وقفة تصوف مع “لقاء الشعب” / سيدي علي بلعمش

  إذا أردت أن تورط طماعا، اربطه ببخيل كذاب يملك حاجته. هذا ما شاهدناه في زيارة ولايتنا الأولى في أبشع تجلياته مع الأسف. مصيبة كبيرة أن يلتقي أشعب بمادر من دون أن يعرف أي منهما الآخر.. فهل يسمح لنا أهالينا في ولاية الحوض الشرقي أن نخبرهم عن من كان في ضيافتهم في الأسبوع الماضي؟

يقال إن أهلنا في الحوض استقبلوا هيدالة (أيام رئاسته)، “مصفقين” و مهللين “يعيش الرعيص المختار ولد داداه” . و لم يكن هذا الهتاف تعبيرا عن حبهم لولد داداه و لا رفضهم لولد هيدالة، إنها حالة غامضة من الولاء الأعمى “للرعيص” لا تختلف فيها نخبة المنطقة عن عاميتها إلا في تفاصيل جزئية مثل معرفة اسمه و اسم حزبه. و قيل …. “أنهم” أخبروا شيخا من المنطقة عن انقلاب 2005، فسألهم بتحسر : “و من صار معاوية”!؟
على أهلنا في الحوضين و العصابة أن يفهموا أن المختار ولد داداه (رحمه الله) لم يعد رئيس البلاد و  أن “الرعيص” الذي كان في ضيافتهم في الأسبوع الماضي هو من أصبح ولد الطائع في إجرامه و عمالته و كذبه و هو رئيس عصابة مثله، لا رئيس موريتانيا؛ فبسبب أصواتكم المأجورة و ولاء “نخبكم” الأعمى للمخزن حكمنا الفرنسي ديغول  و السنغالي ولد يحيى انجاي و مرشح فرنسا ولد داداه و عميلها ولد الطائع و مبتكر عمولتها ولد عبد العزيز .. عليكم أن تفهموا أن الزمن تغير و أن ديغول مات و جمال عبد الناصر مات و أن انتخابات “وي و نون” انتهت و أن غابريل سين بيير و الشيخ العافية و حماده ولد الدرويش لم يعد أي منهم “يسقي من ماء” و أن شيخنا حماه الله لن يعود .. عليكم أن تفهموا أن “الرعيص” الذي كان في ضيافتهم، لا يملك “صطلة” سيدي محمود و لا جدول سيدي عبد الله و لا فرس ولد اعمر ولد اعلي  و لا تيدنيت “انوفل”. كان عليكم أن تتريثوا على الأقل حتى تعرفوا إلى من تحملون طبولهم.. إلى من تقودون جحافلكم .. إلى من تصطفون على امتداد عدة كيلومترات كبقايا كارثة  طبيعية لتستقبلوه بـزهور (الشر) و الزغاريد   …. لا أريد أن أتكلم عن الاستقبال الشعبي الكبير الذي حظي به ولد عبد العزيز لأنه لم يكن من أجل عيونه على الإطلاق بل هو عرض عضلات و نوع ذكي من استعراض القوة و تعبير واضح عن تحكم الوجهاء و المتنفذين في رقاب الناس؛ إذا قبل ولد عبد العزيز أن يكون في قبضتهم وجهوهم لاستقباله و التصويت له (لاحقا) و إذا لم يقبل أهدوهم لغيره و قبضوا الثمن. و يأتي هذا الاستقبال “الأصيل” في تاريخ الولاية بعد ازدراء ولد عبد العزيز بأصحاب النفوذ التقليديين بما يعطي هذا الاستقبال معنى رسالة التحذير أكثر من أي معنى آخر. هذا لمن يتمعن في كيمياء المشهد. و ستثبت الانتخابات القادمة (إذا كان لها أن تكون) صحة هذا الكلام لأن الباب الذي يدقونه لا يفضي إلا إلى جبل أكاذيب ولد عبد العزيز الشامخ الذي خبروه جميعا و لم يصدقوا بعد..!؟ إن ما أتكلم عنه هو غياب أي نوع من الاحتجاج على هذه الزيارة الموغلة في الغباء السياسي بسبب تضارب خطابها مع توقيتها و المتحدية و المثيرة لشعور سكان الولاية: ـ في النعمة تموت بلسعة عقرب أو ضربة شمس، من دون أن تجد طبيبا يعالجك أو وسيلة نقل توصلك إلى جهة تنقذك .. ـ في النعمة تعيش الناس حياة بدائية بوسائل بدائية و عقليات بدائية، تتجلى في كل شيء : المظهر و الكلام و التصرفات.. ـ في النعمة تغيب كل المظاهر الإيجابية للدولة : لا معاهد، لا مؤسسات، لا ورشات، لا مدرسة عسكرية، لا مشاريع تنموية.. في النعمة يتلخص دور الدولة في فرض الجبايات و حماية الفساد (الرشوة، الوساطة، سطوة النافذين، التفاوت الطبقي…) ـ في النعمة، يعترف رأس حية النظام بعد غروب مأموريته المشئومة، بتهميش الولاية فيصفق الوزير الأول و شيوخ القبائل و الأعيان و الرعاع، كأن النظام في السنغال أو في نيكاراغوا هو المسؤول عن ذلك..! أنتم نموذج حقيقي للغبي المغرر به .. أنتم ظاهرة شعبوية تحتاج خبراء في علم النفس و علم الاجتماع لفك طلاسمها .. أنتم عقدة هذا الوطن .. أنتم مصيبته المفجعة و ورطته المخجلة..  فإلى متى هذا الاستهتار؟ إلى متى هذا الانحطاط؟ إلى متى هذا الغباء الجماعي المؤلم.. إلى متى هذه الاستباحة المذلة، المهينة.. تذكروا يا أهلنا، أن هذا العربيد المتغطرس، لا يأتيكم في زيارة عادية ؛ فلأنكم أغبياء (تماما مثل بقية شعبنا في كل مكان آخر)، لأنكم سذج، لأن عصابة من المرتزقة تستغلكم لتغدق عليها الأحكام بالعطاء و الوظائف، جاءكم ولد عبد العزيز اليوم، بعد نهاية سنته الرابعة ليطلق حملته القادمة من دياركم و لن يعود إليكم إلا بعد انتهاء السنة الرابعة من مأموريته الثانية ليقول لكم إن ولايتكم الجميلة ذات الأهمية الاقتصادية الكبيرة و الكثافة السكانية “التي يسيل لها لعاب كل سياسي و تزعج كل مزور”، مهمشة و منسية .. فماذا تستحقون في الحقيقة غير التهميش و الإذلال، إذا كنتم تصفقون له على ما يقوله؟ ليس في جعبة ولد عبد العزيز يا من أعماهم الطمع، سوى ما عرفتم جميعا : الوعود الكاذبة و الأكاذيب الواعدة.. الأرقام الفلكية و الدراسات المنجزة و التمويلات الجاهزة و لا طحين لكل هذه الجعجعة المزعجة: الشعب يتضور جوعا و الجهل و التخلف أنشبا أظافرهما في مقاتل البلد حتى حكمه ولد عبد العزيز و محسن ولد الحاج و أمربيه ربو .. و الظلم و القهر سادا حتى أصبح ولد عبد العزيز الرئيس الأعلى للقضاء : و أنتم تصفقون و تذرعون في كيل المدائح لمن لا تعرفون من أين يأتي و لا بماذا يأتي و لا لصالح من يعمل!؟؟ هل ثمة احتقار و استخفاف بالعقول أكثر من أن يأتيكم اليوم رئيس هذه العصابة التي تعيث فسادا في بلدنا، في نهاية مأموريته ليعدكم بتحويل مدينتكم البائسة إلى عاصمة مزدهرة تنعم بما تحتاج من خدمات عصرية ؟ لم يكن لقاء الشعب في النعمة سوى حلقة سخيفة من حلقات تمثيل بنه و بط مكعور، بلا عمق و لا نص و لا فكرة و لا بروفات : لقاءات الزيارة خصصت للقادمين من نواكشوط و الاستقبال الشعبي المنقطع النظير محسوب في كفات “الوجهاء” و “الأعيان” و “المسؤولين” و الأسئلة للصحافة (مع التحفظ و حفظ الألقاب) و المدسوسين في الصفوف من قبل اللاعبين خلف الكواليس و الشمس و الغبار و الإذلال هو نصيب الشعب من “لقاء الشعب”!؟ و لا شك أنه فات على ولد عبد العزيز أن يأتي بامربيه ربو معه و يفرض على سكان النعمة قطع تذاكر لدخول حشود مستقبليه..! وحدها وزارة الإعلام لم توفق في إيهام الناس بديمقراطية اختيارها و لم تضف أي لمسة ذكية على اللقاء، فكانت موضع استدراك ولد عبد العزيز بأن اللقاء لم يكن مع الشعب في أي وجه من أوجهه؛ لكن أسبابها كانت وجيهة (للأمانة)؛ لأنها عكسنا، تفهم أن ديمقراطية ولد عبد العزيز كذبة كبيرة و تفهم أن سؤالا واحدا غير مبرمج أو أي تدخل غير موفق من مواطن مفوه، يكفي لإقالة كل حكومة ولد عبد العزيز. و قد حاول الصحفيون (مع التحفظ الشديد و حفظ الألقاب)  الذين تم انتقاؤهم، على معايير سرية ـ و على من ينفي سريتها أن يفيدنا بها ـ (بل أقول سرية هنا تفاديا للتشريح الذي يعتبره الكثيرون في بلدنا تجريحا)، أن يظهروا نوعا من الجسارة و البراعة و حتى البراءة ( و لا أنفي قدراتهم في المجال) لكنهم لم يوفقوا، لأن التزامهم أمام وزارة الهابا و محاولتهم إقناعنا بالعكس في ذات الوقت، حولهم إلى ممثلين حقيقيين (مع التحفظ و حفظ الألقاب) و أفقد الحفل البهيج عامل المباغتة، فكانت حلقة معادة بامتياز بأسئلتها المتذاكية و أجوبتها السخيفة. و في رأيي الخاص (و المتطرف عادة)، أن الإعلام في موريتانيا لن يتوفق في أي شيء (لا وزارته و لا حره و لا معبده) ما دامت “الهابا” و البشمركة بين صفوفه (و “الهابا” بالمناسبة هي البشمركة الرسمية، فهي تشبهها في التعرض و التطفل على الحقل و الجهل بأموره و هي توأمها الحامل لكل صفاتها الوراثية في الخوف و الطمع و التمصلح و الارتزاق)..
لقد غابت الصحافة للمرة الرابعة على التوالي عن “لقاء الشعب” بما يكفي لاعتباره موقفا واضحا من هذه المسرحية السخيفة لكن أجهزة النظام تغطي على هذه الحقيقة بفيلق المتطفلين من أدعياء الصحافة المرافق لأي جوقة تعزف بأي مناسبة حتى لو كانت جنائزية. و هذه الصورة لا تخص الصحافة دون غيرها بل هي فلسفة النظام في كل شيء؛ فقد استبدل الجيش ببازيب و الشرطة بوحدة أمن الطرق (و هي خنث مشكل، لا هي جيش و لا شرطة و لا درك و لا حرس) و استبدل رجال الأعمال (الفاسدة) بـ”التيفايه” و استبدل سجناء المخدرات بالسلفيين و وزارة الداخلية بالحالة المدنية و وزارة الإعلام بالهابا ويعلن الآن الدخول في الانتخابات بمعارضة بديلة و إجماع وطني بديل و خارطة وفاق بديلة: لقد أصبح لكل مجال “بشمرغته” المحترفة  و لكل موجود سمي و مدعي و منتظر .. لهذا، لن نكون واقعيين و لا منصفين (في فهمهم على الأقل) إذا طلبنا من هذه المرتزقة المحترفة (الوجهاء و الشيوخ و الأعيان) أن تدمر مصالحها لصالح الوطن، لكننا نسألهم لماذا لا تحاولوا أن تكونوا عصابة محترمة تفكر في طرق تجمع بين مصالحها و مصالح الوطن؟ فيوما بعد يوم يثبت شعبنا أنه لا يستحق غير من يحتقره و يهينه و يتلاعب بمصالحه و عقوله .. و يثبت “أعياننا” و “وجهاؤنا” و “شيوخ قبائلنا” و “مثقفونا” و “علماؤنا” الأجلاء و فنانونا أنهم ليسوا سوى أبواق نفخ رخيصة تتبادلها المافيات المتصارعة على الحكم و تستغلها لإذلالنا و تدمير بلدنا و تحييد عقولنا.. يقول المتكلمون إن من أصعب ما في الوجود “شرح البديهيات”. ماذا نستطيع أن نقول لكم أكثر مما ترونه ؟ : اذهبوا إلى المستشفيات إذا أردتم أن تلقوا نظرة أخيرة على موريتانيا.. ادخلوا الكبات (و الوقت الآن مناسب ـ في هذه الأمطار الجميلة ـ لتروها في أبهى حللها) لتفهموا أن رئيسكم الذي أمضى ساعتين يتكلم عن الأرقام الفلكية و المشاريع النموذجية و مؤشرات النمو المبهرة، لم يكن قطعا يتكلم عن موريتانيا ..  ادخلوا جامعة البلد الوحيدة و دردشوا قليلا مع طلابها و أساتذتها لتفهموا أن موريتانيا دخلت نفقا مظلما لا مخرج منه. و إذا استطعتم أن تفهموا (إلا من خلال العمر)  من الأستاذ و من الطالب من بينهم لا تقرؤوا بقية هذا المقال.. ادخلوا زحمة الطريق إذا أرتم أن تعرفوا حقيقة مستوى العقول التي تسيركم .. و في الوقت الذي نجد فيه أنفسنا عاجزين عن توضيح قليل مما يحدث في هذا البلد، يتهمنا الجميع بالشطط و المبالغة و إطلاق العنان لخيال مريض يتلذذ بالإساءة إلى بناة الوطن و عباقرته الخالدين!!؟ هكذا نكتشف اليوم أن بينما تحاول الحقيقة أن تنهض على أرضنا، كانت الأكاذيب قد قامت بعدة دورات من حولنا .. و أن علينا الآن أن نقف وقفة تأمل حقيقية، لا أن نمشي على غير هدى كما تفعل المعارضة .. أن نتساءل ما معنى انتمائنا إلى هذه الأرض و ما معنى معناه؟ ماذا نستطيع أن نقوله لكم عن ولد عبد العزيز أكثر مما قاله هو أصالة عن نفسه و نيابة عن حكومته التي يضحك رئيس وزرائها من أعماقه أمام الكاميرات كلما ابتسم ولد عبد العزيز و يقطب كما لو كانت كل هموم الدنيا حملت على كاهله، كلما أبدى ولد عبد العزيز أبسط علامات الاستياء؟ هذه الشخصيات المهزوزة، هذه المومياءات المقموعة، هذه “الباكوتي” الرخيصة هي التي يحيد ولد عبد العزيز كل خبراء البلد ليصنع منهم موظفي بلاط لا يعصون أمرا و لا يتجرؤون على تقديم مقترح و يصفقون حتى من دون أن يسمعوا، لكل ما يقوله : لا يستطيع وزير موريتاني اليوم (غير سيدي ولد اتاه و بهاي ولد غدة و المغفور لها وزيرة الثقافة السابقة) أن يستفسر عن ميزانية وزارته أو يستبدل سكرتيرته بأخرى أو يسأل مسؤول الربط مع ولد عبد العزيز، في وزارته عن غير صحته و صحة أبنائه..! إن حديث المعارضة الموريتانية عن دكتاتورية ولد عبد العزيز و أجندته الأحادية (و…و …و ) هي التي تضلل الناس : الدكتاتوريات تقال لعظماء زعماء العالم : لينين ، ستالين، ديغول، صدام حسين، هواري بومدين) أما نعت بوكاسا و ولد عبد العزيز و محسن ولد الحاج و أيدي آمين “داداه” و معاوية ولد الطائع و فاطمة بنت سيد أحمد و ولد الغزواني، بالدكتاتوريين فهو إسفاف و إسهام مقرف في تشويه التاريخ : هذه ظواهر طفيلية تنم أكثر عن مستوى انحراف المجتمعات و فساد “النخب” و انحطاط الأخلاق و غياب أي مفهوم للحكم.. هذه عصابة حقيرة تتقمص دور سلطة بدائية لتستبيح شعبا عاقا لدينه و أرضه و عرضه، عجل الله عقابه بسبب نفاقه و كذبه و مكره و كفره بكل شيء.. هذه سيئة تجسدت .. هذه مرتزقة سخيفة بلا أخلاق و لا ذمم و لا عهود .. هذا شعب بائس، تنازل عن دينه و كرامته و قيمه لصالح بطونه فأنزله الله الدرك الأسفل من بؤسه و مذلته.. ماذا يخفي ولد عبد العزيز من احتقاره لكم ؟ ـ إذا تكلم عن الشعب وصفه بالغبي و الجاهل (أفي عقلك غير تلك المساحة الرمادية لترى من خلالها غير الرماد؟) .. ـ إذا تكلم عن المعارضة غمز و لمز و تحرش و تهكم بالصريح ( و في هذه وحدها أؤيده إلى حد نسيان كل مساوئه) ـ إذا تكلم عن نقيب المحامين، انتقصه و ازدراه و شكك في صلاحياته و في أهمية ما يقوله (ما أمضاه ولد بوحبيني في الدراسة يا ولد عبد العزيز أكثر مما أمضيته أنت في التسكع و جمع الحطب لحمامات لكصر و ازدراؤك قوله، لا يعني سوى أنه كان من الخطأ أصلا أن تسأل عن رأيك في ما كان له رأي فيه) ـ كان ولد عبد العزيز يرفض أن يصدق أي حقيقة تتعلق بنظامه و يريدنا أن نصدق كل ما يقوله؟ ..
و واضح أن ولد عبد العزيز لديه مشكلة كبيرة في فهم أبسط معاني الدولة : “لا حل لارتفاع الأسعار غير زيادة الرواتب” (كأن الأربعين ألف عامل أهم من الأربع ملايين مواطن) .. ربع المواشي الموريتانية يموت سنويا من الجفاف لكن “لأنه منتوج محلي” يجب أن يبقى غاليا في وجه ارتفاع الأسعار الدولية”؟ و لا أدري ـ انطلاقا من هذه النظرية ـ بماذا يفسر ولد عبد العزيز أن السمك الموريتاني يباع في الأسواق السنغالية بأسعار أقل من السوق المحلي؟؟ .. أما أجوبته عن “النقل العمومي” و “ارتفاع أسعار المحروقات” و “حساباته الدقيقة لأسعار أوراق الحالة المدنية” فكانت تعبيرا واضحا عن اعتباره الدولة دكانا لولد عبد العزيز على أوتوروت دولي يبيع خدماته لمارة لا تملك سوى حق أن تشتري البضاعة أو لا تشتريها؟ ـ كان ولد عبد العزيز جريئا و واثقا من نفسه في هذا اللقاء نتيجة إيمانه الكامل بأنه يستطيع تأكيد أي شيء أو نفي أي آخر بالكذب دون أيما إحراج، و كانت سذاجته تضفي نوعا من المصداقية على حديثه فتحول “براءته” (أعني سخافته) إلى براعة في التمثيل : كان يكذب في إيحاءاته ، في تلميحاته، في تفسيراته، في الأرقام، في الوقائع : حادث إطلاق النار عليه،  قصة “مامير”، التسجيلات المخجلة، إصلاح العدالة، “جهله” بقصة أحد السجناء رغم أن أهله يتظاهرون أمام القصر منذ مدة و يدعي في نفس الوقت إلمامه بكل ما يحدث في البلد حين يتعلق الأمر بما يمكن أن يدر دخلا على خزينته مثل “أسعار” جوازات السفر.. و بطاقة التعريف و تذاكر الباصات ..!؟ أريدكم فقط يا سكان ولاياتنا الداخلية، قبل أن تهللوا و تصفقوا و تجلسوا ساعات و أيام في الشمس إمعانا في إذلالكم و احتقاركم، أن تعرفوا على الأقل من هذا الشخص الذي تستقبلونه: ـ تذكروا أن العقيد أعلي ولد محمد فال هو من انتشل ولد عبد العزيز من حياة البؤس في اللوغة و جعله ضابطا محترما في الجيش و اقترحه على معاوية لتولي قيادة كتيبة بازيب و الأركان الخاصة.. و حين فكر في أخذ الحكم بعد انهيار نظام ولد الطائع و كان يعرف أن قادة الولايات العسكرية و كبار الضباط لن يقبلوا انقلابا يقوده ولد عبد العزيز و ولد الغزواني، لجأ إلى اعلي ولد محمد فال فوفر له أبهة التغطية المطلوبة حتى صار ما صار. و كانت النتيجة أن غدر به و عاداه .. ـ تذكروا أن ولد عبد العزيز ، حين قام بانقلابه في ردة فعل غبية، من دون أن يكون مهيئا لدخول مكتب مدني بالحد الأدنى من اللباقة و التحضر و أصبح يركض بين باب القصر و باب “بازيب” و يترجى سيدي ولد الشيخ الله عبد للعودة عن قراره ليعودوا في قرار الانقلاب، من دون أن يفهم من أين يبدأ و لا كيف يفعل، دخل عليه راسبوتين  و قال له “مالك مرتبك ضع “ذ زامل الطلبة في الأغلال” و احزم أمرك؛ فأبعده و همشه و أفشى سره لك من يريد التشفي فيه . و قد كان “راسبوتين” هذا هو من رتب له لقاء مع ملك المغرب قبل ذلك بفترة وجيزة لإعداده للعب هذا الدور الذي لم يخلق له .. ـ تذكروا أن ولد عبد العزيز حين قام بانقلابه، نزلت المعارضة إلى الشارع بكل ثقلها و جمد الاتحاد الإفريقي عضوية موريتانيا و أوقفت الدول الغربية مساعداتها و نددت به كل الهيئات الدولية، فنزل ولد بو عماتو إلى ساحة المعركة و أقنع الجميع بالوقوف مع انقلابه الغبي، من المغرب إلى السنغال إلى فرنسا و صرف حوالي 7 مليارات أوقية على حملته، فمكر به و طرده من البلد بعد التربع على العرش..
ـ تذكروا أنه فعلها لولد الداده، و ولد محم الذي يحاول الآن أن يفهمنا ـ من خلال دفاعه المستميت عنه ـ أن علاقته بولد عبد العزيز على ما يرام، تفاديا لشماتة الأعداء..  هناك صفات ثابتة في ولد عبد العزيز : العداء لكل من له فضل عليه (و هذه من صفات اللؤم).. عدم الوفاء لأي شيء في الوجود غير غرائزه (و هذا يناسب تكوينه و “ثقافته”).. بغض كل حالة نبل في الوجود (و هذه أخذها عن سيده (..)معاوية ولد الطائع و يشترك في أسبابها معه) .. العقدة من أي مثقف (ففي حين تفتخر الناس، في الحكمة و السياسة على وجه الخصوص، بمشورة الناس و الاستعانة بآرائهم و أفكارهم، يكره ولد عبد العزيز أن يقال إن هناك من يستشيره في أي أمر (و هذا هو معنى العقدة) و لهذا جعل كل وزرائه و مستشاريه من الأميين و أنصاف الأميين (بشخصيات ذابلة و إرادات مقموعة و حضور باهت يدعو إلى الشفقة) .. يحتقر ولد عبد العزيز البيظان (و هذه أتى بها من اللوغة) و يعتبرهم جميعا أوغادا و مفسدين و مخربين (كل إناء بما فيه يرشح) .. لا يبالي ولد عبد العزيز بما يقال عنه لأنه لا يؤمن بالتاريخ و لا المجد و لا أي وجه من “الخرافة الإنسانية” و قد قال المتنبي (“ليس لجرح بميت إيلام”) .. ليس لولد عبد العزيز ضوابط و لا معايير إذا التزمت بها أو تفاديتها تسلم من طيشه : يتقلب مزاجه كالطفل فيسب مدير ديوانه أمام الناس “أين ذ لمخيزي” و يعود مزاجه إلى أعلى درجات الصفاء دون سابق إنذار فيطلق سراح مدير أعمال ولد بو عماتو و يأمر القضاء بإنهاء التحقيق مع ولد الوقف.. و رد ممتلكات بيجل : و “ما مات مظلوم و لا عاش ظالم” ..

 لهذه الأسباب سيحتقركم ولد عبد العزيز إذا احترمتموه : و في هذه وحدها كان له الحق الكامل؛ الناس تحترم الرجال على صدقها، على أخلاقها الفاضلة، على أمانتها ، على تمسكها بالقيم، على رحابة صدورها، على احترامها و تقديرها للناس، على اعتدالها و تمسكها بالحق في مواقف الرجولة، على تساميها على الرذائل ، على إكرامها لأهل الفضل، على تعاطفها مع المظلومين: أريد أن يكون في هذا البلد كله (حتى لو كان ولد الطيب أو بابه ولد النانه أو سيدي محمد ولد محم أو ولد جعفر أو ولد ببانة) من يستطيع أن يتشجع و يقول إن في ولد عبد العزيز مثقال ذرة من أي من هذه الخصال . و هذا ليس موقفا شخصيا من ولد عبد العزيز و لا تهجما “مشخصنا” على شخصه أو استباحة عدوانية لحياته الخاصة: هذا رجل يحتقرنا و يدمر حياتنا و يعبث بمنظومتنا الأخلاقية و بسمعة بلدنا و مصالح شعبنا، مدعيا كذبا و سخفا أن خزائن البلد ملآى و أن كل الدراسات جاهزة التمويل لبناء موريتانيا “العملاق النائم” و أن الفساد سدت أبوابه إلى الأبد و أن القضاء (قضاؤنا الذي لا ينصف مظلوما و لا يعاقب ظالما) قد أصبح نموذجا في المنطقة و أن المنطقة الحرة في نواذيبو (منطقة التوزيع الأهم على خارطة الأوتوروت A10) ستجلب أموال المستثمرين إلى موريتانيا : فأي سخافة أن يقول لكم ولد عبد العزيز هذا الكلام ؟ ؛ المناطق الحرة لا تأتي بالاستثمارات . هذا اعتقاد جاهل و ساذج و متخلف و غبي: تتذكرون جيدا قصة رجل الأعمال الهندي (الاسباني) و قصة رجل الأعمال الكوري الذي أمضى عدة سنين في خيمة أمام مقر الأمم المتحدة و قضية الأمير بندر و قضية محطات الوقود الجزائرية التي ما زالت حتى اليوم أمام “القضاء” و قضية مصفاة البترول الجزائرية و قضية البنوك التي تم إفلاسها بشهادات الوفيات المزورة: الاستثمارات الخارجية لا تأتي إلى بلد لا سيادة للقضاء فيه و سيادة القضاء تعني استغلاليته : إن العصابة التي تحكمنا قهرا، هي التي ترفض أن يكون القضاء مستقلا و نزيها و هي بالتالي من تمنع وصول الاستثمارات الخارجية إلى أسواقنا لأن سيطرتها على القضاء و دخولها المباشر و غير المباشر في كل الصفقات التجارية، تخيف المستثمرين ؛ كيف تستثمر في بلد رئيسه و الرئيس الأعلى لقضائه ينافسك في السوق؟ .. كيف تستثمر في بلد يحمي المدعي العام فيه عمليات “شبيكو”؟ .. كيف تستثمر في بلد حين تنافس فيه “عيادة الحياة” يذهب مسيرها (نائب تشيت) إلى جميع الدوائر الحكومية و يأتيها بأمر من رئيس الدولة بعدم التعامل معك مثل ما وقع مع عيادة الصفاء؟ .. ـ حين صرح بيجل بما لا يرضي ولد عبد العزيز أعد له ملفا قضائيا و غرمه بمئات الملايين و حين تقاربا محاها عنه بجرة قلم .. (كأن أموال الخزينة العامة أملاك شخصية لولد عبد العزيز) ـ حين صرح ولد الوقف مؤخرا بما لا يرضي ولد عبد العزيز أيقظ له قضية الأرز الفاسد و هكذا فعل مع ولد حمزة و مع ولد بو عماتو و غيرهم كثر (كأن القضاء الموريتاني محصل تجاري لولد عبد العزيز)..
 فمن يستطيع أن يستثمر في هذا المناخ الموبوء ؟ لن يستثمر في السوق الحرة في نواذيبو غير تاجر مشبوه أو مهرب محاصر في العالم أو أحد لصوص الخزينة العامة مثل ولد عبد العزيز و نائب تشيت  و ولد غدة و سيدي ولد أتاه؛ فما “منطقة نواذيبو الحرة” إلا جيب من جيوب التمويه و الإجرام  لإخفاء الأموال الضخمة التي تم الاحتواء عليها بطرق غير شرعية من خزينتنا العامة (فانتظروا قليلا حتى تظهر حقيقتها) .. و لن تكون إلا وكرا منيعا للتهريب و غسيل الأموال و تصفية الحسابات. ثم ما معنى أن يعمل ولد عبد العزيز على تهجير رأس المال الوطني و استقطاب رأس المال الخارجي (الاستثمارات الخارجية) .. هل هذا منهج اقتصادي حديث من ابتكار ولد عبد العزيز و محافظ البنك المركزي و سيدي ولد اتاه؟ ما أنتم إلا عصابة سخيفة تستدعي وقفة صوفية التأمل في تفاوت عقول خلق الله..!
 



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى