جنرالاتنا الأشاوس

altصبيحة الثلاثاء التاسع عشر من نوفمبر توقفت وحدة من الجيش المالي أمام مبنى الشرطة الموريتانية في مدينة فصالة دون سابق إنذار مخلفة موجة من الذعر والهلع بين سكان المنطقة..

سرعان ما بادرت الوحدة المالية إلى التعريف بنفسها على أساس أنها ضلت طريقها إلى مدينة تمبكتو، تتشكل القوة المالية من سبع سيارات عسكرية محملة بالجنود وشاحنة دعم لوجستي اضافة إلى اسلحة ثقيلة نوعية ومتطورة نسبيا، تحركت هذه القوة الكبيرة بكل حرية على مناطق التماس الحدودية ثم توغلت في أراضي بلادنا قبل أن تدخل إحدى أهم المدن من الناحية العسكرية والاستراتيجية حيث يتواجد فيها مركز قيادة متقدم للجيش الموريتاني مكلف بتأمين الحدود ومكافحة الإرهاب، رغم كل ذلك لم تكتشف قواتنا الباسلة وعناصر استخباراتنا الأشاوس أي تحرك غير طبيعي على جبهة تعد الأكثر سخونة وتوترا من بين كل حدود الوطن، في الوقت الذي يتشدق النظام الحالي بإرساء الأمن في البلاد وبتطوير قدرات قواتنا الباسلة حتى بتنا نخالها تعادل الأسطول الأميركي السابع !

الحمد لله أن الصدفة قادت الفرقة المالية التائهة إلى مدينة فصالة، والحمد لله أنه لم تكن لها مآرب أخرى –ظاهرة على الأقل- والحمد لله حق حمده على أن هذه الوحدة ليست كوماندوزا من القاعدة، ماذا كنا سنفعل لو أن المجموعة المسلحة لم تدخل فصالة وواصلت طريقها في الصحراء نحو آدرار ثم إنشيري لتحط رحالها في انواكشوط عند الهجيع الأخير من الليل ؟ أليس بمقدور قوة عسكرية كهذه تدمير القصر الرئاسي وقيادات الأركان بل وانواكشوط كله في غضون دقائق اذا ما أخذتنا على حين غرة سحيرا أو حتى ضحى؟

منيت في السابق المؤسسة الأمنية والعسكرية الموريتانية بالعديد من الضربات الموجعة، فكان العدو غالبا ما يباغتها ويفعل فعلته ويغادر ببساطة، ولعل الذاكرة مازالت تحتفظ بالتفاصيل المؤلمة للمغيطي وتورين والغلاوية وحاسي سيدي تفرغ زينة وتوجنين …، وغيرها من المعارك التي تكبدت فيها قواتنا هزائم مدوية وخسائر مؤسفة في الأرواح والعتاد، ولكن أين هم جنرالاتنا البواسل ولماذا لا نراهم في ساحة الوغى وهم يتربصون بأعداء البلاد؟

تنفق موريتانيا أموالا طائلة سنويا على الأمن والدفاع منذ 2003 حتى أنها باتت تفوق مخصصات التعليم والصحة وتشغيل الشباب ومكافحة الفقر مجتمعة، أصبحت القوات المسلحة الموريتانية متخمة بالجنرالات من ذوي البطون الكبيرة، وفي كل سنة تتم الترقية لجنرالات جدد وتمديد سن التقاعد لآخرين قدامى لأن البلاد لا يمكنها التفريط في خبراتهم وقدراتهم القتالية، في العالم الحالي وحده رصدت الدولة أزيد من 60 مليار أوقية من ميزانيتها للأمن والدفاع دون المبالغ الطائلة التي يتم سحبها من صندوق النفقات الخاصة للحجة ذاتها !

ولكي لا نظلم جنرالاتنا الأشاوس ولا نحط من قدراتهم البطولية نجد أنه من الملح علينا وإنصافا لهم ان نذكر اختلاف وجهات نظرنا في تحديد العدو وفي أولويات المعارك وجبهات القتال، فربما يحسب مواطن ما أن أمواله يجب أن تنفق من أجل ردع الجريمة ومحاربتها حتى يأمن في منزله ووطنه من السرقة والاغتصاب والقتل…، وقد يدور في مخيلة مواطن بسيط أن أولوية الدفاع الوطني تكمن في الحفاظ على الحوزة الترابية والضرب بيد من حديد على الإرهابيين ومهربي المخدرات وأي قوات معادية يمكن أن تسول لها نفسها النيل من حدودنا، كما أن الضابط الصالح يجد أولوية مهام جيشنا في تسيير دوريات خطوط التماس التي تصيبه بنشوة منقطعة النظير حين يرى قوات البلد المتاخم تلقي عليه التحية في منطقة نائية من الحدود الطويلة لبلادنا.

بيد أنه لجنرالاتنا الأشاوس معركتهم وأولوياتهم، فالجنرال يحظى بحصة من التعيينات في المؤسسات العمومية وفي الحكومة، كما أنه يستفيد من صفقات الشركات الكبرى وخاصة شركات المعادن والطرق، صفقات التراضي وتحصيل المال والحصول على القطع الأرضية وغيرها من موارد الرزق تشكل أهم أولويات الجنرالات الأشاوس، ومؤخرا استفاد الجنرالات من خدمة جديدة فريدة من نوعها تتمثل في تشييد طريق ترابي يمر من الشارع إلى بيوتهم حتى يقيهم السباحة في فيضانات انواكشوط ومياهه الآسنة.

منذ أشهر عديدة قسمت البلاد إلى مناطق نفوذ وكلف جنرالاتنا الأشاوس كلٌ بمنطقة معينة، وكانت أولوياتهم واضحة وغير قابلة للتعديل فلا مجال للهزيمة، يجب دحر العدو، يجب إلحاق الهزيمة النكراء به، لا بد من بسط السيطرة على مناطقه والتوغل فيها، يجب بكل بساطة انتصار أحزاب النظام في تلك المناطق !

الفريق قائد أركان الجيوش –اللهم عليك معولين- انتقل بمعسكره إلى لعصابة ليدير المعركة عن قرب ويشرف على جبهات القتال، أرسل حفنة من الجنرالات الى الحوض الغربي لإدارة صراع مستعصي في الطينطان ولعيون، جنرالين إلى بوكي وكيهيدي وسيلبابي، جنرال وحيد كلف ببوتلميت، واحد يدير الصراع في باسكنو، والبقية الباقية من الجنرالات وضعت على أهبة الإستعداد للتدخل عند اقتضاء الحاجة، أما وزير الدفاع فشغله الشاغل الدفاع عن مرشحي الحزب في مقاطعة كرو.

في الوقت الذي كانت القوات المعادية تصول وتجول في بلادنا وتدخل المدن دون حسيب او رقيب، كان الأشاوس من قوات الأمن يرقصون على أنغام نصرهم المبين الذي حققوه بحرفية عالية وفي وقت قياسي ضد أعداء طالما خبروا قتالهم، نعم كان عناصر الأمن مزهوين بانتصارهم الساحق في ملحمة تفرغ زينة وسيطرتهم على العشرات من الشباب والنساء العزل الذين خرجوا مطالبين بمقاطعة الانتخابات، رغم صمود هذه الثلة من المناضلين إلا أن قوات الأمن نتيجة لحرفيتها وقوة تدريبها استطاعت والحمد لله ضرب العديد من النساء والشباب واصابتهم بجروح متفاوتة الخطورة، غير بعيد من تفرغ زينة استطاعت أيضا وحدات النخبة من قوات أمننا الباسلة أن تحكم سيطرتها على معسكر لأهالي كبة لمغيطي منح لنافذين ورفضوا الانصياع لأمر الواقع ومغادرة منطقة أقاموا فيها منذ سنوات فما كان من قواتنا الباسلة إلا أن انهالت عليهم بالضرب والتنكيل وتدمير الأعرشة التي تقيهم برد الشتاء على بساطتها، في الجانب الآخر من البلاد كانت قواتنا الباسلة تسطر البطولات التي سيسجلها التاريخ ويذكرها الأحفاد ويتباهى بها الشعراء، لقد دحرت هذه القوات نسوة وأطفال خرجوا في مدينة لعيون يطالبون بالماء !

إنها أم الموبقات أتجرؤون على المطالبة بالماء ؟ كيف تسول لكم أنفسكم الدعوة لمقاطعة الانتخابات ؟ إياكم ثم إياكم أن ترفضوا الانصياع لأمر الواقع وكلما منحت أرضكم لإرضاء الغاضبين من صاحب الحانوت عليكم باختيار غيرها ! سترون الويل والثبور وصغائر الأمور اذا شق أحدكم عصى الطاعة عن خيارات الحزب !

عاشت قواتنا الباسلة ! عاش جنرالاتنا الأشاوس !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى