نواكشوط مهددة بالغرق الكامل سنة 2020، فما العمل؟

إن الغرق الذي أقصده هنا ليس الغرق المجازي في القمامة و الوحل و أمواج الذباب و أسراب البعوض و الروائح النتنة المقرفة ولا هو الإغراق في العشوائية و الفوضى و التسيب و انعدام أي شكل من أشكال الألق و الجمال..

فهذه أوضاع قد عرفتها ساكنة نواكشوط وقبلتها و تعايشت معها منذ عشرات السنين وسوف يستمر الأمر كذلك إلى أن ينمو لدى هذه الساكنة حس التمدن و التحضر و الرهافة و الذوق السليم و يتغلب على روح البداوة و اللا مبالاة و التلقائية المتأصلة في النفوس . وذلك ما لن يحدث بين عشية و ضحاها بل لا بد أن يأخذ مداه.

إنما الغرق الذي أعنيه هنا هو ابتلاع المحيط الأطلسي للعاصمة بقضها و قضيضها و الذي أوضحت بعض الدراسات أنه بات وشيكا إذا لم تتخذ التدابر اللازمة لتفاديه بشكل سريع و حازم،حيث ذكرت العديد من الدراسات العلمية أنجزتها مراكز بحوث مختصة في مجال مراقبة تقلبات المناخ على مستوى الكرة الأرضية أن مدينة نواكشوط تعد من ضمن أكثر عشر مدن في العالم تضررا من الاحتباس الحراري الناجم عن أي ارتفاع محتمل لمنسوب البحر. و أنها سوف تعرف تهاطلات مطرية غير اعتيادية في السنوات المقبلة.وقد انتهت هذه المعلومات إلى علم العديد من الموريتانيين فلم يولوها على ما يبدو كبير عناية و تأ قلموا معها هي الأخرى و لم تتم على حد علمي بلورة أية إستراتيجية ملائمة لاستباق ما قد ينجم عن هذه التغيرات المرتقبة من أضرار محتملة.

و هاهي دراسة لمركز”أكرتين” الإقليمي للاستشعار عن بعد لدول شمال إفريقيا، تنذرنا اليوم أن غمرا لمحيط الأطلسي لمدينة نواكشوط و بعض المناطق القريبة منها هو أمرممكن الحدوث في ظرف لا يتجاوز سبع سنوات اعتبارا من الآن، و ذلك نتيجة لمجموعة من العوامل منها:

1- أن المدينة مشيدة على أرض منبسطة تقع تحت مستوى البحر، ولا تحميها تلال و لا مرتفعات صخرية، و الحاجز الوحيد الذي يحول بينها و بين البحر هو كثيب واطئ قد تتخطاه الأمواج بكل سهولة، سيما و أن استنزافه لغرض البناء على مدى العقود الماضية قد أحدث فيه العديد من الثغرات الواسعة.

2- كثرة أحواض المياه المخصصة للشرب و تلك المعدة للمياه العادمة و التي ازداد عددها نتيجة للتمدد الأفقي المضطرد لمدينة نواكشوط و ازدياد حجم المياه التي تستقبلها تبعا لبدء استغلال مياه آفطوط الساحلي، مما جعل أرضية المدينة متشبعة بالمياه و غير قادرة على الحيلولة دون صعود ماء البحر الذي لا يفصله عن سطح الأرض، حسب الخبراء، سوى 17 سنتمتر,

3- زيادة التساقطات المطرية على المدينة خلال السنوات الأخيرة,

4- الازدياد المضطرد لمنسوب مياه البحار الناجم عن ذوبان ثلوج القطب الشمالي بسبب الاحتباس الحراري المتزايد,

و السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح اليوم هو هل سيعي الفاعلون السياسيون و الاقتصاديون بشكل تام حجم الكارثة التي تلوح في الأفق؟ و هل سيستشعرون بما فيه الكفاية مدى خطورتها على المصالح العليا للبلاد؟ و ضرورة التكاتف و التآزر و توحيد الجهود من أجل تعبئة كل الوسائل و اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية من أجل منع حدوثها؟

أم أنهم سيستمرون في المناطحة و المكايدة و الاصطراع و إعطاء الأسبقية للو لاءات الضيقة و المصالح الأنانية ،غير مكترثين بأخطار هذه الجائحة المحدقة إلى أن يداهمهم الطوفان و هم متشابكون فيحاول كل منهم بعد فوات الأوان أن يتلمس طريقه سباحة إلى مرتفع يعصمه من الموج؟!

ولا أدعي هنا أنني اشد اهتماما بمستقبل مدينة نواكشوط و لا أكبر حرصا على مصيرها من باقي حملة الهم العام و الفاعلين السياسيين و الاقتصاديين في البلاد, و إنما فقط قد أحسست لدى اطلاعي على الدراسة المنوه عنها آنفا، أحسست بخوف شديد من إمكانية وقوع هكذا كارثة دون أن يتم الاستعداد لها على النحو المطلوب فارتأيت أن أدق ناقوس الخطر مذكرا بأهمية استباق الأ حداث و منبها إلى ضرورةالإستشراف و الإدارة الأستباقية للأمور حيث أن ذلك في رأيي هو الحزم و الحيطة.

و أريد هنا أن أذكر السلطات العمومية و كافة الفعاليات الوطنية المعنية بالشأن العام بأهمية و ضرورة القيام بكل ما يلزم لحماية ما قد تم إنجازه في عاصمة البلاد من طرق و بنى تحتية و منشآت و مؤسسات كلف إنجازها البلاد موارد هائلة . ولعل هذه السلطات أعلم مني بذلك . و رب حامل فقه لمن هو أفقه منه . ولكن “أحكم أحكم ما اطيح” كما يقول بنو حسان.

و أود كذلك أن أتمنى على فخامة رئيس الجمهورية بوجه خاص أن يضيف إلى الإنجازات الكبيرة و المشاريع الهامة التي حققها في البلاد ، بناء نظام صرف صحي ملائم و فعال بعاصمتنا، مهما كلف ذ لك من موارد و إمكانات ومهما تطلب من تضحيات ، فعاصمة الدولة تستحق أي استثمار يستهدف نجاتها من الغرق و الاختفاء من الخريطة، حيث أن غرقها لا قدر الله ! و إتلاف ما تضمه من بنى تحتية و منشآت و مؤسسات اقتصادية و علمية و عسكرية يشكل- إن وقع -كارثة قاصمة للبلاد لا يجوز إعطاؤها أية فرصة لكي تحدث.

وكل الإجراءات و التدابير الكفيلة بمنع هذه الجائحة من الحدوث يلزم أن يتم اتخاذها دون تردد و لا تلكؤ، بدءا ببناء نظام لصرف المياه العادمة ، مرورا بتقوية الحاجز الرملي الذي يحول بين العاصمة و المحيط – مع الضرب بيد من حديد على كل من بتجاسر على المساس به- و انتهاءا بإعادة تقييم آثار ميناء الصداقة على تضاريس الشاطئ و حركة الرمال عليه و حواليه.

و بموازاة تحقيق هذه الإنجازات، ينبغي أن يوضع في الحسبان العمل الصارم ، أكثر من ذي قبل ،على تقنين و تنظيم و عقلنه الإعمار و العمران بالعاصمة للحد من التسيب و العشوائية في عمليات البناء و الإنشاء . كما أنه بات من اللازم تحسين مظهر المدينة و هندمتها و إخضاعها لقواعد و اشتراطات المدنية و التحضر فقد آن الأوان لذلك!.

و إذا كانت كلفة بناء نظام صرف صحي ملائم لظروف عاصمتنا جد مرتفعة بحيث تفوق إمكانيات الدولة ، فإنه يتوجب إذ ذاك، تنظيم حملة محكمة وواسعة لتعبة الموارد الضرورية بما في ذلك تبرعات المواطنين ومساهمة الفاعلين الاقتصاديين وحشد مقدرات الدولة واللجوء إلى دعم شركاء البلاد في التنمية. ذلك أن التحدي الذي يشكله تهديد وجود عاصمة البلاد هو تحد عظيم و الرهان الذي يمثله إنقاذها و الحفاظ عليها و التحسين من أوضاعها هو رهان كبير و يستحق بذل كل الجهود و تحمل كل التضحيات من أجل كسبه و رسملته بما يضمن الإبقاء على حاضرة البلاد و الوصول بها إلى بر الأمان.

ولقد استمعت لدى فراغي من كتابة هذه السطور إلى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في اجتماعها الأخير بخصوص هذه الإشكالية و التي تحدث عن تفاصيلها السيد و زير التجهيز و النقل.و أعتبرها خطوة في الاتجاه الصحيح قمينة بأن تبعث على الارتياح وتحمل على الطمأنينة، و نأمل أن تجد طريقها إلى التنفيذ الفعلي في أقرب الآجال.

نواكشوط 12 شتنبر 2013

أ.محمد الأمين ولد الكتاب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى