيكات وطرق العمل.

3. قراءة متباينة للمجموعات المسلحة، مقياس تتفاوت خطورته. في الوقت الراهن تتنافس عصابات ومجموعات مسلحة كثيرة و”جهادويون” ومتمردون آخرون، على التخطيط للاستفادة من هذه الأزمة. وليس لهؤلاء اللاعبين المتعددين ذوي الدوافع المختلفة وطرق العمل المتباينة نفس الأهمية من وجهة نظر علم الجريمة. ومع ذلك، فإن كل هذه التنظيمات تستغل حالة الفوضى السائدة فى شمال مالي لتتقوى وتتجذر بل وربما لتوسع مجال عملها ـ أو لتجد ملجأـ خارج مالي. إن دراسة المجموعات الإرهابية العاملة في شمال مالي، على ضوء علاقاتها بالإرهاب والتطرف والجريمة الدولية، تقودنا إلى الملاحظات التالية:

أ‌. الإسلامويون المسلحون والإرهابيون في الساحل، أحلاف ومعاهدات خطيرة. إن خمس مجموعات مسلحة معروفة تتعايش الآن بسهولة نسبية. ويشترك مع هذه المجموعات أعضاء من منظمة “بوكو حرام”. أربع من هذه المجموعات، على الأقل، تتبنى، علنا، الإرهاب “الجهادي” كإيديولوجيا وتمارسه كطريقة عمل. إنها “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” ومجموعة “مختار بلمختار”، التي انشقت مؤخرا عن “القاعدة في المغرب الإسلامي” و”حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا” و”بوكو حرام”.

أما منظمتا “أنصار الدين” و”أنصار الشريعة” فتدعوان إلى “تطبيق الشريعة” وقد تحالفتا مع المجموعات المذكورة آنفا كما أن كثيرا من أعضائهما ووحداتهما المقاتلة أتوا من تلك المجموعات. وتميل حركتا “أنصار الدين” و”أنصار الشريعة” إلى مزيد من التطرف وهما مدعومتان في هذا المشروع من طرف المجموعات الإرهابية المذكورة آنفا وتتلقيان الدعم النشط منها. ويمثل هذا الحلف أو المعاهدة مصدرا للقلق بالنسبة لموريتانيا. وقد وعت المجموعة الدولية هذا الخطر وردت عليه بقوة منذ أن شكلت “أنصار الدين” حلفا من كافة الجماعات “الجهادية” للاستيلاء على منطقة موبتي في وسط مالي. وقد حدث هذا في وقت ظلت فيه “أنصار الدين” حتى ذلك التاريخ تدعى إلى طاولة المفاوضات وتعتبرها الدول الوسيطة في هذا النزاع ومجلس الأمن، طرفا مفاوضا مقبولا. لكن هل هذه هي الطريقة الأمثل لفصل هذه الجماعة المسلحة الطارقية عن المجموعات الإرهابية “الجهادية”؟ يمكننا الشك في ذلك.

ب‌. ضعف حركات الاحتجاج أو التمرد العلمانية أمام المتطرفين الإسلاميين والإرهابيين. تطالب مجموعات أخرى باستقلال أو تقرير مصير أزواد. منها “الحركة الوطنية لتحرير آزواد” و”حركة عرب أزواد”. وتدعي الحركتان أنهما “علمانيتان” وأنهما ترفضان الإرهاب “الجهادي” وتتبرآن منه. ولذلك فهما تدفعان ثمن مواقفهما حيث أصبحتا هدفا عسكريا سهلا للجماعات الإسلامية المسلحة. وقد ألحقت هذه الجماعات المسلحة “بالحركة الوطنية لتحرير أزواد” نكسات قوية ، مما يظهر أن حركات التمرد والاحتجاج “العلمانية” لا تشكل ندا للمتطرفين “الإسلامويين”.

ج. الحذر من الميليشيات الموالية للحكومة. توجد ميليشيات أخرى قريبة من الحكومة المالية. وهي منحدرة من الميليشيات العربية أو غاندا-إيزو و غاندا-كوي أو من بقايا الجيش المالي. ورغم أن هذه الميليشيات ضعيفة في الوقت الراهن ومشلولة فإن من الممكن أن تعيد تشكيل نفسها بالاستفادة من إعادة بناء الجيش المالي ومن التدخل العسكري الراهن. ومع ذلك فإن تعداد هذه الميليشيات غير معروف بدقة وليست بمنأى عن الانحراف الأمني الذي قد يأخذ شكل تجاوزات ضد السكان أو حتى الانحياز إلى العدو.

ومما يبرر هذه المخاوف، أن تلك الجماعات تتكون غالبا على قاعدة الانتماء العرقي، وأن ضبابا كثيفا يحيط بعقيدة استخدامها وبالدوافع الحقيقية لأعضائها. إن كل هذه الاعتبارات تشكل سببا وجيها للحذر من هذا النمط من القوى.

4. الارتباط بالمجال الاقليمي، علاقة جديدة بالميدان مضاعفة للتهديدات: تشهد المجموعات المسلحة إعادة في التشكيل. وإعادة التشكل هذه، مرتبطة بالعلاقات الجديدة لتلك المجموعات بالمجال في مفهوميه الجغرافي والسياسي، وذلك تبعا لميزان القوى الآني. فلمدة شهور عديدة استفادت المجموعات المسلحة من أزمة المؤسسات السياسية في مالي، التي شلت كثيرا قواته المسلحة وقوات أمنه، مما مكنها من الاستقرار في مدن الشمال المالي وأماكنه المأهولة، محاولة أن تكون لها أرضها التي تمد عليها سلطتها وتدافع عنها وتسير حياة سكانها اليومية. كما حاولت أن تعيد تنظيم نفسها للتلاؤم مع هذه المتطلبات. لقد أصبحت إقامة “إمارة” إرهابية هدف هذه المجموعات على ما يبدو. و نلاحظ أن هذا المشروع شهد بدايات تطبيقه. وهذا ما يشكل نوعا جديدا من التهديد مباشرا وخطيرا، لا فقط على الدول المحاذية لهذه “الامارة” ومن ضمنها موريتانيا، بل على المنطقة والبلدان المحبة للسلم والديمقراطية والتقدم. لذلك جاء تدخل المجتمع الدولي الذي يجري الآن إلى جانب قوات الدفاع والأمن المالية ليهدف لمنع هذا التهديد. وينبغي العمل من اجل الحيلولة دون سيطرة الإرهابيين علي هذا الجزء من المنطقة الساحلية.

5. قدرات كبيرة على التكيف، استراتيجيات وطرق عمل متغيرة حسب ميزان القوة: لقد أظهر احتلال شمال مالي أن العصابات الإرهابية لا تتردد في الهجوم المباشر على قوات حكومية سيئة الإعداد للقتال، لطردها والاستيلاء على بلادها. وحين تستقر هذه المجموعات المسلحة في الاماكن المأهولة وفي المدن، تندمج في السكان وتتشبه بهم وتتخذهم دروعا بشرية. وعندئذ يكون من الصعب طردها. ولما يتحقق ذلك بتضحيات باهظة، بشرية ومادية، تظهر تلك المجموعات قدرة كبيرة على التكيف.

فحينها يصبح رد فعلها يتمثل في تفادي القتال الجبهوي عندما تتأكد أن ميزان القوة ليس في صالحها مقارنة مع القوات المواجهة لها. وإذ ترفض القتال الجبهوي فإنها تعود إلى الحركة والتشتت كإستراتيجية وإلى التكتيكات وطرق العمل الإرهابية المعتادة: تفجيرات، اختطاف رهائن، اغتيالات، اختراق الخ…وقد تتمثل إستراتيجية التشتيت هذه في محاولات زرع وتنشيط “خلايا نائمة” في دول المنطقة. ويتعين الحذر من استغلال موجات اللجئين الناتجة عن الأزمة الراهنة لتنفيذ تلك المحاولات. وهنا فينبغي على موريتانيا التي تستضيف عشرات آلاف اللاجئين أن تكون على درجة عالية من الحيطة.

6. ظهور مجموعات إرهابية محلية واصطباغ المجموعات”الجهادوية” بصبغة إثنية مما يعني “إرهاب الجوار”: إن تقدم أبناء البلاد والمنحدرين من بلاد جنوب الصحراء لأماكن القيادة داخل هذه المجموعات الإرهابية، يبدو توجها قويا اليوم.

إنهم لا يكونون أكثرية المجندين فقط بل يتزايد عددهم كذلك باطراد في الوظائف القيادية، حالين آحيانا محل القيادات المنحدرة من “الجماعة السلفية للدعوة والقتال”. ورغم أن كثيرا منهم ما يزالون في “قاعدة الجهاد ببلاد المغرب الإسلامي” إلا أنهم كثر كذلك هم الذين يكونون جماعات، مختلفة، منافسة للقاعدة إلى حد ما، “كحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا” و”أنصار الدين” و”أنصار الشريعة”. بل وظهرت حركات معادية للقاعدة علنا “كالحركة الوطنية لتحرير أزواد” و”حركة عرب أزواد”و “الحركة الإسلامية لأزواد”.

وقد بلغ هذا التجذر المحلي درجة جعلت المجموعات تتشكل على أسس عرقية فأصبحنا نجد منها الطوارقية والعربية والفلانية والسونغائية. وينتج عن هذا كله، اتخاذ الإرهاب صبغة محلية بعد أن كان حتى الآن ينظر إليه من أغلب سكان المنطقة كظاهرة أجنبية أدخلها إلى الساحل “أناس جاؤوا من الخارج”. وإن مما يخشى منه أن اتجاه المجموعات “الجهادية” إلى اتخاذ صبغة إثنية سيجعلها أقرب إلى السكان مما كانت ويعطيها قبولا أكبر لديهم، خصوصا أننا نعلم قوة الروابط العائلية والقبلية والإثنية في المنطقة.

7. الاختطاف + الجريمة عابرة الحدود = دخل مالي خالق لاقتصاد الجريمة والارتزاق. بصفة عامة، يمارس الكثير من الناس في شمال مالي بمن فيهم محموعات مسلحة غير إرهابية، تجارة التهريب ويستفيدون ما أمكن من تهريب المخدرات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تهما قوية تطارد بعض هذه المجموعات بخصوص علاقتها بعمليات اختطاف. وقد يكون أعضاء من هذه المجموعات لعبوا أدورا ما في تلك الجرائم.

في الواقع، إن الاختطاف تقنية معقدة تستدعي سلسلة من العمليات تتواصل لتشكل حلقة متكاملة. وهذه العمليات هي إعداد عملية الاختطاف، تحديد الأهداف، بيعها، نقل “الطرود”، التوسط لتحرير الرهائن، تبييض وإعادة تدوير أموال الفدية، ثم الإعداد لعملية الاختطاف. وتؤجش هذه المراحل إلي عدد هام من الخدمات التي يمكن شراؤها. من النادر إذن أن نجد مجموعة لا يوجد بها أعضاء مهتمون بمحطة أو أكثر من محطات عملية الاختطاف أو سبق أن شاركوا في واحدة أو أكثر منها للحصول على فوائد مالية. ومع هذا فإن “صناعة الاختطاف” تشكل للإرهابيين “الجهاديين” وحدهم المصدر الاساسي للتمويل وشرطا الوجود بل والسبب الأول لانتشارهم اليوم في منطقة الساحل. إن كل نشاطاتهم تتنظم أساسا حول هذه “الصناعة”.

إنهم يكتتبون لها ويوظفون فيها أعضاء ومعاونين من آفاق شتى كأنما هم شركة من الشركات متعددة الجنسيات. وقد طوروا هذه الصناعة استنادا إلى خدمات التعهد التي يبدو أنها وظيفة معطاء. وإن ممارسة هذه الوظيفة لمرشحة لمزيد من النمو في المنطقة، إذا لم تؤخذ الاجراءات الكفيلة بالقضاء على هذا التهديد. إن العصابات و الباحثين عن “المال السهل” قد يجدون في هذه المهنة ما يغري بالاستثمار. وإن هم فعلوا فسنرى حينئذ ظهور مجموعات متخصصة في هذه “التجارة القذرة” بما يشبه نوعا من الشركات المسلحة الاجرامية الخاصة كالتي تزدهر في الصومال بما تمارسه من قرصنة بحرية. باختصار، سنشهد ميلاد تجار محتملين لخدمات الارتزاق.

8. غياب الزعامة، مصدر موضوعي للفوضى ولتعدد الجماعات المسلحة في الساحل. يشير المراقبون على الصعيد الأمني إلى غياب ملحوظ لقيادات تفرض نفسها بخصائص الزعامة لديها وبتأثيرها الطبيعي. ويؤدي هذا الواقع إلى تعدد مراكز القرار وسيطرة روح المحاباة أو إلى خلل في وظائف سلسلة القيادة. ولا يسلم من هذا الفراغ مستوى من مستويات المجموعات ولا أي من صانعي الأزمة المالية. وهذا ما نلاحظه داخل أجهزة الدولة وفي المجموعات الأزوادية المتمردة كما نلاحظه داخل المجموعات المسلحة الإسلاموية والإرهابية.

وبالنسبة لهذه الأخيرة، فيمكن تفسير الأمر لحدما بالنكسات التي تعرض لها الإرهاب على المستوى الدولي. إن هذا الفراغ القيادي هو أيضا أحد الأسباب الرئيسة للترحال المتكرر والتحول والانشقاقات أو “الانقسامات الخلوية” داخل تلك المجموعات، بحسب تعبير بعض الخبراء. وعلينا أن نحلل سلوك التمرد في بعض تلك المجموعات “الجهادية” انطلاقا من هذه الروح: وإلا فكيف يمكننا تصور أن قادة إرهابيين كبارا من نوع بلمختار يرفضون القرارات التي تتخذها قياداتهم العليا! ونستخلص من هذا من جهة أخرى أن الخطابات المقدسة والشحن العقائدي الذي يتعرض له الاعضاء تظهر في النهاية قصورها لتحل بدلها الدوافع الشخصية كالمصالح المادية والانتماء العرقي أو القبلي أو كحب السلطة. إن نتائج هذه “البراغماتية الأنانية” هي مبايعة فرد وليس مؤسسة وهذا ما يخلق الظروف المواتية للفوضى ولتكاثر العصابات المسلحة والمجموعات الخارجة عن السيطرة.

9. اضطراب الأحلاف، مظهر آخر من مظاهر الشك السائد. إن سلوك المكر الذي نلاحظه على المستوى الفردي يعبر عن نفسه على المستوى الجماعي بتغير علاقات التحالف بين المجموعات. ورغم هذا فإن ضرورة مواجهة التدخل الخارجي تدفع المجموعات الرئيسية المستهدفة إلى البحث عن أرضية مشتركة لتنسيق جهودها في وجه العدو المشترك المكون من تحالف يضم فرنسا والدولة المالية والمجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا وأشياعهم. ونحن نلاحظ الآن علامات على هذه الأحلاف الظرفية تتمثل في محاولات للتقارب بين “أنصار الدين” و”أنصار الشريعة” و”حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا”.

وتشجع “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” هذه المحاولات وإن كانت انقساماتها الذاتية هي نفسها قد أصبحت جلية منذ انشقاق بلمختار ورفاقه. ولا يستبعد أن يجري بلمختار تغييرات على تحالفاته بعد الفشل العسكري الذريع الذي منيت به محاولته لاختطاف بعض العاملين في المركب الغازي في “عين أمناس” مؤخرا. وهو فشل لا تحجبه محاولات المعنى رسملة الأصداء الإعلامية الكبيرة التي لقيتها العملية. ولا شك أن قدرات بلمختار على استقطاب حلفاء ومنتسبين قد تعرضت لضربة قوية في الوقت الراهن وهو ما لن يكون سيئا في عيون منافسيه من الإرهابيين وخصوصا في “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.

ولعل من المهم أن نلاحظ هنا أن هذه التنظيمات رغم خطاباتها التحشيدية حول “كره الغرب والحكومات الكافرة” أثناء محاولاتها للتوحد، تلعب موازين القوة بينها دورا أساسيا يكون أحيانا أكثر حسما من الايديولوجيا المعلنة. وبما أن موازين القوة متغيرة فان الأحلاف تكون قصيرة المدى. ولمزيد من الأدلة على هذا، يكفي أن نذكر أن الحركة الوطنية لتحرير أزواد “العلمانية” قد تحالفت العام الماضي مع “أنصار الدين” “الإسلاموية” من أجل قيادة التمرد الطارقي. ولكن هذه الأخيرة، تحت ضغط “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” و”حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا” وبعون نشط منهما تخلت عن هذا التحالف لاحقا. ولكن دون أن تقطع كل العلاقات مع “الحركة الوطنية لتحرير أزواد”؛ وقد يكون للحفاظ على تلك العلاقة أثره في الانشقاق الذي أصاب “حركة أنصار الدين” ولانشقاق عدد هام من كوادرهاوأعضائها الذين اسسوا “الحركة الإسلامية لأزواد”.

10. تدوير الخطاب الجهادي عبر الرسملة الإعلامية اللإحباطات العسكرية: لقد حاول بل مخطار خلال عملية المجمع الغازي بعين أميناس إعطاء أكبر زخم إعلامي لتلك العملية علي الرغم من تكاليفها الباهظة عسكريا بالنسبة له. ولذا فقد انتهز فرصة إمكانية البث المباشر عبر مواقع الكترونية و قنوات تلفزيونية (فرانس 24، الجزيرة… ) لنشر دعاياته الكاذبة. و هكذا برر بل أعور جريمته بإقامة علاقة سببية بينها وعملية “قط الصحراء” ( Serval ) لما ادعي أنها كانت “ردا على الهجوم الصليبي الفرنسي ضد دولة مسلمة و بمساعدة نظام الطاغوت الجزائري”. و من خلال هذه الزاوية قدم نشاطاته الإجرامية السفاحة والانتحارية بوصفها “عملا بطوليا مبررا يمليه ويفرضه الواجب الديني “، و بهذا الطرح فإنه يتوخى بلوغ هدف مزدوج:

أولاـ تدوير خطاب الحقد و الكراهية التقليدي لدي “الإسلامويين” ضد الغرب.

ثانياـ التستر على الفشل العسكري الذريع الذي ألم به خلال محاولة خطف الرهائن الأجانب، هذا الفشل الذي حاول استعاضته برسملة الأصداء الإعلامية للعملية. وعلى نفس المنوال تنهج “حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا” الأسلوب ذاته عبر الإعلانات حول تبنيها المحاولات الانتحارية وعمليات التسلل في مدينة جاو و في المناطق الشمالية من مالي و التي باءت في أكثر الحالات بالفشل لحد الآن.

و يستشف من هذا النهج أن أي نشاط عسكري يتضمن في مذهب الإرهابيين هدفا دعائيا. فحينما يكونون في موقف دفاعي أوفي حالة فشل فإن العمليات تتحول إلي أداة إعلامية يحملونها رسالتهم الإيديولوجية. فليس بعدد الضحايا في صفوفهم يجرون حساباتهم حسب ميزان الخسارة و الربح، بل وقعُ الخطاب الإعلامي هو الذي يهمهم. وينبغي أن نعترف أن لهذا الخطاب صدى مثمرا لحد ما، حيث نلاحظ مؤخرا اكتتاب شبان مشغوفين “بالشهادة ” في مدن من الشمال المالي مثل: جاوو و كيدال.

المنظومة الوطنية لمحاربة الإرهاب

يدرج مفهوم الدفاع الوطني الموريتاني محاربة الإرهاب ضمن رؤية شاملة تترابط فيها عوامل الأمن والتنمية، وبهذا المعنى، فان منظومة البلاد العسكرية هي ترجمة لأهداف عامة تأخذ في اعتبارها الخاصية الشمولية للتحدي الأمني الإقليمي والدولي معا وما يترتب عنه وطنيا على كل الأصعدة. وتتلخص هذه الأهداف في الدفاع عن الأرض والسكان وفي ضمان إشعاع ومساهمة موريتانيا في أمن الساحل والمغرب العربي وإفريقيا والعالم وكذلك في الدفاع عن العقد الأخلاقي والسياسي والاقتصادي والثقافي الذي يربط المواطنين بالدولة. وانطلاقا من هذا الطموح الكبير، تعني المقاربة العسكرية كافة الأبعاد المتعلقة بوظائف الدفاع والأمن وتسعى إلى الاضطلاع بثلاث وظائف رئيسية هي: الاستباق، الحماية والتدخل. وسنعرض هذه المنظومة مبينين أسسها القانونية والمبادئ المؤسسة لإعدادها وتشغيلها وكذلك من خلال تمفصلها ومكانتها المركزية في التنظيم العام لإمكانات الدولة.

الأسس القانونية

ينبني هذا المفهوم العام، في ميدان مكافحة الإرهاب على قواعد قانونية قابلة للتطور وثابتة في آن واحد. وتمتد هذه القواعد من مختلف النصوص التشريعية والقانونية المنظمة لقوات الدفاع والأمن منذ الاستقلال سنة 1960 وحتى القوانين المتخصصة الأكثر حداثة، مرورا بدستور 1991 والتعديلات المتتالية التي أدخلت عليه.

ومن هذه المدونة الغنية، إلى حد ما، سنحتفظ بالمستويات الثلاثة التالية التي تشكل الأساس القانوني للبعد العسكري في مكافحة الإرهاب:

أ‌. نصوص متخصصة تشكل العناصر الرئيسية لكل ترسانة محاربة الإرهاب: القانون المتعلق بمحاربة الإرهاب (القانون رقم 2010-035 الصادر بتاريخ 21 يوليو 2010) وقانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب(القانون رقم 2005-048 الصادر بتاريخ 18 يوليو 2005).

ب‌. المعطيات الدستورية التي تنبثق منها وظائف عامة تكلف بها هذه الجهة أو تلك كما ينبثق منها أن الدولة الموريتانية كلها ملتزمة بمكافحة الإرهاب والجريمة عابرة الحدود. ويمتد هذا الالتزام من واجبات رئيس الجمهورية (المواد: 24-29-34) حتى المواطن البسيط (المادة 18) مرورا بواجبات الحكومة (المادة: 43) ومؤسسة البرلمان (المادة: 57) والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني (المادة 11).

جـ. قوانين أساسية تمكن من تعبئة واستخدام قوات الدفاع والأمن في مكافحة الإرهاب: القانون 1960 الذي يشرك القوات المسلحة في هذه المهمة بتكليفه إياها بمهام “ضمان الدفاع عن أراضي الوطن وحفظ الأمن واحترام القانون”. كما أن قانونين آخرين يكلفان بصراحة كلا من الشرطة والتجمع العام لأمن الطرق، بمكافحة الإرهاب (على التوالي القانون رقم 2010-007 الصادر بتاريخ 26 يونيو 2006 والقانون رقم 2010-032 الصادر بتاريخ 20 يوليو 2010).

المبادئ

1. التكامل والتآزر أثناء العمل: بما أن التهديدات المرتبطة بالإرهاب عابرة للحدود، مخلة بالنظام العام ويرفض القانون؛ فإن عقيدة استخدام القوات في مكافحة الإرهاب، تدمج مفاهيم الدفاع الوطني والدفاع عن الأرض، مع الأمن الداخلي. ولقد كان هذا هو المعنى العميق للقانون المنشئ للقوات المسلحة الوطنية (الجيش، الحرس، الدرك) والذي أشركها كلها في مهام الدفاع عن أرض الوطن وحفظ النظام واحترام والقانون. ويمكن هذا القانون اليوم من الاستغلال الأمثل لاستخدام مجموع القوات المسلحة وقوات الأمن في مواجهة ظواهر انعدام الامن المرتبطة بالإرهاب والجريمة عابرة الحدود. وخلافا لبعض الدول، يمكن هذا القانون موريتانيا من حل مسالة حساسة هي القطيعة بين صلاحيات العسكريين وصلاحيات قوى الأمن أي قوات الشرطة.

2. الحركية، المرونة والتكيف. يتميز التهديد الإرهابي الذي يتطور إلى جانب حدودنا الشمالية والشرقية بصفة التبدل الدائم سواء بتغيير المكان أو الشكل أو الحجم. وقد أدت هذه الخاصية إلى إعادة تنظيم القوات المسلحة وقوات الأمن وتكييفها لضمان امتلاكها أكثر عوامل التفوق على العدو، في القدرة على الحركة وفي المرونة وسرعة التكيف. وطبقا لهذا المبدإ، أنشأت وحدات جديدة متفاوتة الأحجام (التجمعات الخاصة للتدخل، سرايا الدعم والتدخل، مشاة البحرية ومشاة الجوية…) كما أعيد تنظيم وحدات أخرى واقتنيت التجهيزات المتنوعة: وسائل نقل بري أخف مما كان موجودا، وسائل دعم لوجستي وتسليحي، وسائل جوية للاستطلاع والدعم الأرضي… وبالإضافة إلى هذا فقد أعيد تشكيل وسائل القيادة (البنى، الإجراءات العملياتية وإجراءات الاتصال) من أجل ضمان استخدام القوات بطريقة مرنة وسريعة. ولذلك، أولي اهتمام خاص لوسائل دعم الحركة (الملاحة، الاتصالات…). وتلعب هذه المباديء دورا رئيسا في استخدام القوات وخصوصا من أجل مراقبة الحدود طبقا لتطور التهديدات. وانسجاما مع هذه المبادئ فإن محور الجهد الآن مركز على الحدود مع جمهورية مالي.

3. الشراسة والحماس. إن نقطة قوة الإرهاب “الجهادي” هي بلا شك الإصرار الكبير لمن يتعاطونه ويضحون بأنفسهم من أجل قضيته. ومن أجل قتال هؤلاء، لا بد أن تكون الوحدات التي يزج بها في المعركة في حالة نفسية أفضل أو على الأقل مماثلة لهؤلاء الإرهابيين. إن عليها أن تكون ذات معنويات عالية لتتفوق على عدو بهذه الدرجة من الشراسة والحماس. لذا يتعين تصور طرق عمل ذات نتائج مضرة بمعنويات العدو. وانطلاقا من هذه الروح، تنتشر القوات المسلحة بشكل واسع على الحدود مركزة جهدها على “المناطق الخطيرة” ومنفذة عند الضرورة عمليات استباقية تستهدف العدو في معاقله وقواعد تجمعه الأكثر تهديدا لأمن البلاد. وبالإضافة إلى قضائها على التهديدات الوشيكة، تحمل هذه العمليات رسائل إقناع يمكن أن تلحق ضربة بعزيمة العدو وتزرع فيه روح التردد وتردعه عن المبادءة إلى الهجوم علينا في المستقبل. وستكون هذه القدرة على الردع أكثر مصداقية وأسهل إظهارا إذا اتخذت إجراءات كافية لتشجيع وتحريض قواتنا. وقد أعدت استراتيجية كاملة لضمان الوسائل الضرورية لهذه المهمة. وتغطي هذه الإستراتيجية ، تحسين الجوانب العملياتية (التدريب، التسليح، التنظيم، الاتصالات…). كما أنها تعنى بالميادين المتعلقة بظروف العسكريين بصفة عامة (التقدم، الدورات الخارجية، العلاوات…) بإعطاء الأولوية لمنتسبي الوحدات العاملة في مناطق “خطيرة”.

4. القدرة على المناورة البينية والتعاون: عموما، تشارك كل مكونات القوات المسلحة وقوات الأمن في مكافحة الإرهاب بشكل نشط، مستخدمة وسائل هامة طبقا لخصوصية كل منها. ولأنها تنتسب لأفرع مختلفة (الجيش، الحرس، الشرطة، أمن الطرق…)، فإن العناصر المشتركة في هذاالصراع، لها من التنوع والاختلاف ما يفرض واجبات في مجال القدرة على المناورة البينية. ويتعلق الأمر بالبحث عن تناغم مثالي بين كل هذه المصادر المترابطة وتعبئتها بنجاعة من أجل تحقيق التأثير المنشود. ويتعلق هذا التناغم أساسا بالتجهيزات وإجراءات العمل وطرق الاستخدام. وعلى المستوى الدولي، فان هذه القدرة على المناورة البينية ضرورية أكثر لأن مكافحة الإرهاب تستدعى التعاون مع الخارج بشكل متزايد. وبسبب هذه الصفة العابرة للحدود التي تتسم بها مكافحة الإرهاب، تولي قوات الدفاع والأمن الوطنية مكانة هامة للتعاون الثنائي ومتعدد الأطراف. ويتعلق هذا التعاون في أكثر جوانبه بميادين الاستخبارات والتكوين والدعم اللوجستي. ويندرج التخطيط والتنفيذ المشترك لعمليات مراقبة وضبط الحدود مع الدول المجاورة (السنغال ومالي…) في هذا الإطار، مثلما تندرج الجهود المبذولة مع “دول الميدان” من أجل تجهيز وسائل عملياتية تهتم بالمنطقة كلها. وهنا نتمنى أن تعطي دروس النزاع المالي دفعا وديناميكية أكثر نجاعة للتعاون العسكري بين الدول الافريقية. وبشكل أوسع، تطور قوات الدفاع والأمن شراكة نشطة في ميادين التكوين والتجهيز مع دول أخرى (الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، المملكة المتحدة…) ومنظمات (الحوار المتوسطي، الاتحاد الاروبي، مبادرة 5+5 …). وبخصوص الاستخبارات، ينتسب البلد للهيئات الاقليمية التي توفر إطارا للتشارك والتنمية كوحدة الاندماج والربط(UFL) والمركز الافريقي للدراسات والبحث حول الإرهاب(CAERT). وتنضاف إلى هذه القدرات في مجال مكافحة الإرهاب، الفرص التي تقدمها منظمات الأمم المتحدة ذات الصلة كلجنة مكافحة الإرهاب(CCT) مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة(ONUDC).

5. إستراتجية إعلامية تستجيب للمتطلبات العملياتية

كما ورد في الفقرة العاشرة من الفصل السابق فإن الإستراتجية الإرهابية ترتكز على الإعلام كمحور جهد أساسي . فبالنسبة لهم كل الوسائل محمودة مادامت تبلغ الخطاب ،في حين تبقي القوات المسلحة النظامية مقيدة بواجب التحفظ بيد أن الجميع يعرف أن عهد الجيش الصامتة قد ولى اليوم، فالتصرف بطريقة فعالة في وسط لا متماثل يمتاز بسيطرة التقنيات الجديدة للاتصال و الإعلام، يستلزم تفعيل المجال الإعلامي.

لقد أصبح هذا الأمر من ثوابت الإستراتجيات العسكرية المعاصرة. لذا، فإن القوات المسلحة وقوات الأمن الموريتانية قد تبنت هذا الخيار، هادفة من ورائه إلي انخراط المواطنين في سياستها الدفاعية ضد الإرهاب و مناصرة الشركاء لها وذلك بإعلامهم حول تنظيمها و إنجازاتها. وتقوم هذه المقاربة علي إعلام وتحسيس و تأطير المهنيين، ضمن أو خارج المؤسسة العسكرية، في أوقات الأزمات كما في الأوقات العادية، وكذا مساعدة الشركاء والناشطين من أجل إنجاز منتوجات إعلامية. و لهذا الغرض أنشئت أدوات مؤسساتية متخصصة كمديرية الاتصال والعلاقات العامة التي أدت أدوارا في هذا المجال، غير أنها قابلة للتحسن من أجل مرد ودية أفضل تقوم علي تنمية أواصر الثقة و التعاون المثمر مع وسائل الإعلام الخصوصية و العالمــــــــــــــــية.

التنظيم العام للدفاع والأمن

ينبثق تنظيم وسائل الدفاع والأمن من الصفة الرئاسية للنظام الدستوري الموريتاني. وبناء على هذا فإن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة كما هو مبين في الرسم البياني التالي:

وبهذه الصفة، فإن رئيس الجمهورية يوجه مكافحة الإرهاب، مستخدما لهذا الغرض الوسائل العملياتية المكونة من قوات الدفاع (الجيش والدرك) التابعة لوزارة الدفاع وقوات الأمن (الحرس والشرطة والتجمع الخاص لأمن الطرق) التابعة لوزارة الداخلية. كما يعتمد الرئيس في هذه المهام على هيئات المساعدة في صنع القرار كالأركان الخاصة ومجلس الأمن الوطني والمديرية العامة للأمن والدراسات والتوثيق…

ويوجه الرئيس عمل الحكومة في مجال سياسة الدفاع والأمن.

وتضاف إلى هذه الوسائل العامة التي يوضحها الرسم البياني، الوحدات المتخصصة كالتجمعات الخاصة للتدخل المذكورة في الفصل السابق. كما يجب أن نشير إلى بعض الاجراءات التنظيمية الأخرى المنبثقة من مبادئ المرونة والتكيف المبينة في نفس الفصل. وتمكن هذه الإجراءات، على سبيل المثال، من تشارك وسائل القيادة والإسناد والدعم كمراكز القيادة وكتائب الإمداد ووسائل البعد الثالث.

خــــلاصـــــة

تجد موريتانيا نفسها اليوم، بسبب موقعها الجغرافي، معرضة لتحديات الإرهاب والجريمة الدولية التي تنمو في منطقة الساحل وتمس بلادنا مباشرة منذ سنوات. وتتفاقم هذه التهديدات منذ اندلاع الأزمة المالية قبل أشهر. وهي تعرف في الوقت الراهن تطورات سريعة بسبب التدخل العسكري لحلف تشكل حول فرنسا ومنظمة دول غرب افريقيا للتعاون الاقتصادي. إن اتساع هذه الوضعية لتشمل الدول المجاورة يعرض المنطقة برمتها لتحديات أمنية جمة.

ولمواجهة هذا الوضع، كانت موريتانيا قد أعدت منذ أربع سنوات استراتيجية شاملة مرنة ومتعددة الأبعاد ومازالت تتابع تطويرها وتكييفها مع كل جديد. وفي إطار هذه الاستراتيجية، يندرج ما تقوم به القوات المسلحة وقوات الأمن التي تمارس عملها مستندة إلى مفهوم عام يرتكز على قواعد دستورية وقانونية وطنية تجعل من هذه القوات اليوم محورا مركزيا لسياسة البلد العامة في مجال الدفاع. ويعبيء هذا المحور موارد هامة تبعا لمباديء عمل ولاستراتيجية وسائل تستجيب لما تفرضه مكافحة الارهاب.

ولأن المرونة هي السمة الأساسية لهذه المنظومة العسكرية، فإنها مرشحة للتطور بشكل دائم. وتمكن مرونتها من تكييفها واستخدامها تبعا لتطور السياق الجيوستراتيجي وطبقا لفروض اللحظة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى