هل تظل الشعوب العربية محكومة بالقوة؟ / الولي ولد سيدي هيبه

altأهو القدر يلهو بالشعوب العربية المعاصرة و يحكم عليها بالبقاء تحت سلطة العسكر على اختلاف الأثواب أو الأقنعة التي يتقمصها و هي راضية تعيد للتاريخ سيرته الأولى، كلما انحرف قليلا تحت وطأة الثورة الملتهبة في أرجاء المعمورة و بعدما رمتها صروف الدهر الدوار في أحضان الديمقراطية فوقعت تحت حكم مدني جاء على مضض بفعل الاحتكام إلى صناديق الاقتراع !؟…

·       أم هي الشعوب العربية التي لم تغير ما بنفسها حتى يغير الله ما بها، إذ ما زالت تغط في سبات ليل الاديولوجيات البائدة و ظلامية التيارات الدينية المتطرفة وغلو التكفيرية التي لم تحسن بعد قراءة كنه رسالة الإسلام الخالدة و الصالحة لكل زمان و مكان؟   ·       أو ليست الحقيقة التي لا مراء فيها تكمن في أن كل الكيانات العربية واقعة مطلقا، إما تحت نير قبعات جيوشها المرصعة بكل نجوم الاستعلاء و مسدساتها الرابضة على مكتب “حكامة” البلدان الأول و هي المحشوة أبدا لتطلق الرصاص عن كثب عندما تسيء الانقياد و تحيد عن الطاعة ؟ أو هي – و ذا الوجه الآخر-  محكومة بقبضة من حديد تحت مسميات و صفات باتت من حكم الماضي كالملكية اللادستورية و السلطنة المغمورة و الإمارة المستعلية، تبني الجيوش على هواها و مقاس طموحاتها، تثبت بها سطوتها و تضمن ديمومتها بالتقاسم مع قادتها و ضباطها خيرات الشعب و رقابه؟   ·       هل أن ما تضج به تونس من توتر و غليان الشعب و امتعاض كل التيارات السياسية، العقدية منها و العقائدية و المجتمع المدني بكل لون طيفه، جراء الوضع الذي خلفته الثورة المرتجلة لا يعد كونه تحريض بالكاد يخفى على مبصر و متبصر للرجوع إلى مربع حكم العسكر أو الديكتاروية ذات القناع المدني؟   ·       و هل يختلف الأمر في ليبيا التي ما زالت فيها الميليشيات المسلحة تحن إلى بسط سلطتها و تقتسم بذلك على أرض الواقع مناطق النفوذ في كل شيء حتى في صالات مطار طرابلس الدولي و في الموانئ البحرية على طول الساحل المتوسطي؟   ·       من يحكم اليوم في سوريا و من سيحكم بعد الدمار الذي تسير إليه حثيثا؟ و إن نجح المسلحون المعارضون للنظام القائم في مسعاهم الذي يؤيدهم فيه الغرب و بعض الدول العربية و مصر “محمد مرسي” الذي دعا  إلى تسليحهم. فهل يترك هؤلاء سلاحهم و يحكمون بغير منطقه؟   لقد بات واجبا على العرب، في ظل وضعيتهم الشاذة، أن يسرقوا من الحاضر الذي يفرض عليهم نفسه بقوته العاتية – و هم عنه متدثرون هربا بالماضي الراكد – لحظة و لو خاطفة، حتى يعوا حالهم المقلق ثم يقرروا بعد أن يحسنوا التريث لوضع الأمور في نصابها و ليعلنوا العصيان على عقليتهم المقيدة وصولا إلى أن لا يتركوا الحبل على الغارب لجيوشهم التي لم تضطلع يوما بواجبها في تحرير القدس أو سيناء أو الجولان أو مياههم الاقليمية من القرصنة الدولية و الضور الأساطيل الغير مرخص أو نهب خيرات سطحه و أعماقه، و هي عنه مشغولة عن كل ذلك بجلد ظهور شعوبها و مقاسمة سياسييها، المنشغلين بأنفسهم دون ما سواهم، مشاغل الحكم و عوائده المادية على حساب التربية و الصحة و غيرهما مما يدخل بعد ذلك في تحقيق ضمان الاستقلالية و رفاه الشعب.   من هنا فإن ما حصل يوم الأربعاء الثالث يوليو في مصر يدعى انقلابا عسكريا على حكم مدني – دون التفصيل السلبي في من تولى الأمر و ما هو لون عقيدته السياسية أفرادا كانوا أم أطيافا -. فتدخل الجيش خلال ثمانية و أرعين ساعة من خروج الناس للتظاهر ضد ومع الرئيس الشرعي محمد مرسي، لحسم كفة الخلاف لصالح طرف أو لآخر، والإعلان عن إزاحة الرئيس الشرعي، وتعليق العمل بالدستور، وإغلاق قنوات وصحف الحزب الحاكم، وشن حملة اعتقالات واسعة في صفوف جماعة الإخوان المسلمين، ومحاصرة المحتجين المناصرين للرئيس المطاح به وقطع بث جميع وسائل الإعلام التي كانت تنقل احتجاجهم واحتجاز صحفييها، كلها إجراءات لا تحصل إلا في الانقلابات المدبرة عن ترصد و سبق إصرار وبتخطيط لها دقيق و متقن.   و لو كانت حقا الشعوب العربية على المستوى المناسب من الوعي بوزنها و حقوقها و بقبولها الاختلاف و ضرورة التكامل، لأدركت أن التدخل العسكري لإزاحة أي نظام ديمقراطي هو شيء مرفوض، ولا يجوز تحت أية ذريعة و لكانت هذه الشعوب بهذا المنطق مهابة في قرار اختيار أغلبيتها و متابعتها، و صبرها على معارضتها في إطار التوازن الذي تمليه متطلبات دولة النظام و القانون و العدل و احترام الثوابث الوطنية و القومية و الإنسانية.   و يبقى السؤال “الغصة” متى تنتفض الشعوب العربية عن “وعي” يملى احترام النظام و “صبر” تتحقق على إثره الأهداف كما تحلى بهما الشعب الهندي فدحر سلما المستعمر البريطاني و جيوشه العاتية و أسس لبقاء القيادات الأصلح فوضعت البلاد، بما كان يناهز يومها الست مائة مليون من البشر المختلف الأعراق و اللغات و المعتقدات و الطبقات، على سكة الديمقراطية؛ ديمقراطية يعرف فيها الجيش مكانته المحفوظة و يضطلع بدوره السامي بعيدا عن السياسة التي يشترك فيها كل الشعب و تتنافس فيها البرامج الإصلاحية التي ترفع شأن الدولة و تحفظ للشعب كرامته و تحمي حقوقه و تصون مميزاته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى