عطلة الجمعة!

يبدو أننا نتعرّض لخديعة كبرى، ربما تتكشف بواطنها في قابل الأيام، لتعلن عن كوارث تراد لهذا البلد وقد يكون ما خفي منها أعظم وأدهى.

ليست هذه السطور تفلسفا ولا ترسّلا، بل هي كلمات نصح وتنبيه وقد تنفع يوم الحساب.

(قال وزير الوظيفة العمومية سيدنا عالي ولد محمد خونه إن الحكومة لا تملك أرقاما محددة تظهر الخسائر المالية التي يقال إن تعطيل العمل يوم الجمعة يسببها. و شكلت تصريحات الوزير مفاجأة للرأي العام لأن المبرر الرئيس الذي احتجت به الحكومة لتعديل العطلة الأسبوعية من الجمعة و السبت إلى السبت و الأحد كان الزعم بأن تعطيل يوم الجمعة يكبد الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة بسبب عدم مسايرة الأسواق العالمية.

ولد محمد خونه أكد أن القرار الجديد سيبدأ تطبيقه من فاتح أكتوبر القادم. و قد أثار القرار الذي سبق و أن طبق في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، ردود أفعال متباينة على مواقع التواصل الاجتماعي في حين لم يصدر حتى الآن أي رد فعل رسمي تجاهه.

(السراج الإخباري/ الخميس 11 سبتمر 2014). إن أثمن ما نملكه نحن أهل هذه البلاد هو الإسلام وهو هويتنا ومنهجنا ورؤيتنا للحياة بل للوجود. وإذا جُمعت لنا الدنيا بحذافيرها، مصلحة ومصالح وإصلاحا، ولم يوافق ذلك شريعتنا أو أضر بهويتنا الإسلامية، فنحن في غنى عن كل ذلك جالبا ما هو جالبه. ولنا في من تقدّمنا من هذه الأمة، سلف ومثل، وإلا فما وجه الخلاف بينهم وأرباب الغزو الصليبي قديما وحديثا؟ هل هو المال والبنون، أم هو العقيدة واللسان، أغلى ما يملكون من غابر الزمان! ولا عبرة بأي كلام في بلدنا هذا يجعل الدين مجرد شأن شخصي ينتظر صاحبه الحساب يوم القيامة، فهو رأي لا خطر له لأنه يناقض جوهر الرسالة الشاملة الكاملة الجامعة المانعة وروحها الماثلة في الشريعة المتجددة الواسعة التي تحميها سلطة جماعة المسلمين في كل بلد وهي ضمير الأمة المسلمة المحترمة والقيّمة على دين الله فهما وتطبيقا. وقد جاء في فتاوى العلماء ( أن اليهود لم يجعلوا يوم السبت مجرد عطلة وإنما هو شعيرة دينية عندهم والقاعدة العامة في شرعنا منع التشبّه بأهل الكتاب في عباداتهم وعاداتهم الخاصة بهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من تشبّه بقوم فهو منهم”، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبّه بهم، وهذا عام في منع التشبّه بهم فيما هو من خصائصهم في العبادات والعادات ومن ذلك التشبه بهم في أعيادهم ومناسباتهم الخاصة بهم، وقد جعل الله لكل أمة يوما من الأسبوع يتفرغون فيه للعبادة، فاختارت اليهود يوم السبت.. واختارت النصارى يوم الأحد … فلا يجوز لنا مشاركتهم في تعطيل الأعمال في هذا اليوم لما في ذلك من مشاركتهم في تعظيمه والمشابهة لهم في تعظيم هذا اليوم لاسيما وأنهم يعتبرونه يوم عبادتهم وعيدهم لا مجرد عطلة وراحة ولذلك عدل الصحابة في عهد عمر عن استعمال التاريخ الإفرنجي واستبداله بالتاريخ الهجري ابتعادا عن التشبه بهم ومشاركتهم في شعيرتهم فالواجب أن نُبْقى على عطلتنا في يوم الجمعة). أُعلن ذلك القرار في بلدنا هذا الذي يُعرف أهله بالكسل، ولذلك أصبح عليهم أن “يعملوا” لأربعة أيام فقط. بينما كان من الأجدى أن يُرغموا على العمل طيلة الأسبوع، بوإذا ترك لهم يوم للعطلة فالأنسب والأولى أن يكون يوم الجمعة وثيق الصلة بالدين والحضارة والذي يفيئ الناس فيه إلى ظلال الراحة تقْدمة لأداء صلاة الجمعة التي جاء في تركها وعيد شديد. واستشهدوا “في الحكومة” بالآية ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [  فسلكوا بها سبيلا معوجا، بينما يؤدي تدبّرها إلى معنى غير الذي أرادوا وهو أن يتركَ المسلمُ البيع (وهو النشاط الغالب وقتها ويدل اليوم على كل عمل منتج) ويفرغ لما خلق له وهو العبادة للخالق سبحانه، وهو ما لن يمْهد له إلا إذا نشط لذلك من صبيحة يومه بالغسل والأكل المُعين وراحة البال. هناك شيىء مريب في هذا القرار، ويبدو كما لو كان سياسة علْمنة متدرّجة “لإرضائهم”، لنكون مثلهم في كل شيئ، وأيضا من أجل مصلحة النظام وليس تيسيرا لمصالح المواطنين، بل جزء من سياسة التدرّج في تطبيق الأمور المرفوضة، جريا على سنَن “القواعد العشر” التي بسطها المفكر نعوم تشومسكي واعتبرها من “أسرار” الفتك الحكومي بالمشاعر العامة وعقول الناس. أما فقهاء “الإدارة”، فهم “يفتون” تحت الطلب، ولو في محظورات شرعية يصعب تجويزها واحتضانها. ولعلّ العامة خير منهم وأحسن مقيلا، لسلامة فطرتها وبعدها عن التصنّع والرياء والملق وأيضا عن الاتصال بالمخالف في الملّة من طرْف خفي! إنني لا أشك لحظة في أن دوافع النظام ليست عملية ولا اقتصادية، وإنما استجابة لضغوط خارجية و أمالي أجنبية، بل أخشى أن تكون حلقة أخرى في مسلسل طويل من النكوص عن القيم الإسلامية والوطنية قد يطال النشيد والعلم وربما نظام الدولة ذاته. فليوطّن “فقهاء الحكومة” و”وزراؤها” أنفسهم على ما سيأتي، لأنّ للحاكم “جُمعات تتْرى” في أمور قادمة أشدّ هولا وفظاعة، وحينها قد يفتشون بين “سطور خليل” فلا يلاقون شيئا، ثم لا يجدون محيصا عن تفويق السهام يمينا وشمالا، سبابا وشتيمة، أو نفاقا ونميمة، وحينها تنتفي المسوغات، وتعود هيْفُ إلى أديانها والله وراث الأرض ومن عليها. ولله الأمر من قبل ومن بعد كتبه عبد ربه الغني به حماه الله ولد السالم عند “بئر الخشبة” (أنّو آﮔشّظ) المحروس من البحر بإذن الله.

د. حماه الله السالم 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى