تصوروا.. إنه يضحك!!

– جمعتكم اليوم لأمر مهم.

سكت برهة ليعطي كلامه تأثيرا أقوى على سامعيه، ثم تابع…

– تعلمون أننا على أبواب حملة انتخابية، ونحن في حاجة ماسة إلى كسب الأصوات…

سكت مرة أخرى. تنحنح، ثم تمخط.. فرك أنفه بقوة، ثم عطس بين يديه. مدّ له أحد أعضاء المكتب التنفيذي منديلا. فتل المنديل بعناية وأدخله في منخره، لفه يمينا ويسارا، ثم أخرجه وتأمل الحصيلة، ثم تابع، وهو يحدث صوتا بشفط الهواء عبر منخريه…

 

– كسب الأصوات يعتمد، ضمن أمور أخرى، على أداء مرشحينا أثناء الحملة.

ضرب الطاولة بعنف. أبقى يده برهة ثم رفعها. قضى على ذبابة كانت تحوم حول المنديل. مسح الطاولة بظهر يده، وأعاد استخدام المنديل، ثم رفع رأسه وتابع، وهو ينظر في الفراغ…

– وصلتني رسالة من مدير قناة … يطلب اقتراح ضيف لبرنامج حواري…

قاطعه نائبه…

_ من هو الخصم؟

قال، دون أن ينظر إليه..

– الخليل…

إنتفض غلام

– أنا له! صفاق ولد عبد العزيز، الذي بايع القذافي، وباع الناصريين، واشترى مسعود…

صحح الأمين العام للحزب..

– إشترى التحالف.

خيم صمت، لم يقطعه سوى رنين هاتف الرئيس الذي دخل إلى غرفة مجاورة أغلق بابها بإحكام.

تحمس غلام..

– دعوني أفضحه. أعرف عنه الكثير. أراهن أنه سينسحب في الدقائق الأولى…

قاطعه الأمين العام ساخرا…

– مثلما انسحبت من قبل…

قهقه السالك، وابتسم ولد محمد موسى… دخل الرئيس، فخيم الهدوء.

– مكالمة من مكة… الأمور تسير حسب الخطة…

تابع غلام…

– السيد الرئيس، أرجو انتدابي للمناظرة، فأهل الشرق أدرى بعيوبهم…

طأطأ الرئيس رأسه، ثم قال، بغنة وإشباع..

– يا غلام! نحتاج، هذه الأيام، إلى الهدوء فقد انتقلنا إلى ساحة جديدة تؤلف فيها القلوب، وتسبك الحجج.

– أنا أعلم بالخليل..إن لم تبدأه بهجوم كاسح استأسد، وإني…

تدخل ولد محمد موسى..

_ هذه سانحة ليظهر محمد غلام، حفظه الله، بوجه جديد للناخبين…

قال الرئيس، موجها كلامه لولد محمد موسى، وهو ينظر في عيني غلام…

– عليه أن يهتبلها…

– أنا جاهز لما تأمرون به، سيادة الرئيس…

قال ولد محمد موسى وهو يغمز غلام…

– الرئيس يقصد أنك على رأس اللائحة الوطنية، وهو ما يفرض عليك الظهور بشكل مقنع لكل الموريتانيين شمالا، وجنوبا…

انتفض غلام…

– مادام شكلي غير مقنع، فلا داعي لترشيحي.. تعلمون أني زاهد في المناصب الحراسة تكفيني…

مرر الأمين العام ورقة إلى السالك، من تحت الطاولة. التقطها برجله, حك فخذه، انسابت يده بهدوء. ثبت الورقة بين أصابعه، وأبقى يده تحت الطاولة…

قال الرئيس…

– نريدك يا غلام أن تبدو في المناظرة هادئا.. لا تسب خصمك، ولا تقاطعه كثيرا…

أردف ولد محمد موسى..

– نريدك أن تبتسم كثيرا، وأن تضحك أحيانا…

إنفجر السالك في نوبة ضحك متواصل. سقطت الورقة من يده، فأخفاها تحت رجله، واستمر يضحك.. كان جسمه النحيل يهتز، وعيناه تدمعان، وكلما حاول كتم ضحكته انفجر من جديد.. انتشرت نوبة الضحك حتى شملت محمد غلام، فانهار السالك على الطاولة.. كان ظهره المحدودب شاهدا على ضحكته المكتومة…

تململ الحضور، واحمر وجه غلام، وتسارعت أنفاسه.. قال السالك معتذرا…

– سامحوني.. لكنني لا أستطيع تصور غلام هادئا، يبتسم، ويضحك…

أوشك أن ينفجر من جديد، لكن الرئيس حدجه ببصره فشرق بضحكته. سعل وتمخط عن يساره فاشمأز الرئيس. ركز الرئيس نظره في عيون غلام…

– سننتبدك للمناظرة، وستتقيد بما قال ولد محمد موسى…

– حاضر. لكن علي أن أتدرب على الضحك.

اهتز جسد السالك النحيل في كرسيه بعنف… قال الأمين العام، وهو يغالب الضحك..

– سأحضر لك لقطات للمستر بين، وبعض أفلام شارلي شابلن…

رد ببراءة..

– لكنني لا أعرف الانجليزية، ولا الفرنسية!

عاودت السالك نوبة اهتزاز عنيفة.. حشا كمه في فمه.

قال الرئيس، ساخرا..

– أحضروا له “موطص”.

ضحك غلام من كل قلبه..

– وفقتَ. فقد أعجبتني حلقاته كثيرا.

نظر الرئيس في ساعة يده..

– لدي موعد مع منسحب مهم…

   أمضى غلام الأسبوع وهو يتصنع الهدوء، ويتمرن على الضحك. حمّل “موطص” من موقع التلفزة. كان يغلق عليه الباب بإحكام، ويستغرق في نوبات ضحك طويلة، وهو يشاهد لقطات اختارها من “موطص”. اطمأن إلى ضحكته، لكن مزاجه ظل يقلقه.. حاول أن يقترب من الضفة مطبقا نصائح ولد محمد موسى، لكن شيئا ما ظل يشده إلى “أظهر”، فقرر أن يبتلع حبتين من الفاليوم قبل دخول الأستوديو…

تحلق المكتب حول الشاشة…

لم يتمالك السالك نفسه..

– تصوروا.. إنه هادئ، ويضحك!!!

علق الرئيس..

– كنت أعلم أنه سينجح، فهو بارع…

قال ولد محمد موسى، متشككا…

– كان التكلف واضحا عليه…

لاحظ الأمين العام، بمكر…

– إلا حين قال إن خصمه كان أمينا عاما، ومديرا، أيام ولد الطايع.. في هذه كان على سجيته…

 

طه محمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى