تاجر مخدرات موريتاني تائب: سجنت 30 مرة

altفي أحد أروقة قصر العدالة بالعاصمة نواكشوط جلس م.أ ولد يوسف (45عاما)، ليتحدث لـصحراء ميديا عن ملفات وقضايا حساسة، وهو يعد نفسه أحد الأشخاص المهمين عندما يتعلق الأمر بخريطة الترويج للمخدرات في موريتانيا.

  يتمتع الرجل بتجربة طويلة ومثيرة في حقل يصفه بـ”القذر”، ويعرف جيدا أنواع ومداخل ومخارج تجارة المخدرات في موريتانيا، وأخطر المجرمين وأصحاب السوابق واللصوص وزعماء العصابات.   يقول إنه تنبأ منذ سنوات بأن الأمور إذا لم تتغير في موريتانيا من الناحية الأمنية وأن مافيا المخدرات ستصل بطائراتها وبواخرها إلى موانئ البلاد، وستقوى شوكة المهربين في السوق.    صدر بحق ولد يوسف، قرابة 20 حكما قضائيا يتعلق بعضها بالمخدرات، وبعضها الآخر بشراء المسروقات. ويقول “عالم المخدرات والسرقة والجريمة بصفة عامة في موريتانيا عالم له خصوصيته، وغالبا ما يستمر فيه بعض الأشخاص حتى أيام عمرهم الأخيرة، في ظل غياب عدم التأهيل والرعاية للمدمنين والمجرمين، وغياب الاستراتيجيات الهادفة للنهوض بالطبقة المنحرفة، وعدم الاهتمام بالجانب النفسي”.   ويضيف أن الحملات الأمنية غالبا ما تستهدف أشخاصا أبرياء، أو جددا على المجال، وتترك المروجين الحقيقيين.  “وفيما يتعلق بالمخدرات فهي قضية صعبة والتخلص من الإدمان مسألة بالغة الصعوبة” حسب رأيه.   ويضيف: “لقد تخلصت شخصيا من المخدرات بصعوبة، بحيث أقلعت عنها بعد عهود من المتاجرة فيها واستعمالها، وقد قررت أن انتهي منها خاصة، بعد وفاة والدتي التي كانت كل شيء في حياتي. وتنبهت إلى أنني أسير في طريق ضيق يؤدي إلى هاوية سحيقة، وأعلم جيدا كيف أن وجود مهربين كبار في موريتانيا، بالإضافة إلى أساليب الدعاية والترويج يدفع الكثير من الشباب إلى الانحراف، ودخول عالم المخدرات، الذي يفتح بدوره على عالم الجريمة والسرقة وارتكاب جرائم الحرابة والنهب”.    ولد يوسف، تاجَـر بالمخدرات في نواكشوط، واشتغل مروجاً على الحدود الموريتانية السنغالية، وكان يشتري المخدرات ليقوم بتوزيعها في العاصمة نواكشوط ومدن الشمال، كما اشتغل بمجال شراء المسروقات خاصة الذهب، لفترات من الزمن، حيث حكم عليه أطول حكم في حياته بالحبس 8 سنوات، هرب من السجن قبل استكمالها.    وفي 1983 حاول الانتحار بعد مرحلة “يأس حاد”، يقول إنها أثرت على نفسيته بعد سنتين من السجن الاحتياطي (دون محاكمة)، حيث نقل إلى المستشفى للعلاج من آثار محاولة الانتحار، التي خلفت جرحا غائراً في صدره، وأضرب مرات عن الطعام، وسُجن بعد أحكام قضائية، وأحيانا بشكل احتياطي، ووصل عدد المرات التي سجن فيها إلى قرابة 30 مرة.    ويؤكد أنه في عام 1997 قرر “التوبة”، والإقلاع بشكل نهائي وتام عن المخدرات والتعامل مع سوق الجريمة.  يقول: “قررت معاداة المروجين وكشف خرائط الترويج المستهلكة في موريتانيا، والإطاحة بأباطرة المخدرات، وكان أول من التقيت به في هذا المجال الرئيس السابق اعلي ولد محمد فال حين كان مديرا للأمن، وقد رحب بفكرة الإطاحة بأباطرة المخدرات، وتعاونت مع إدارة الأمن حينها، في كشف فضيحة عام 1996 المعروفة، التي سجن على خلفيتها عناصر من الأمن والقضاة والمفتشين”.    ويضيف:”…ولكن هذه العملية أثارت عندي تأنيب الضمير، لأنها فعلا أطاحت بشخصيات بريئة، وهو ما تسبب لي في حالة تأثر نفسي كأنني أنا المسؤول عن ما وصلوا إليه.    ويشير باعتزاز إلى أنه كشف عن ما يزيد على 100 عصابة، زج بأغلب قادتها في السجن بالتعاون مع رجال الأمن والمفوضيات، و يقول أنه مطارد من قبل عناصر العصابات وأنهم لن يترددوا في إيذائه في حال أتيحت لهم الفرصة، لأنه عدوهم الوحيد الذي يكشف خططهم وأسواقهم السرية وعملياتهم الإجرامية، لكنه يشير إلى كونه يعتمد على الله وعلى احتياطاته الأمنية الخاصة المبنية على الحدس واليقظة.    الرجل الأربعيني تخرج من المحاظر الموريتانية، وأكد انه يعاني من مشكلتين أساسيتين: الأولى رفض المحيط الاجتماعية لتوبته وأنه تغير فعلا، وأن أقاربه لا يزالون يحملون عنه الأفكار نفسها، ويأبون تناسي صورته القديمة، رغم أنه غادر عالم الجريمة ويتمنى من الله أن يقبل توبته . والثانية عدم تلقي الدعم اللازم من قبل الجهات الأمنية، التي غالبا ما تضيع عليها الفرصة في كشف العصابات، نظرا لبطئ الإجراءات، رغم أن بعضهم يعتمد عالم السرعة ويستجيب للمهام الصعبة.     مؤكدا انه لا يتقاضى راتبا من إدارة الأمن وأحيانا، يدفع من جيبه لتتبع خيوط جريمة سرقة أو عصابة مخدرات، لحين كشف نشاطها وإبلاغ الأمن.   حج ولد [اسلم إلى الديار المقدسة 6 مرات، كما يقول، راجيا أن يتوب الله عليه، ونذر بقية حياته للكفاح ضد أباطرة المافيا والمروجين وباعة السموم، ويمح لنشر بحوث واستطلاعات تتضمن خلاصة تجربته الطويلة ونتائج مغامرته، من أجل التحذير من خطر المخدرات الزاحف إلى موريتانيا، وضرورة تكثيف الجهود لمحاربته.    وأشار ولد إسلم إلى أنه عمل في شركة بالمملكة العربية السعودية لمدة 8 سنوات، مراقبا للموظفين في مجموعة مستشفيات ومخازن، وعاد إلى موريتانيا حالما أن يحقق غرضه في المشاركة في اقتلاع جذور مافيا المخدرات.    وأكثر نقطة يهتم بها “العميل السري” السابق، كما يفضل أن يطلق عليه، هي عدم التسرع في أي قضية لأنها ستتكشف في النهاية، “لأن المحقق يجب أن يكون أكثر صبرا من المجرم، وأن يتعامل بأعصاب هادئة وباردة، حتى يصل إلى الهدف” حسب تعبيره، منتقدا القبض على الأشخاص دون دليل، لأن ذلك يدفع “المجرم الحقيقي” إلى الإحساس بيد الأمن تظلله، وبالتالي يهرب أو يتحايل على الأدلة حتى لو كلفه ذلك قتل شخص معين.    وعن المستقبل، يقول بعد أن أخذ نفسا طويلا، إنه حذر جدا، لأنه يعيش على أرض مزروعة بالألغام ، معتمدا على الله و على تجربته “العميقة” في الجريمة والمجرمين.

صحراء ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى