أبو العباس ابراهام: لقد اخترتُ ديني قناعةً لا نفاقاً

الزمان أنفو – لم أحفَل كثيراً في الأسبوع الماضي بالردّ على التكفير الذي وُجّه لي ليس بسبب عدم الاعتناء بأقوال الناس. وإنّما لأنّني نظرتُ في سواد من ساقه فوجدتُهم فكرياً من طبيعة الأحداث، لا من طبيعة الراشدين. ثمّ إنّني وجدت أن من يمكن أن يُنسَب لهم قولٌ مفيد في المسألة من العلماء وأهل النظر إمّا رفضوا غثاء العوام (على العام والخاص)، أو قد ابتعدوا عن بالوعة التكفير جملةً، رغم ضغط الدهماء. (ثمّ إنّ شهادتهم قد كُتِمت أو صُهصِهت). وبقيت المسألة، باستثناءات تُحترَم، في أيدي الأغرار والغلاّة والموقى. وقد نسَب لي أغلب هؤلاء بدعاً في الذات العليّة أو في المقام النبوي. وطبعاً ليس لي هذا بقولٍ أصلاً. بل على العكس أقوالي نقيضة له.

فيما يخصّ الذات العلية، موقِفي هو التنزيه والتسبيح المطلَق. أنا أؤوِّل المتشابِه وأثبِتُ إلهاً متعالياً، ليس كمثله شيء، ولا يحدّه مكان أو زمان. لا أقول بالمماسة أو بالجسد أو الحيّز أو الجهة أو الظلّ. بل أقول بالعلو، بل والتعالي، المطلق. مذهبي هو مذهب جمهور المسلمين عبر الأزمان، وذلك نقضاً للتجسيدية والكراميّة. ولكنّني لستُ طائفياً. كلّ أهل الملّة شركائي.

فيما يخصّ الأحاديث، لستُ ممن ينكرونها بالمجمل. صحيح أنّ هنالك حركة ناشئة تتخاصم مع الأحاديث، ولكنها ليست فريقي الفكري. بل أرى أنّ الأحاديث جزءٌ لا يتجزّأ من الخطاب الإسلامي. صحيحٌ أنّني لا أرى عدم الإيمان بحديث معيّن مخرِجاً من الملّة؛ فالمحدّثون أنفسَهم أنكروا على بعضِهم (وهذه المسائل يتداخل فيها الظنّي بالقطعي والمتواتر بالثابت). ولكن الإسلام أوسَع عموماً من أي يخرّج منه أحدٌ في هذه المسائل. والواقِع أنّه لا يوجد موقِف إسلامي معاصِر لا يختصِم مع جانب أو تأويل تراثي معيّن.

فيما يخصّ الإسلام، لقد اخترتُ ديني قناعةً لا نفاقاً، وعقلنةً لا مجرّد وراثَة. أعتقِد أنّ الاحتشادات الغوغائيّة تضرّ الإسلام بدل أن تنصره. لأنّها تفرض فيه قداسات مستحدَثة، وبالتالي تمنعه من انفتاحِه التاريخي. كمؤرِّخ، أنا أحنّ إلى الغناء الثقافي والثقة الحضارية التي تمتّع بها الإسلام. وأعتقِدُ أنّ ما أرِّخَ له في مجالات أخرى بإغلاقات العقل قد بدأ للأسف يعتمِل في حضارتنا. وأعتقِد أنّ الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها إعادة الروح لثقافتنا الدِّينية هو تعلّم تواريخنا الفكرية وتعدّداتنا التأويليّة، بدل القلق والخوف الفكري والتكفير الأهوج.

أقول قولي هذا وأستغفِر الله لي ولكم.

ولي عودة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى