انتخابات وملاحظات

altلقد كانت معركة حقيقية وستظل، ونريد لها أن تكون بعيدة عن العنف والتجريح ما أمكن.

حرب أنفق فيها الكثير من المال والوقت، وذهبت فيها الكثير من الجهود البشرية المضنية، وخرج منها الكثير من الرجال والنساء والشباب منهكين صحيا وبدنيا ونفسيا..

ولعل القول بأن أكبر جهد يخوضه المجتمع والدولة معا، هو عملية الانتخاب بعد الحرب الحقيقية الدامية.

لقد كانت هذه المعركة الإنتخابية، مجرد خطوة هامة على طريق الخلاص من نظام الظلم والاهانة والاحتقار والاستبداد، نظام ولد عبد العزيز وولد غزواني وأترابهم الانقلابيين الانتهازيين المزورين.

ولله در من أنفق درهما أو جهدا بشريا أو لحظة من عمره، في سبيل الله وخدمة الصالح العام.

ولن يهدأ لهذا الوطن بال أو  تقر له عين حتى يتخلص من هذا النظام الغريب الأطوار.

لقد حان وقت الخلاص إن شاء الله، وستكون الفرصة المواتية ولو بعد حين، إن لم يتم ذلك عبر الانتخابات غبر المضمونة الشفافية، والمنتظرة على الصعيد الرئاسي في بحر هذه السنة القادمة المباركة إن شاء الله، سنة 2014 الحاسمة بإذن الله.

لقد إجتهد أزلام هذا النظام الفاسد البائر من المفسدين، ومن العسكر والمدنيين البسطاء والأغنياء (رجال الأعمال النفعيين وهم الطرف الغالب من قطاع ما يسمى برجال الأعمال)، فطبلوا وزمروا وأزبدوا، فكانت المحصلة أقل مما توقعوا، لكنها كافية لتأكيد ضعف مستوى الناخب الموريتاني عموما.

ولازال المال الحرام والحلال والمشبوه على السواء هو سيد الموقف.

ولازال الشعار الأرعن الاستسلامي الخائر الضعيف (الدولة ما تعاند) هو السائد على ألسنة الناس، وفي عمق مشاعرهم وعقولهم المريضة المستعمرة، الحبيسة الخوف والارتعاش العقدي والفكري والسلوكي.

بعيدا عن التوكل على الله واحترام الخصم، دون الخوف منه أو التزلف لأي مخلوق حاكم أو محكوم.

إن الأمل اغتيل، أي الأمل في الشورى الصحيحة أو الديمقراطية الأقرب إلينا إسلاميا.

أجل اغتيل عبر عدة مسالك مشينة، ابتداء من عمل اللجنة المستقلة اسما، ووصولا لاستعمال المال السياسي بشكل زائد وغير عادل وغير مقبول، فأضحى الناخب عرضة للحمل من مكان إلى مكان مثل قطعان الماشية، ومعرض كذلك لشراء الذمم بصورة بشعة مباشرة في أحايين كثيرة، لا تعد ولا تحصى.

جعلت من ديمقراطيتنا وحملاتنا سوق نخاسة، تسابق إليه الجميع، باعة ومشترين، أهدرت فيه الكرامة والأخلاق والقيم الإنسانية هدرا، قد لا يوجد له في التاريخ مثيلا.

لقد بيعت الأصوات والأعراض، وكثر التلاعب بكل اعتبار، إلى حد شيوع الزنا والكذب في بعض الحملات، وتحديد حجم المرشح، حسب استغلاله لنفوذ الدولة بوجه خاص، والمال في الدرجة الثانية، حيث تراجعت المعايير القبلية، وتصاعد استغلال كراسي الحكم والهيمنة السلطوية -مدنيا وعسكريا-. وجاء المال ودوره الرهيب، في المقام الثاني، وربما الأول أحيانا، قبل كل سياسية أو خطاب سليم أو غير سليم، أو أي مؤثر معنوي أو مادي آخر!!!.

يا سبحان الله، ضاعت الأديان والأخلاق والمروءات، وبقي الخوف من السلطان والفقر والغبن، سيد الموقف الانتخابي الراهن الهش المقرف.

ومن منطلق تجربتي في الترشح للنيابيات في أطار أقول مايلي:

لقد كشف الموقف الانتخابي في أطار عن ضعف بعض رجال الأعمال مقابل السلطة الحالية، كالمعتاد، ومن أعني يعرفه الجميع، بينما أصر البعض على المواقف الضعيفة المحتشمة، وإمتنع عن تشجيع بعض المرشحين الجادين المستقلين فكريا.

وكان امتناع الناخب الأطاري عن التصويت للأقل مالا، مهما كان درجة استقامته، واضحا جليا عبر الأرقام، يدل على شراء الذمم وتعثر الفهم وقصور الوعي، مما يتطلب جهدا زائدا وصبرا دائما على السقيم لإنقاذه وإنقاذ البلد من ورائه برمته.

والطريق شائك صعب مرهق، وليس من رأى كمن سمع.

إن الحملات جو مشحون بالسهر والضنا والتعب والصرف والمراوغات، قد لا يفلح فيها غالبا إلا مسنود مدعوم من النظام وذوي المال والحظوة، وما سوى ذلك مجرد نضال أو خطوة محدودة على طريق التغيير المنشود البعيد، يصب يوما ما في ساحة النصر، والاستبشار بالوصول الشاق العسير إلى شاطئ الأمان.

أما اليوم فنحن في معمعان الضباع وشراء الذمة، وتغليب المنطق النفعي الآني، على  الخطاب والأمل في التعبير الجاد الشامل، عبر رؤية إسلامية أو يسارية أو يمينية في التأثير الإيجابي على الواقع الآسن المأزوم المتعثر الظلامي المكبل.

وكم من ناخب يعد ولا يفي، وكم من محلف خان فرز الأصوات ومكاسب المترشحين، المهدرة على يد حاسب أو رئيس مكتب أو قاضي حين الطعن أو التعقيب.

لقد أفشلت العملية في أغلب مراحلها، إلا لصالح السلطة ومرشحي الحزب الحاكم، فقد كان الانحياز واضحا إلى ذلك الفريق، على الصعيد الرسمي، بمختلف دلالات العبارة.

لن نيأس من المشاركة والأمل في التغيير، لأن مقصدنا أن يتحقق ولو على يد الأجيال القادمة، وأن نصل بذلك إلى رضوان الله عبر مسعى خدمة الناس.

والله في عون العبد ما دام في عون أخيه المواطن، ولو كان بائعا أحيانا، لنفسه ومصيره  الحاضر والمنتظر.

لقد ظهر بأن أطار، حيث عصارة المال والصراع القبلي الحاد، هو عمق البؤرة الانتخابية، المقلقة في عموم الوطن.

وينتظر دورا ثالثا، يشترك فيه هو وأخوه كيهيدي وأخته المجهولة العين الصفرة، في عمق صحراء “شنقيط” المقاطعة.

ولقد مثل البلد عموما ساحة معركة وتنازع حاد، انتهى إلى نتائج سياسية بسيطة، بقياس خدمة الشأن العام، وكانت هذه النتائج كبيرة الكلفة المادية والمعنوية، للفرد والمجتمع والدولة.

فهل تكون الرئاسيات القادمة فرصة للمزيد من الانعتاق العسير المكلف؟، أم يتجدد الصراع الانتخابي، مرة بعد مرة، ولا نكاد نفلح في الخلاص من عناد وصراع الطاغية للبقاء إلا بعد حين.

فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ”.

وفي الخلاصة يمكن القول، لقد كانت المشاركة أفضل من المقاطعة، مهما كانت سلبيات المشاركة، مثل القول بتشريع أكثر لنظام الاستبداد القائم، وهذا وارد، ولكن تركه يلعب وحده، ويصنع على ذوقه ومصلحته السياسية الخاصة، موالاته ومعارضته على وجه الخصوص، أجل المعارضة المعاهدة، أو غير المعاهدة، وقد يكون أكثر ضررا.

ومن جهة أخرى كانت اللعبة بعيدة من الاستقامة، وقد لا تكون مستقيمة في أجل قريب، كما كانت مكلفة ماديا، لأنها أصبحت في عرف الجميع فرصة وسوقا، لا أقل ولا أكثر.

وقد كان دور الخطاب السياسي الإنقاذي محدودا وضئيلا، مقابل شعار “الدولة ما تعاند”، ودور المال بوجه عام.

وبالنسبة للذين خاضوا الغمار الانتخابي مثلي، لاشك أنهم اكتشفوا بشكل عملي، أكثر بيانا من النظري أن الحملات في موريتانيا قذرة، ومليئة بالإسراف والتسول والكذب والتحايل. لكن هذا كله ينبغي أن يدفع المخلصين أكثر إلى مزيد من التضحية والصبر، من أجل مجتمع ضاع، ودولة باتت تئن تحت تهديد الانهيار الأخلاقي والسياسي الكامل، إن لم تتداركها رحمة الله وجهود الربانيين والوطنيين المخلصين المقاومين لليأس والإحباط.

والله ولي التوفيق، ما من صواب فمن الله ومن خطأ فمني.

 

 

 

بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير “الأقصى”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى