تحليل ونقاش قصة «إنه دم» – الشيخ بكاي

عبدالله محمدبون

الزمان أنفو (نواكشوط): في نصّه القصير الكثيف «إنه دم»، يقدّم الكاتب الصحفي الشيخ بكاي مشهدًا سرديًا مكثفًا يقوم على شعرية الصورة، ويشتغل على تداخل الرموز: القمر، القيثارة، القبر، الريح، والدم. ورغم قصر النص، إلا أنّه يُثير حالة تأملية ممتدة حول الألم الإنساني والذاكرة وارتجاج العالم الداخلي.

القمر… الراوي الأول وذاكرة العالم

يفتتح القاص نصّه بصورة غير مألوفة: «استل القمر قيثارة قديمة مطمورة بين ركام من القصص القديمة…».
هنا يتحول القمر من جرمٍ سماوي إلى كائن مُوقظ للذكريات، يبحث بين الأطلال عن صوت قديم، عن وجع دفين. القمر – في التراث – شاهد هادئ، لكنه هنا يتحول إلى فاعل، إلى منقبٍ عن الألم.

اختيار القيثارة يُدخل القارئ في جو أسطوري، ويقترح أن ما سيحدث ليس حدثًا واقعيًا بل ارتجاف روحي.

اللحن الخارج من القبر… لقاء الحياة بالموت

حين «انتفض لحن من قبر»، تتكسر الحدود بين الحياة والموت. اللحن – رمز الحياة – ينبعث من القبر – رمز الفناء.
هنا يلمح بكاي إلى أنّ الذاكرة لا تموت، وأن ما ندفنه يعود دائمًا ليعزف نفسه من جديد.

هذا التداخل بين القمر والقبر واللحن يخلق دائرة رمزية تقول إنّ الذكرى، وإن دُفنت، تبقى قادرة على الحركة والرقص والبكاء.

رقص الكون… هلع الجمال حين يواجه الحقيقة

الجملة «رقص الكون» تشير إلى ذروة الانفعال.
إنها ليست رقصة فرح، بل هزة كونية:
«قال راقص: أسمع كازلزال…»

الجمال هنا (الرقص، اللحن، القمر) يختلط بالرعب (الزلزال، الصرير، الريح).
النص لا يسمح للقارئ بأن يستسلم للجمال؛ فكل جمال يقود إلى جرح.

الدم… النهاية التي تفسر كل المشهد

حين تتسلل الأصابع إلى وجنتي القمر «تغرقان»، نكتشف أن بكاء القمر ليس ماءً:
«قال الغريق للغريق: حذار إنه دم».

هنا تنكشف الحقيقة:
ليست موسيقى، ولا رقصًا، ولا ذكرى حلوة…
إنه وجعٌ نازف.

القمر الغارق في دمه هو صورة الإنسان حين يعزف على قيثارته الداخلية، فيكتشف أن ما يسمعه ليس لحنًا ولا رعدًا، بل صدى جرحه القديم.

دلالات النص

  • دم القمر: رمز لدموع تتحول إلى ندبة لا تُشفى، دم إنساني لا كوني.
  • الغريقان: كل البشر الذين يتبادلون التحذير من آلامهم المتشابهة.
  • اللحن من القبر: الماضي ينهض كلما حاولنا تجاهله.
  • الزلزال: الحقيقة حين تُسمع لأول مرة تهزّ الداخل.

الشيخ بكاي… نصٌّ يكتب بالألم

يعتمد الكاتب هنا أسلوبًا شاعريًا يجنح إلى الإيحاء بدل التصريح، ويترك للقارئ أن يملأ فراغات النص.
هذه القصة تشبه «ومضة» لكنها مضاءة من الداخل؛ نص يرفض الوضوح، لكنه يفرض إحساسًا قويًا بأن ما ينزف ليس القمر، بل الإنسان ذاته.

الصورة ملائمة جزئيًا للنص لكنها لا تعكس كامل رموزه.
هي تعبّر بوضوح عن نبض القلب و«الخيط الأحمر» الذي يرمز إلى الحياة والألم والدم… وهذا يتقاطع مع جملة الشيخ بكاي: «حذار إنه دم».
لكن القصة أيضًا مليئة برموز أخرى: القمر، القيثارة، القبر، الريح، الذاكرة… وهذه لا تظهر في الصورة.

مع ذلك، يمكن دمج الصورة بالنص عبر لمسة تحريرية بسيطة تربط بين نبض القلب وبين الدم الرمزي في القصة، دون الحاجة لتغيير الصورة نفسها.

تجسّد الصورة المرفقة إيقاع القلب وذبذبة الحياة، وهو الإيقاع ذاته الذي يرنّ في قصة «إنه دم». فالقلب النابض في الرسم يتحوّل، داخل نص الشيخ بكاي، إلى نبض آخر غارق في الذاكرة والوجع؛ نبض يعزفه القمر على قيثارته القديمة، قبل أن ينتهي إلى ذلك التحذير الصادم: «حذار… إنه دم».
وهكذا تتكامل الصورة مع النص، حيث يتحول خط النبض الأحمر إلى خيط الذاكرة النازفة التي يحييها الكاتب من بين ركام الزمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى