الكتابة الصحفية بين البرودة والتأثير بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن

altهذا الزمان تغير أم تغير أهله على الأصح أو بعضهم، فما عاد الحق ينتزع إلا بالطرق الحاسمة الخاصة، وما ضاع حق وراءه مطالب، ولكن “التطرف” في عرف البسطاء، أصبح بحاجة للتمييز، فمنه ماهو إيجابي رغم ظاهر انحراف المصطلح عن جادة الصواب، ومنه ماهي ضار غير مقبول البتة، لا ذوقا ولا عرفا وشرعا.

ولعل إطلاق كلمة التطرف على الصنف الإيجابي في هذا الباب، يحتاج إلى تفصيل.

فقد يكون العقاب، والقصاص من جنس ونوع ومستوى العمل الإجرامي المحرك للتطرف عند الطرف المظلوم، والبادئ أظلم.

وهو بهذا المعنى لا يستحق لفظ ومحتوى ومدلول كلمة “التطرف” فهو تطرف ناتج عن تطرف المعتدي، فهو إذن قصاص، والقصاص لا ينطبق عليه ولو سمح باستعمال اللفظ اصطلاحا.

فيطلق من طرف عتاة الصليبية واللوبي الصهيوني الدولي مصطلح “المتطرفين الإسلاميين” الواسع الاستعمال في الإعلام دون تثبت أو تمييز، ويحاكيهم تلامذتهم، الذين ربما يظهر بعضهم الإيمان ويستبطن الكفر أو قريب من ذلك، حسب ظاهر أعماله، من ترك الصلاة والتحامل على الدعاة حتى أكثرهم لباقة والتزاما بشروط الدعوة والتأفف تقريبا من كل ماهو إسلامي.

ولاشك أن من بيننا متطرفون، في الفعل والقول والتصور، وكل خلل في الفهم يترتب عليه خليل في التنفيذ، كما قال الداعية و الكاتب الإسلامي السوري الشهير سعيد حوى، ولكن متطرفينا، ما دفعهم إلى فعالهم غير المقبولة شرعا أحيانا، إلا تطرف الصهيونية والغرب برمته، إلا من رحم الله، ببعض العدل المخلوط بالكفر، عند أهل الكتاب من هنا وهناك.

حتى أنكم استمعتم قبل أسابيع قليلة إلى يهودي مغربي في برنامج “بلا حدود” مع الزميل أحمد منصور، هذا اليهودي المغربي هرب من ظلم النظام المغربي الاستبدادي ولوبيه الصهيوني المحلي، والغريب المثير في المغرب والعالم أجمع. ولعل بعض القراء لا يعرف أن يهود إسرائيل من أصل مغربي يندفعون ضد العرب الفلسطينيين وغيرهم من المسلمين وعلى وجه من العداوة قد يصل إليه أحيانا، صهيوني من أصل روسي أو أمريكي أو حبشي أو غيره.

المهم أن شارون في نظر بعض العلمانيين العرب أقل تطرفا من أسامة بن لادن، وهذا غير صحيح، فأمريكا وبريطانيا هي التي غرست في قلب جسمنا الإسلامي والعربي بوجه خاص، الكيان الصهيوني اللقيط، وقد يكون ما حدث في 11 سبتمبر 2001 قليل في حقها-على رأي البعض-، وإن لم تتراجع اسرائيل والغرب عن مخططهم الإجرامي الوحشي ضد الوجود الفلسطيني والمد الإسلامي بصورة عامة، ولن يتراجعوا –طبعا- قال تعالى جل شأنه، وهو الحكيم بعباده وخلقه أجمعين: “ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير “.

إن لم يتراجعوا ولن يتراجعوا ستظهر تيارات إسلامية أكثر تطرفا وشناعة وطموحا للغلبة والانتقام وإقامة الخلافة الراشدة -حسب فهمهم المغلوط أحيانا-، وسيكون هؤلاء المتطرفون الجدد حسب إطلاق الأعداء، أقسى مما يعانيه الغرب وإسرائيل الآن من حركات جهادية “قاعدية” و”داعشية”، فبادروا لمراجعة حساباتكم وإلا فإن المد الانتقامي الإسلامي، سيظهر في “ثوب متطرف” وسينتشر في سائر الأرض الإسلامية وغيرها من كوكبنا.

ولا نبتغي نشر قيم الفوضى، وإنما لابد من تبصر ووقوف على بعض خفايا المصطلحات المفخخة، “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين  “

 إن من يسمون المتطرفين الإسلاميين يحتاجون للإنصاف، ودراسة بعمق مبررات بعض أفعالهم الموحية بخلاف الشرع، لا رغبة في التبرير الأعمى، وإنما تحريا للصدق، فالغرب وإسرائيل أكثر ظلما وتطرفا وباستمرار وإصرار، وأما استحسان “منافقينا” لهذه المصطلحات المفخخة، فلا يكفي، لتمييز الحق من الباطل، وللفصل بالتحديد بين الانتقام والقصاص المشروع، والتحامل والتطرف الذي لا وجه له ولا سند من الحجية الشرعية، التي نحتكم إليها، سواء كان هذا التطرف، من قبلنا أو من قبلهم، أي من قبل المسلمين أو غير المسلمين، فإن زال السبب، فلا وجه إطلاقا للانتقام ولا وجه للبحث عن هذا المدخل المظلم الصعب، الذي لا يستغني عنه أحيانا، قال الله تعالى” ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون   “

وما يهمنا في هذا المقال بوجه خاص ما يعتبره البعض كتابة متطرفة، وهي في الحقيقة أحيانا خالية من التطرف، وإنما هي وحي وإملاء الواقع الظالم الصارخ في أرضنا بالمعنى القومي والسكني إفريقيا والديني العقدي العالم الإسلامي الواسع الفسيح المبارك، أرشد الله ساكنته للحق والاعتدال وكتم الغيظ، فهل يلزم من احترق بيته على سبيل المثال وكان له ذرية ضعفاء أن يشكر الحارق المعتدي بإثم كبير ظاهر، ويقبل يديه وقدميه ورأسه، على غرار ما يدعو إليه كتاب البرودة والجمود والتصنع بدعوى المهنية الخادعة.

فالمهنية ليست إلا قيدا من قيود “الكبار” ودهاة العالم من أصحاب المصالح والمخططات والرؤية الأنانية، مثل الديمقراطية، في بعض تطبيقاتها الغربية، الديمقراطية لنا وحقوق الإنسان، بلسان حال الغرب، وأنتم إرهابيون ومتزمتون ولا يصلح لكم إلا مباركة ما يحدث فيكم من انقلابات وفوضى خلاقة مقصودة، بمختلف الصنوف على نهج مقصود واع مخطط، على منوال أو أخطر من تنفيذ وإرشادات كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون” الذي ترجمه محمد خليفة التونسي وهو موجود في الأسواق ومحركات البحث بالإنترنت فلا يفوتكم، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها إلتقطها، فأعرف عدوك جيدا.

 

سبحان الله، أفي هذا الجو تعقل الكتابة الباردة، اللهم لا خوفا ولا طمعا، وإن شئتم أغلقوا منابرنا الإعلامية الرسمية التقليدية، مثل جريدة الأقصى وموقع الأقصى، الذي لا يزوره زائر إلا لماما، ففي اتويتر وفيس بوك، وغيرها مما قد يختلق العقل الإنساني المبدع فسحة من النشر والتعبير، ولا أستبعد إن تم إغلاق كل منافذ التعبير الحر المنفس، أن نضع أقلامنا ونحمل العصى والمدا، مفضية ربما إلى السلاح العصري الفتاك، بمختلف صنوفه وصوره.

فخير لكم يا أذناب الغرب وأذياله “ومنافقينا” أن نتحارب بالحبر والمداد، بدل السيف والسنان.

ولا يهمنا إن كانت الحروف أعتى إيلاما وبقاء أثر مؤلم مزمن، وإنما يهمنا أن تدركوا أن فينا لحمة “حية” فتفكروا مليا قبل ظلمنا، والخطاب موجه للمنافقين داخل أرضنا قبل الغرب البغيض، ذي المعايير المزدوجة غالبا.

قال الشاعر العربي قدما:

 جراحات السنان لها التئام

ولا يلتام ما جرح اللسان

الكتابة الصحفية الباردة مجرد انتماء مشبوه للساحة الصحفية من أجل معاش أو “بشمركة” أو توقيع اسم موقع أو جريدة، ضمن اللائحة الطويلة، وإنما هي ضياع للوقت والجهد، لا نريد التحامل، ولكني أريد القول بالصيغة المؤثرة التي تدر مكاسب ملموسة، وخصوصا في مجال الشأن العام، ولعل ما يقع اليوم من تحفظ الناشرين على وجه الإجماع تقريبا من ابتعاد من المقالات الجادة الصادعة بالحق، البعيدة، مضمونا وشكلا من التطرف والتنطع، يذكرني بقولة: عبد الله صاحب المرحوم الراحل تغمده الله بجنته وغفر ذنوبه وبدل سيئاته حسنات، صديقي التزكاوي الأطاري الكنوالي الصدوق العفيف الخلوق سيدي يسلم ولد اعمر شين، قالها عبد الله رئيس مصلحة مع المدير المذكور وفي أيام معاوية، يوم كانت المادة 11 والحرية أقل، رغم قلة المحاكمات أو انعدامها تقريبا بالنسبة للصحفيين، معشر الصحفيين المجال متاح لكم، لكن بعضا منكم يمارس المصادرة الذاتية، والحمد لله على الفيس بوس وتويتير رغم الموجة المتفسخة والإلحادية أحيانا المرفوضة من قبل كل المسلمين، والتي تناقصت لله الحمد، بحكم تقييد الشياطين في رمضان على الأقل ربما، فهذا الفيس، ذي حدين، وأهله أجرأ على النشر، ربما لغياب الرقيب الحاجز السجان المعاقب.

لقد تحولت الكثير من الجرائد العتيقة، القليلة الصدور في أيامنا، وكذلك المواقع، التي أحرزت الصدارة في الإعلام اليوم، بالمقارنة مع الصحف الورقية، أقول تحولت هذه المواقع والصحف إلى متاجر إعلامية، بدل المهنة الإعلامية الأصلية، فلا ينشرون إلا البارد “السارد” أو المدفوع الثمن، أحيانا، ولو كان فسقا بواحا أو قريبا من ذلك.

سبحان الله، ألهذا الحد يحجم كتابنا عن قول الحق الاجرد الناصع الملتزم بالقيود الشرعية الإسلامية، وليست دعوى المهنية الفاشلة عند “اكرد” مثلا الذي يحفظه أحد الزملاء في جيبه ومحفظته لأغراض شخصية جدا على غرار روابط شيخنا ولد النني السفير الحالي، ومدير إذاعتهم محمد الشيخ ونقابته المغرضة أيام زمان في عهد المخلوع معاوية. هؤلاء لا صلة لهم بالمهنية، ولا صلة لهم بالإعلام إلا شقه للاسترزاق الضيق، فأين هم عندما سجنا ونزعت ملابسنا ظلما واحتقارا وازدراء، نهارا في الوثبة، 60 كلم من أبي ظبي القهر وتسليم الصحفي لأول مرة في تاريخ الأعراب، من دبي نواكشوط، تونس الخضراء، إلى السجن مباشرة.

لا تنشروا، ولا تدافعوا عن مظلوم، وتنافسوا على المناصب والمغانم، فإنا بنصيبنا من الفقر والبؤس الشريف راضون، ومن واقعكم المحابي للسلطان -بصورة أو بأخرى- متبرمون.

إن الكتابة المؤثرة المثيرة أمارة الجرأة والتألم من الظلم، والحرص على البوح بالحق فحسب، دون زيادة أو نقصان، ومع الأخلاق والقيم طبعا، دون أن تمثل الحماية لشخصيات عمومية إعلامية أو سياسية أو تجارية.

فمن أصبح قادرا على التلاعب بحقوق الناس من موقعه الوظيفي أو نعمته المختبر بها، فذلك شخص جازت مراقبة تحركاته وسكناته بموضوعية وعدل وإنصاف، حتى لا يستغل تغلبه، فألسنة الخلق -ولو أحيانا- مداد الحق، ولا ينبغي الدفاع عن الشخصيات العمومية إن أخطؤوا وزلوا أو قصروا، سواء كانوا إعلاميين أو تجارا أو حكاما وغيرهم من المبتلين بالوظائف والنعم والمقامات الدنيوية الزائلة الخادعة.

ولترجعوا -احتياطا- إلى فقهاء لا يتلقون رواتب شهرية أو إعانات معروفة علنية أو سرية من الخزانة العمومية أو وزارة الداخلية أو غيرها من الجهات الرسمية أو الجهات الخارجية ربما، للحصول على فتوى نقية في هذا الباب الشائك، وإلا فإن الدين يستغل أحيانا للهجوم على البعض، وحماية ظلام وظلمة معروفين، بمكابرتهم ومجاهرتهم، بأنهم “بلا لحى ولا يكذبون”، وليس هذا هو الأشنع من تصرفات المشار إليه وتصريحاته غير المحسوبة، فما هذا الهجوم على السمت النبوي وتزكية النفس أيها الجاهل الأحمق، أم “النينك” قال إنك “رئيس الإسلام والمسلمين”.

أكتبوا بصراحة وتجرد وبالمهنية الصادقة، وليس بمهنية “اكرد” التي لا يحركها أي صنف من ظلم الصحفيين الأحرار الأطهار، وإنما تذيع بيانا نادرا، نفاقا وتزلفا للمهنية الكاذبة خدمة للفساد السلطوي أساسا، وما صنعوا أمرا ذي بال يفضي بسرعة إلى فك الأسير الحر الأبي اسحاق ولد المختار الذي يدعون متابعة قضيته، الذي يرأسها نفس الصحفي المتزعم لكذبة “اكرد” وخدعته.

فلماذا لا تتحدث عن أكل أخيك أيام كان في وزارة الصحة، السكوت عن “أكله” المفضوح القبيح، الذي شاع خبره في الأرض والسماء، وظهرت فوائده على ملبسه ومشربه ومسكنه ومركبه، لا يستحق مقالات في جريدة أو موقع أو عبر هيئة من نقاباتكم، التي تعارض لماما وتكتيكيا وتسكت غالبا، لتأكل وتسكت فحسب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى