ترجمة لإحدى حلقات “موريتانيد” الراحل حبيب ولد محفوظ

altعزيزي الجمل،

أعلم مسبقا أنه من الصعب أن نكون جملا في هذه الآونة. فعملك القاسي يكفي لمنعك من التفكير في أي أمر آخر. إلا أنني متأكد من أنك ومن أعماق صحرائك ستصفح عني خطيئة بعث هذه الرسالة إليك.

في الواقع أكتب إليك من أجل أن لا أقول شيئا. إنه أمر ذكي فعلا, أليس كذلك؟

أولا اعتذر عن الاستشهاد أعلاه فليست له أية دلالة. جلي أن فيرباخ هذا ليس غبيا… أو على الأقل ليس غبيا أكثر من أي شخص آخر.. هذا لا يبرر أي شيئ. على الأكثر هذا يعكس عجزنا الذهني الراهن أن ننتج أي شيئ بأنفسنا لأنفسنا. لقد هبطنا إلى عصور وسطى من الفكر حيث تبقى المقولة “قال المعلم” [2] سائدة كما لم تسد من قبل وأصبحنا مستهلكين على مدار الساعة.. لكننا لا نستهلك إلا منتوجات فرعية, نفايات.. سامة..

فضاؤنا الثقافي مسرح كئيب يسير فيه شباب بشوارب نيتزشيه [3] على خطى شيوخ يرددون استشهادات من القرون الوسطى.

الكل يتحرك على هذا المسرح, يصرخ, يستفسر , يتهم, يرفض, يطالب, يفرض, يقف.. أمام قاعة فارغة. لقد ذهب الجمهور منهكا من هذه الحماقات. بينما يقوم أوركستر”النخبة” بإغراق هذه المهزلة في نشاز لا يستمع إليه أحد. أيها الجمل, ثقافتنا لم تعد أكثر من قطعة ورق.. في حوض مرحاض.

أصبحنا سادة الحماقة والتمثيل. شعاراتنا هي : الصحافة, الخضوع للقواعد الأخلاقية, الرخاء الفكري, الاجترار والتكرار بدون وعي.

إننا ننتشي بالبدائل المستوردة ونلتهم الايديولوجيات المعدة في “ماكدونالوهات” [4] الرداءة العالمية ونجتر علكة لفظها آخرون منذ عهد طويل.

أيها الجمل, اننا نقتني ملابسنا في محلات الألبسة الجاهزة وأفكارنا في محلات الفكر الجاهز. كل هذا لأخبرك أنني لجأت إلى الماني لأعبر عن فكرة كان بإمكان أي جمل أن يكتشفها وهو يجتر. سامحني عزيزي لقد أضعت عليك سنين عديدة من وقتك الثمين.

الحمد لله أنك لا تمتلك ساعة لحد الآن.. ذلك الشيء الشيطاني الذي نستخدمه لضبط الوقت والذي أصبح يتحكم في حياتنا إلى درجة أني أتساءل هل الساعة هي التي اكتشفتنا.

بالمناسبة هل تتابع بانتظام دروس محو الأمية؟ لا تقل لي أنك كنت تقرأ وتكتب، فلن أصدق. أعلم كم هو محبط للبالغ أن يخرج من عزلته ورخاءه الأبله ليتعلم القراءة والكتابة. نتساءل دائما ماذا يجدي التعليم في هذه المرحلة من العمر.. خصوصا إذا لم تكن هنالك أهداف من وراء هذا التعليم. ومادمنا في هذا الموضوع قم بتسجيل جدتك فسيمكنها ذلك من الاستماع للأخبار على إذاعة موريتانيا مساء الأربعاء.

عزيزي الجمل, ما عدى ما ذكرت كل شيئ على ما يرام, ابن أخيك بخير, التقيته مؤخرا وأخبرني أنه تجول كثيرا: الخليج, ليبيا, السنغال. لقد عمل سائق تاكسي وهو عمل مربح, التاكسيات نادرة في انواكشوط والطلب عليها كبير لذا اقترحت مؤخر على أحد المسؤولين السامين أن يكون الأشخاص هم من يقلون السيارات مما سيكون أكثر جدوائية اقتصادية ويحل المشكلة نهائيا..

سمعت مؤخرا انه ابتداء من 89 فسيكون لزاما حيازة رخصة لسياقة الجمال ولك أن تتصور جملا يخضع لتفتيش الشرط ويتوقف عند نقطة التوقف والضوء الأحمر ويثني زمامه لحمل شابة حسناء قرب السوق. سيكون أمرا عظيما. لنتوقف عن الأحلام ..تضحك؟ انت تضحك ياعزيزي الجمل ولست محقا في ذلك.. ببساطة لأن هذا العيش يروق لي. لأنه ليس سوى مرحلة انتقالية مؤقتة ستختفي من تلقاء نفسها… لأن الوضعية فعلا صعبة لكنها غير ميؤوس منها… لأن رجالا ونساء مازالوا يؤمنون بدولتهم رغم الدعاية البلهاء والخطاب الغامض والاديولوجيات العتيقة.والتحليلات المحسومة النتائج سلفا… رغم الغرامات المصدرة في حق الجمال ومحو أمية الأبقار وبيع الزبل في السوق وفرض حمالات الصدر على الماعز… رغم السمك الذي نصدره لكي نستورده من بعد…وحديدنا الذي نبيعه لنشتريه بعد ذلك…رغم رجال أعمالنا الذين ليست لديهم أعمال… ومديرينا الذين لايديرون أي شيء… رغم ملاك الملايين الذين يتسولون… ورياضيينا المعاقين… نعم أيها الجمل لدينا الأمل ونحن محقون في ذلك.

أيها الجمل… لا شك أنك تشعر بالضجربين كثبانك الناعمة ونجومك الكئيبة… هيا ارتحل إلى انواكشوط واصطحب معك أسرتك وجيرانك وإذا تطلب الأمر ذلك أحضر راعيك ذلك المعذب السادي… هيا خد ورقا من الجرائد وبرميلا وعلبة وابن كوخك حيث شئت… إنني أراك بمشيتك المتعجرفة في سوق المقاطعة الخامسة بين باعة الدراريع وباعة الملاحف… تصرف كما يتصرف الجميع فأنت موريتاني… لا أبا لك…

لا تنس بطاقة تعريفك وجنسيتك وشهادة تبريزك وطابعا من نوع 50 اوقية تختم به مشفريك…

أيها الجمل, أخي الجمل.. لا تأت إذا شئت سأتفهمك, سنتفهمك. لقد سكرنا مثلك من تلك الفضاءات الشفافة والزرقة اللامتناهية وشربنا مثلك من ضوء القمر…أبصرنا مثلك السراب وبحثنا عن أماكن بعيدة لاوجود لها إطلاقا…وقد خلصنا أن الشعر هو من ضرورات عالم ليس هو عالمنا… ثم انصرفنا…

عزيزي الجمل, انكشف الأمر أن دولتي وشعبي عبارة عن قصيدة طويلة … طويلة وغير مكتملة…قصيدة حية تصنع نفسها بنفسها وتجدد نسيجها من نسيجها وتتنفس حياة نابضة على ايقاع عطرها الخاص…وأنا وأنت ونحن في نهاية المطاف, لسنا سوى خونة… تحياتي.

ترجمة: موقع انيفرار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى