موريتانيا: حاكم جائر ورعية خرساء

altلليوم الرابع يستمر إغلاق مؤسسة “آتلانتيك لندن كيت” تبعا لتفتيش ضريبي مسيس طبعا بمبلغ 250 مليون أوقية، ورغم تضرر المعني بالتحامل الضريبي محل الانشغال والمتابعة على نطاق إعلامي معتبر، إلا إدارة الضرائب لم تتنازل عن هذا التصعيد غير المبرر، ضد إحدى أهم مؤسسات التأمين الوطني، الذي تترتب عليه.. 

ليس فحسب لصالح أصحاب السيارات المؤمنة، وإنما الأكثر هشاشة جانب التأمين الصحي الذي تأثر عمليا بعد إغلاق المركز الطبي التابع للمؤسسة، بفعل تداعيات الأزمة الضريبية المريبة إلى أقصى المستويات.

وفي جو غريب يستمر توريط “محمد المختار ولد آبكه”، المعلم المقال من الوظيفة الإدارية (مستشار بوزارة التهذيب ومن الوظيفة العمومية)، رغم حصوله على إذن طبي موقع، رأيته بعيني، ولم ينتهي بعد مجاله  الزمني، بالمقارنة مع توقيت الإقالة المثيرة للجدل، لأنها جاءت ضد صحفي سابق ومعلم حاليا مكلف بدور استشاري هام في الوزارة المذكورة، ورغم سيرته المهنية النظيفة ظاهريا على الأقل، والمتهم بريئ حتى تثبت إدانته، إلا أن الدولة “المافيوية أو النظام المافيوي على الأصح والإطلاقان متقاربان تقريبا” لوقوع الإدارة كلها تقريبا، ضحية النفعية والتنفيذ الأعمى للأوامر، وليس المعايير القانونية أو التنظيمية الحاكمة للنظم والمجتمعات، المتمدنة، وسبحان الله، لم تحترم وزارتنا الموقرة مرض الزميل بالقلب!!!، فهل  الوزارة ومن يرأسها بلا قلب يحس ويشعر.

اللهم انتقم للمظلومين، الذين لا يجدون من معين إلا أنت، ورد عن زميلنا المظلوم المبتلى، المورط في التهم المفبركة، بحجة فحسب انه مقرب من التوجه الإسلامي المحظور، في الأنظمة المتحالفة مع “السيسي المتصهين” وعزيز على خطاه يسير في  مباركة ضمنية لما يقع في غزة،  من خلال الصمت الرسمي الإعلامي والسياسي المخزي لوزارة خارجية موريتانيا ورئاستها المغتصبة، ووسائل إعلامها الرسمية، المرتهنة للأسف البالغ في يد النظام الاستبدادي الاستحواذي الأحادي.

اللهم اظهر براءة ولد آبكه، وأشفه وألهمه طريق الصبر وسعة الصدر، واللعب بحكمة وتوازن مع العتاة الإداريين، المتغلبين علينا، فحسب، معشر الضعفاء، دون غيرنا.

اللهم نحن عيالك من الفقراء إليك، واللاجئين إلى عونك وحصنك ونصرك، وأنت القائل ” ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين”،  اللهم اجعلنا من هؤلاء بعد ظلمنا واستهدافنا باستمرار، واستر خطايانا وأهدنا سواء السبيل، ولا تقر فينا عين بعض الإعلاميين المتحاملين والفسقة وشذاذ الآفاق، اللهم آمين.

اللهم ثبت جندك وحزبك واجعلنا من خاصيتك وعبادك المخلصين -بفتح اللام- والمخلصين -بكسره-، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم أغنينا عن عبادك وانصرنا على القوم الظالمين والمتربصين، يا رب العالمين، يا ذا الجلال والإكرام، ربنا لا نصير لنا إلا أنت، وأنت القائل” أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء”  

إن السوء كله أن تشترك القمة والقاعدة في الرضوان والقبول بالظلم، الحاكم عبر ممارسته بجميع الطرق والمقادير، وظاهرا وباطنا وما بينهما، والرعية بالقبول والمباركة، وهو واقع موريتانيا في اللحظة التاريخية الراهنة، للأسف البالغ.

ولا غرابة ففي الأثر: “كيف ما تكونوا يول عليكم”.

هذا الواقع الذي يكرس تغلب المافيا في بعض غرف إدارة الضرائب، والتي ينبغي أن تحل وتتحول إلى إدارة لجباية الزكوات من المسلمين والضرائب المأذونة شرعا من المقيمين من غير المسلمين، وتغلبها أيضا –أي هذه المافيا- في بعض غرف قصر العدل وفي بعض لجان الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، وعموما في القطاع العام والخاص، كل هذا بسبب نقص التقوى والجهل بالحق، ولو كلف ضريبة ثمينة، مثل ما كلفه لعبد القدوس ولد اعبيدن وإخوته، عندما أصر شقيقهم ردحا من الوقت، ومازال ثابتا على ممارسة المعارضة السلمية الهادفة، المنفكة عن كره شخص بذاته، الساعية لرضى الرحمن وبناء صرح الحق وحده، وإزهاق الباطل وحده، وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا”.

إن التغيير على الأبواب، رغم تواطئ أغلب الإعلاميين بحجة المهنية الكاذبة والموضوعية الخادعة، وتواطئ أغلب موريتانيا بحجة مثلهم البغيض ” إلى ما نافق ما وافق” الذي تغلب ثقافة وممارسة في سائر أطراف موريتانيا الجديدة، موريتانيا الأعماق، وفي الحقيقة، فحسب موريتانيا، الظالم حكامها والساكت شعبها كله تقريبا، عن النهي عن الظلم والربا والزنا والدعارة وتزوير كل شيء تقريبا، أحرى الانتخابات، ومن باب أولى مسوغات ضرب “المعارضين” بالضرائب الخيالية وتشجيع الموالين والمتزلفين بالإكراميات والمشاريع المعفية من الجمركة تقريبا، وسائر صنوف المصاعب.

سبحان الله ما أشد ظلم هذا المسار، الذي هيمن على موريتانيا، منذ وجودها إلى اليوم، وهو نحو استفحال، دون تراجع طبعا!!!.

إذن السكوت عن مجرد النطق أو الإشارة ضد الممارسات الحرام والموبقات المختلفة المتنوعة، في الأخلاق والحكامة والأمن والخوف وغيره، هذا السكوت هو مجرد نتيجة تلقائية للخوف من السلطة الجائرة المتغلبة، وذلك ناجم عن نقص الوعي وذبول الكرامة، وكل ذلك مرده إلى تناقص أو نضوب التقوى والالتزام بقيم الخير والعدل والمنهج الإسلامي السمح الشمولي، فتستمر هيمنة الحاكم الجائر عقوبة من الله للعصاة الرافضين للدخول في حالة الإذعان والطاعة والتسليم لمنهج رب العالمين، العالم بالأصلح لعباده في الدنيا والآخرة.

سبحان الله، “كيف ما تكونوا يول عليكم”.

تأمل طويلا، أخي القارئ، لقد وصلنا إلى محطة جاز تلخيصها فعلا، دون حاجة لشرح طويل ممل: حاكم جائر ورعية خرساء، أي منعقدة اللسان وربما الجنان عن قول الحق أو مجرد الميل النفسي إليه، اللهم إني بريئ من ظلم ولد آبكه المستشار الإسلامي المريض المقال، وبريئ من ظلم أقاربي من أهل اعبيدن، أو غيرهم من المغرمين، في موالاة لم يلجؤوا إليها إلا تحت السياط وقد لا تقلل من ورطتهم، وإنما ستكبدهم معنويا وأخلاقيا، ليتركوا لنا مسبة الدهر، بحجة الحرص الزائد على بعض حطام الدنيا الزائفة الزائلة، وتبقى المحصلة المعنوية، للتدوين دنيويا وأخرويا، ولهم الحق في حماية ما لمصالحهم، كان قاسي الكلفة معنويا للأسف البالغ، وإنما ربما لقلة دربتي على خزن المال أفضل خسارة أبناء عمومتي المباشرين من أهل اعبيدن على مبادرة “أمل” ولين ومجون مهرجان الكيطنة الذي -رغم نجاحه نسبيا- بالغ في الفلكلور، على حساب الثقافة الواحاتية والمواضيع الجادة المثمرة مثل ثمرة النخلة المباركة عموما بكل تفاصيلها، المشبهة بالمؤمن  والذي قال فيه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر، كان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر كان خيرا له”.

إننا بحاجة للبراءة، على وجه التخلي قبل التحلي، وهو الترتيب السليم، من هذا الواقع المكرس فعلا لازدواجية ظلم النظام السياسي القائم الظالم وإجماع أغلب أهل موريتانيا، على مباركة الظلم الأفقي والعمودي، من قبل السلطة والأفراد والمجتمع، ضمن ازدواجية تحالف الحاكم والمحكوم ضد المظلومين، وهم المحكومون أنفسهم، فربما يكون المتضرر الأول الشعب برمته، قبل أن نخوض في حالة منعزلة، من هنا وهناك، لمجرد التبيين، وبالمثال يتضح المقال.

ولا ضير في التمثيل للتقريب، فهو مذهب قرآني وعقلي أصيل، مناسب تربوي ناجع، إن شاء الله.

إذن الورطة كبيرة وعميقة، لأن طلاب الحق والتغيير السلمي، المنشود بالحاح، المتهمين أصلا بعدم الجدية والجدوائية، يغالبون الأكثرية الساحقة فعلا ربما لا قدر الله، لكل رغبة مجهدة مرهقة للتغيير الصعب البعيد المنال، ولعل هذا الحال النفسي من مؤشرات النصر الوشيك، قال تعالى: “فجعل من دون ذلك فتحا قريبا”. وقال جل شأنه: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ”.

وفي تأكيد قدرة الحق المعضد بالإيمان والصبر والتجربة والأسباب على نصر الأقلية على  الأكثرية الظالمة، يقول ربنا في سورة البقرة: “وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين”

إن الوضع المحلي الراهن، الذي شاع فيه إصرار الأقلية الواعية الملتزمة نظريا وعمليا بإذن الله على منهج وطريق التغيير السلمي الجذري، رغم جور الحاكم وخرس ومباركة أغلبية الرعية وليس كلها، تحريا للصدق، مؤشر انتصار وشيك بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز.

يا عزيز.

بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة “الأقصى”

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى