إلغاء الدستور المصري جريمة لا تغتفر / سيدي علي بلعمش

  جاء بيان الجيش المصري (من خلال التوليفة التي ظهرت في الاجتماع)  في الصورة المصرية التقليدية التي باعت كل القضايا المصرية و العربية التي كنا نتمنى أن تكون الثورة المصرية قد كسرتها إلى الأبد..

كان الموقف مخجلا في تبرير أسبابه الأقبح من كل ذنب، في إخراجه المحرج المغازلة لأعداء الأمة التقليديين، في تذرعه بنصف كأس الاحتجاجات الشعبية دون نصفه الآخر.. ها نحن أخيرا  نعيش انتصارا أولا للجيش المصري الذي يتحدثون عنه بقدسية لا نفهم من أين يستمدها.. ها نحن نعيش لحظة عربية أصيلة يغتال فيها العسكر خيار أمة، تحول فيها القوات المسلحة فوهات بنادقها إلى الأهالي الآمنين. يأخذون على الدكتور مرسي أنه لم يفهم كيف يدير شؤون الدولة المصرية، منتقصين من تجربته و توجهه و فهمه لآليات الحكم و يبحثون عن هذه المؤهلات في جندي خان دستور بلده و عبث بمصير شعبه و جيش يحمي بؤس مصر منذ تأسيسه..!؟ إلى أين ستتجه مصر اليوم؟ هل ثمة من يطرح هذا السؤال و هو يتأمل احتمالات تفاعل الأشياء في تفاصيلها؟ لقد كان خطاب الرئيس المصري بعد إنذار الجيش، شجاعا.. كان شجاعا في اعترافه بأخطائه، كان شجاعا في اعترافه بكل مشاكل مصر العالقة ، في استعداده للحوار، في حرصه على سمعة مصر و مصالح مصر، في تفهمه لأسباب الرافضين لنهجه، في إصراره على التمسك بالشرعية، في التزامه بالحفاظ على الدستور، في تحذيره للعابثين بمصير البلد.. كان شجاعا و حازما و صارما و صادقا و كان قويا بموقفه و بتشبثه بالحق و الدستور.. مخطئ الآن من يعتقد أن صفحة مرسي انطوت إلى غير رجعة و أن المواسم السياحية و سياسة بيع القضايا العربية ستحل مشاكل مصر .. الآن يتحول الجيش المصري الذي حمى كل قوى البغي و الطغيان من فرعون إلى حسني مبارك ، إلى بطل قومي، بإسقاط نظام مدني منتخب لم يكمل بعد عامه الأول و يطلبون منا أن نصفق لعمله البطولي؟ كل أخطاء مرسي غفرها استعداده للحوار و لكل الحلول الممكنة و كل مبررات الجيش أسقطتها جريمته النكراء و تعاطيه المهين مع أزمة بلده الراجعة إلى ألف عام من الأخطاء لا إلى عام من الحلول الناقصة..! ما أكثر المصفقين لتدمير الأمة العربية و الإسلامية، إذا كان هذا معياركم الأوحد .. ما أكثر المعادين لكلمة إسلام حتى لو تمثلت في نقش على سقف كهف ممتلئ بالأتربة.. لقد كانت لدى مرسي إرادة حقيقية لعمل أشياء كثيرة، كان من الوارد أن نختلف معه في طريقة عملها أو مستوى الأداء أو حتى في ترتيب أولوياته أو تقييم مجهوده، لكنها لا يمكن أن تقارن بما كان و سترون بأم أعينكم أنها ما كان لتقارن بما سوف لن يكون.. لقد حكم الجيش على مصر ببؤس لن تعرف كيف تخرج منه و لم يعد أمام مصر من حل غير الفوضى أو الفوضى.. هل اعتقال القيادات الإسلامية و نهب مقراتها و إغلاق محطاتها و مواقعها و حجب جرائدها و محاصرة متظاهريها في الميادين المصرية هو المشهد الديمقراطي الذي قامت الثورة من أجله؟ .. هل هو المشهد الديمقراطي الراقي الذي ترضى عنه الثورة المصرية الأسطورية؟.. هل ظهور العمائم القبطية المزركشة و النياشين العسكرية التي لم تكسب حربا في تاريخها هو المشهد المتحضر الذي سيمحو عار اللحى الإسلامية المربوط بالتخلف و الإرهاب؟ لقد وصلتنا رسالة الجيش المصري و البرادعي و عمرو موسى و الكنيسة القبطية و كانت منسجمة تماما مع تاريخهم و رؤاهم و تطلعاتهم تماما كما عرفناهم .. نعم أوباما “ليست الديمقراطية هي صناديق الاقتراع فقط”، تلك هي البراغماتية الأمريكية كما عرفناها .. لكن المؤسف هو أن تكون الديمقراطية حملة التنصير فقط .. أن تكون العمالة فقط.. أن تكون تخريب مصر فقط .. نحن في انتظار تفسير البرادعي و عمرو موسى و الجيش و الكنيسة القبطية لمعنى الديمقراطية .. لدلالتها على الأرض .. لانعكاسها على التنمية..   سنحكم حتما على الإسلاميين بالفشل الذريع  إذا اعتبرنا أن التاريخ هو ما كان فقط، لكننا سنحكم عليهم حتما بالعبقرية الخالدة إذا فهمنا من خلال ما سيحدث في مصر، أنهم فقط كانوا يمنعون حدوثه.. لقد فهمنا الآن أن الثورة الإسلامية في مصر هي من أنهت أكثر من قرن من تحكم الجيش و أن ثورة البرادعي هي من أعادته إلى سدة الحكم و أن قولنا إن الإسلاميين سرقوا ثورة الشعب المصري لم يكن دقيقا و أن العكس هو ما يحدث الآن بالضبط. و يمكن أن تتبنى مشروع الإسلاميين أو تخالفه لكنه من غير المقبول أن تخالفه بما تدعي أنها أخطاؤهم بالضبط. و يمكن مثل المثقفين الليبيراليين، أن تنعت الإسلاميين بخونة الرسالة و الأمة لكن لا تحاول مثلهم أن تقنعنا بإسلام الكنيسة القبطية و نضال البرادعي و عمرو موسى .. و ماذا لو ترشح الإسلاميون في الانتخابات المصرية القادمة و نجحوا؟ هل سيحدث ما حصل في الجزائر و أخرها 100 عام عن الركب رغم اقتصادها العملاق ؟ أو سيتكرر ما حصل في مصر اليوم لتعود مصر حتما إلى مربع الصومال؟ ثم ماذا سيقدم الجيش لمصر، لو رفض الإسلاميون الآن الرضوخ لقراره الجائر؟ و هو ما يبحث عنه بكل تأكيد للعودة إلى سدة الحكم : فلم يقم الجيش فقط بإلغاء دستور دون مسوق قانوني بل يقوم بالتحرش بالاسلاميين و اعتقالهم و استفزازهم لجرهم إلى المواجهة؟؟ إن ما يحدث في مصر اليوم تتجاوز خطورته كل ما يمكن أن نتصوره، و على الجيش أن يتحمل مسؤولياته إذا لم يكن يريد تخريب مصر : و ليس هناك حل غير إعادة الشرعية إلى مرسي و البحث عن حلول من داخل هذه الشرعية و من وحي خطابه الذي كان راقيا و متمدنا و ديمقراطيا عكس همجية الجيش و استسهاله لإلغاء الدستور و العبث بمصير مصر.   لم يكن ما حصل أفضل ما كان يمكن يفعله الجيش .. و يمكن لهذه القراءات العاطفية للمشهد المصري أن تتجاهل صمت الحركة الإسلامية لكنها لن تستطيع العبور على أجسادهم في أي اتجاه ؛ فتذكروا جيدا 80 سنة من الصمود في وجه أعتى قوى كونية ..!؟ لقد كان إلقاء الجيش المصري للدستور عملا سهلا و عليه اليوم أن يعرف كيف يرد الحياة الدستورية لمصر. إن إلغاء الدستور المصري جريمة لا تغتفر ما زال يمكن تداركها و على جميع المثقفين و السياسيين العرب أن يطالبوا بها الجيش المصري إذا كانوا يحبون مصر أو يهتمون بمستقبلها و وجودها كدولة عربية فاعلة. الجيوش لا يمكن أن تكون حلا ديمقراطيا و حل الدساتير لا يمكن أن يكون إلا إيذانا للفوضى. و علينا أن نعرف كيف نحافظ على منطقنا و مواقفنا مع من نختلف معه لا مع من نتبنى مشروعه. إن ما يحدث في مصر يفسر مشاكلنا جميعا و تناقضاتنا و عاطفيتنا و مزاجيتنا و سطحية إيماننا بكل شيء و سهولة انجرارنا وراء عواطفنا و انقيادنا الأعمى لسطوة الإعلام الغربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى