حوار على نعش الجمهورية / سيدي علي بلعمش

ما يقوم به ولد عبد العزيز اليوم،  عملية تقليدية في شكلها متطورة في مضمونها؛ تقليدية لأنها تستهدف إلهاء الساحة و شق صفوف المعارضة و مشاغلة الرأي العام .. و متطورة لأنها أدخلت الجميع (معارضة و مولاة و غيرهما) في لغز حقيقي،  يتجلى ذكاؤه حتى الحين في إتقان عملية التكتم على أسراره و هو مؤشر واضح على أن ولد عبد العزيز ينصب فخا للمعارضة. و لأنه لا يملك المهارات الاحترافية لإجبارها على العبور من ممر فخه، فتح لها جميع الأبواب و وضع أصبعه على زر التفجير عن بعد في انتظار مرور من يستهدفه ..

ـ انقسمت المعارضة إلى طائفتين : ـ  طائفة تعترف بأنها لم تفهم ما يريده ولد عبد العزيز لكنها تعتبر رفض أي حوار ردة سياسية و تحجر فكري ، مبررين هرولتهم إليه بأن الحوار أصلا غير ملزم؛ إذا استطاعوا من خلاله تحقيق مكاسب وطنية مضوا فيه و إذا لم يحصلوا عليها انسحبوا منه و أثبتوا للنظام بأنه غير جاد و للجمهور أنهم أدوا الأمانة . و ليس من حقنا أن نشكك في صدق نواياهم أو نسفه اختيارهم أو ننقص من قدراتهم الذهنية و التحليلية و تجربتهم السياسية  الواسعة و إن كنت شخصيا آخذ عليهم أن تجربتهم أصبحت واسعة جدا إلى درجة أن كل شيء أصبح يمر بها من دون أثر ، لكنه عليهم في المقابل و قد قرروا الذهاب إلى الحوار لأسبابهم الخاصة، أن لا يحاولوا شخصنة مواقف الطرف الآخر و لا شيطنتها و لا وصف شروطه بالتعجيزية  لا سيما أن ولد عبد العزيز نفسه قال بعد وصفهم لهذه الشروط بالتعجيزية ، إن حواره بلا خطوط حمراء و هو ما أفهم منه شخصيا أنه مستعد جدا  للتعاطي ـ على الأقل ـ مع هذه الشروط و إذا صح ذلك لن يعني سوى أنه لا يريد حوارا من دون من طرحوا هذه الشروط و لا أحتاج إلى تفسير البقية … ـ  و طائفة (التكتل، إيناد، التجمع من أجل الديمقراطية و الوحدة، المستقبل و الطلائع )، لا يهمها ما يريده ولد عبد العزيز بقدر ما يهمها ما تريده هي و لا تلزم ولد عبد العزيز بشرح أسبابه لكنها تلزم نفسها بشرح أسبابها للجمهور :  1 ـ ولد عبد العزيز هو من كان يصفهم في حملته قبل أشهر بـ”فلة من المجرمين” و بصريح اللفظ و كانوا ينتظرون منه أن يدعوهم للمحاكمة أو يحيلهم إلى السجن مباشرة بعد أن أصدر حكمه عليهم من دون محاكمة و هو الرئيس الأعلى للقضاء. و تدرك هذه الطائفة أن السيد الرئيس الأعلى للقضاء هو المجرم و تملك كل الأدلة الجنائية ضده (50 مليون السعودية، تسجيلات آكرا، صناديق كومبا با، اتهامات مامير، بيت رملة، صفقة السنوسي، صندوق أجيال المستقبل، صفقة مصنع الطائرات الموريتانية، أموال القذافي، عمولات شركات الذهب ، صفقة الصيد مع الصين، صفقة مطار نواكشوط، جريمة مدرسة الشرطة ، جريمة بلوكات، جريمة المركب الأولمبي و لا تكفي أي عارضة في الوجود لإحصاء جرائم ولد عبد العزيز…) و ترى هذه المجموعة التي يصفها بالمجرمة أنه لا يمكن أن يدعوها لحوار وطني كأطراف سياسية محترمة (المسافة بين “فلة” المجرمين و الشركاء السياسيين لا تمحى بورقة هزيلة بلا رأسية)، لهذا فهي ترى أنه يدعوها ـ إذا كان جادا ـ للدخول في نادي إجرامه الدولي  و هو مشروع غير مغري لها في ما يبدو !!! 2 ـ لقد انتهى ولد عبد العزيز لتوه من ترتيب بيت الحكم على المقاس : انتخابات بلدية و نيابية ، منحته أغلبية برلمانية مريحة .. انتخابات رئاسية نجح فيها في الدور الأول بنسبة (ديمقراطية)  و  بفارق أربعة أضعاف مع من يواليه .. تسليم زعامة المعارضة لأول مرة في تاريخ البلد لمن يختاره النظام .. الخروج من رئاسة الاتحاد الإفريقي من دون فضيحة مالية (و هي سابقة في حياته، من واجبنا أن نشكره عليها باسم الوطن و نتمنى أن لا نصحو  في أحد الأيام المقبلة على بعضها).  فلماذا ـ بعد ترتيب كل أموره على المقاس ـ يرمي ولد عبد العزيز بكل هذا في الزبالة و يطل علينا فجأة بهذا المشروع المتهافت، مطالبا بإعادة الانتخابات البلدية و النيابية و الرئاسية و حوار بلا خطوط حمراء و لا أي سقف موانع  و في أسرع وقت ممكن؟ أليس هذا التساؤل في محله؟ أليس الوقوف عنده هو التصرف المنتظر من أي عاقل؟ ما زالت هذه الطائفة من المعارضة، تنتظر أن تجد جوابا لهذا السؤال الجوهري لتقرر أن تفكر في أمر الحوار من أي زاوية.. و حسب آخر معلومات، فإن نواب الاتحاد من أجل نهب الجمهورية يعلنون منذ يومين العصيان على حوار ولد عبد العزيز و على كل المسلسل الذي تقدم به و قد فشلت حتى الآن كل محاولات إقناعهم من قبل وزير  النقل الأول بالعدول عن قرارهم .. و في الأيام الماضية اجتمع أكثر من 40 عمدة من الحوضين في منزل أحدهم بتفرغ زينة للتشاور حول ضرورة البحث عن وجهة سياسية بديلة لمغارة علي بابا . و حين تصل الأمور إلى هذا الحد يدخل ولد عبد العزيز في مربع نهايته القاتلة: إذا تراجع إرضاء لهم تحكموا في قراره و تحول إلى لعبة في أياديهم و إذا لم يتراجع ذهبوا إلى الوجهة المعادية له و لن تكون قطعا “المعاهدة” الأولى و لا الثانية .. !!! 3 ـ ترى هذه المجموعة أن ولد عبد العزيز شخصية غير طبيعية و غير سوية و التعامل معه كرئيس دولة يجعل الوطن في خطر حقيقي ، لهذا فهي ترفض الاعتراف بشرعيته حماية للدستور و تتحاشى الاصطدام غير محسوب العواقب معه حماية للوحدة الوطنية . و ترى أن أفضل طريقة للتعاطي مع حالته هي تركه حتى ينهار نظامه على رأسه كما يحدث الآن ، لأن بوادر ما يفكر فيه ولد عبد العزيز أصبحت مرئية و خطيرة و هو يبحث الآن عن طريقة لتفجير حقل الألغام الذي زرعه . و التعامل معه من دون قراءة واضحة لما يريده قد تكون مساهمة في تفجير الوضع بالطريقة التي يريدها و هذا أكثر من مبرر كافي لفهم أسباب رفض تعاطيهم مع ما يصدر عنه .  لكن لماذا يعتبرون و لد عبد العزيز شخصية غير سوية  و قادرة على ارتكاب أي حماقة ؟ رغم أنني لست على تماس من أي نوع و لا بأي درجة مع هؤلاء ، إلا عبر ما يصدرون من بيانات و ما يتسرب من أحاديثهم، الملغومة عادة بأضعافها من تشويهات الأجهزة الأمنية، إلا أن اهتزازات عقل ولد عبد العزيز لم تعد تخفى على أحد : ـ لقد دخل ولد عبد العزيز في ألف متاهة من تزوير و  تحايل على القانون و تجاوز للدستور ليصبح رئيسا شرعيا للبلاد و حين حصل على هذه الشرعية ـ حتى لو كان البعض يرفضها ـ رماها في الشارع  و أصبح لصا مطاردا ، يرتهن مواطني البلد و يهدد بنسف كل شيء إذا اقترب منه أي أحد .. ـ هذه الشرعية التي يبدو أنه حتى هو لم يصدقها،  منحته مكانة القائد الأعلى للقوات المسلحة، فتنازل عن قيادة جيش كامل و فضل قيادة كتيبة “بازيب” و هي قوة دفاعية من 1700 جندي، عادية التكوين، أكثر عناصرها من المرتزقة الأجنبية حسب البعض، بلا قضية و لا دوافع ، رموا أسلحتهم و ثيابهم أمام فرسان التغيير و تركوا قائدهم (النقيب اوداعه) وحيدا ليلقى حتفه في المواجهة .. ـ  بموجب هذه الشرعية أصبح ولد عبد العزيز الرئيس الأعلى للقضاء فتحول إلى المطلوب الأول للقضاء في هذا البلد .. ـ بموجب هذه الشرعية أصبح ولد عبد العزيز رئيسا لكل الشعب الموريتاني فتنازل عنها و أصبح عدوا لكل معارض و خصما لكل صاحب حق و منافسا لكل تاجر و مزاحما لكل سمسار.. ـ و بموجب هذه الشرعية حصل ولد عبد العزيز على أغلبية برلمانية لم تعص له أمرا في يوم من الأيام و ها هو يرميها الآن في الزبالة من دون حتى  أخذ رأيها في الأمر.  لقد تورط ولد عبد العزيز حتى أصبح طريق النجاة الوحيد أمامه هو أن يورط الجميع معه مثل ما فعل لمسعود و إذا كان في هذا ما يغري البعض، فما عليهم إلا الالتحاق بالركب لأن الطريق سالك و مفتوح لهم على مصراعيه . هذه هي الحقيقة التي لا غبار عليها . إن من يتعامل مع ولد عبد العزيز كرئيس يتجنى على موريتانيا و على شعبها و تاريخها ، فدعوا ولد عبد العزيز ينهي مأموريته الثانية إذا كان يستطيعها ، حينها سينتهي تاريخ ذخيرة مسدسه الذي يشهره في رأس المجتمع و يخرج قلعة “بازيب” رافعا أيادي الاستسلام.. دعوا من يهرولون باتجاه عزيز يأخذون معه صورا تذكارية على خشبة العار .. و إلى حين ذلك الوقت، يجب  أن تشكل المعارضة أو ما تبقى منها، جهاز متابعة متخصص و قوي و قادر على الوصول إلى أي معلومة لأن  عزيز و مقربيه ينظمون عملية استنزاف أموال البلد  منذ فترة طويلة خاصة منذ “الطلقة الصديقة أو طلقة الصديقة” و تهريبها إلى الخارج و لن يتطلب استرجاعها أكثر من يومين إذا استطاعت هذه اللجنة تقصيها بطريقة جيدة : إنهم يجهلون أن الزمن تغير و يجهلون أن الطرق العلمية تكفي  حتى بعد 20 سنة ـ لتعقب أي فلس يخرج من الدولة و يجهلون أن  البلدان التي يكدسون فيها أموالهم ستكون مستعدة و ملزمة بردها في أي لحظة و بتسليمهم في الأغلال.. إن من يحولون مدرسة الشرطة إلى دكاكين و الملعب الاولمبي إلى فنادق و “بلوكات” إلى عمارات شاهقة ، معتقدين أن منح سنيم و البنك المركزي قطعا منها يكفي للتغطية على استلابها ، عقول بدائية ، لا تستطيع بتفكيرها الساذج مغالطة شعب مفتوح الجرح ، حرمته عقدا من الزمن من أي شكل من الاستقرار.. و من الأفضل لمعارضة تفرقها كذبة من ولد عبد العزيز، أن تتشتت لأن بناء مشروع مجتمع على أسس بهذا المستوى من الهشاشة  و التنافر أسوأ ألف مرة من نظام ولد عبد العزيز. و صحيح أن نظام ولد عبد العزيز الأسري دمر أهم ما بنته الأجيال السابقة خلال أكثر من نصف قرن من الزمن لكنه أعطانا أهم ما كنا نحتاجه لبناء دولة قوية لأنني متأكد أن أي مسئول ـ بعد ما ارتكبته هذه العصابة من جرائم في حق شعبنا ـ لن يتجرأ بعد اليوم، على التفكير في مد يده على فلس من المال العام و هذا بكل تأكيد هو أهم ما نحتاجه لتعويض موريتانيا مرارة هذه العشر سنين الأليمة.. و في خطوة قد تكون ذات علاقة بما يجري على الساحة السياسية اليوم من أمور غامضة، أصدر عزيز أوامره بسحب جل نقاط التفتيش الأمنية على الطرق الداخلية، في وقت تحدثت فيه بعض وسائل الإعلام عن تواجد ـ ما بين الملحوظ و المكثف ـ لقوات من داعش و بوكو حرام و القاعدة، تسرح و تمرح على حدودنا الشرقية و هو إجراء نشك في براءته تماما كما نشك و نشكك في براءة إرسال خيرة نخبة جيشنا و أمننا لحفظ السلام في بلدان إفريقية، تحولت بلادنا بعد ذهابها ـ دون سابق إنذار ـ إلى مسرح مفتوح للجريمة و بشكل شبه منظم؛ فأكثر من يمارسون عمليات الاغتصاب المرعبة و السطو المسلح الغريب على بلدنا، في وضح النهار و في سياراتهم الفخمة ملونة الزجاج غير المرقمة، كلهم من أبناء الضباط السامين و “النخبة السياسية” المتحكمة و البرجوازية الجديدة  المنتقمة من المجتمع، المعادية لقيمه.. و حين يصبح ضابط الشرطة يقول لك بالصريح لا أستطيع أن أفتح لك محضرا ضدهم لأنهم أقارب عزيز فإما أن تأخذ الناس أمتعتها و تذهب إلى بقعة أخرى من أرض الله الواسعة و إما أن تشكل عصاباتها و تسلحها و تدربها و تستعد للدفاع عن كرامتها بنفسها . و قد أصبحت بعض مناطق نواكشوط اليوم تجمع شبابها و تكلف كل ليلة مجموعة منهم بحراسة حيهم بسبب غياب الأمن و انعدام ثقة المواطن في الدولة. لقد وضعتنا هذه العصابة أمام خيارات “السيبة” بعدما فهمت أنها تجاوزت الخطوط الحمراء في كل شيء و أنه لم يبق أمامها من حل غير سياسة الأرض المحروقة ؛ أفلا تفهمون أسباب انزعاجنا من هرولتكم اليوم نحوها؟ إن من يتكلم اليوم في موريتانيا عن التناول الديمقراطي و الخيارات السياسية و صحية اختلاف وجهات النظر ، لا يمكن أن يقصد في قرارة نفسه سوى مسألة واحدة هي محاولة تبرير استسلامه لأمر هذا الواقع المخزي و ليس في الأمر أي جديد؛ هناك من البشر من يفضلون العيش في الذل على الموت  و هناك من يفضلون الموت بكرامة على أي حياة ذليلة و هذه هي الخيارات الوحيدة المفتوحة أمامنا اليوم و يكذب و يخادع من يقول لنا إن ما يفعله خيارا آخر .. و لكي نوضح أكثر صورة ما يحدث في موريتانيا ليكون الجميع على بينة منها و ليفهم الجميع أننا لا نهذي بكلام معادي لولد عبد العزيز لا قيمة له و لا أساس، لا بد من كشف الحقائق الخطيرة التي تجعل التعامل مع ولد عبد العزيز جريمة في حق الوطن من منظورنا : ـ لقد قام ولد عبد العزيز بتنظيم قوة من ذويه تدربوا في شرطة و جيش الإمارات و أمدهم بالمال و السلاح ليكونوا جهازا أمنيا مرتبطا به شخصيا .. و رخص ولد عبد العزيز شركة أمنية لولد باهيه من 2000 عنصر متقاعد من الجيش و الشرطة و الدرك و الحرس و سلحهم و نظمهم  و عبأهم بالوفاء لنظام ولد عبد العزيز (عودوا إلى فيديو فضيحة ولد بايه)  . و يتم استغلال هذه القوة لنهب خيرات البلد من جهة و تشكيل مليشيا مسلحة للدفاع عن النظام عند الحاجة من أخرى .. و بدعوى إعداد قوة خاصة لتأمين مطارات موريتانيا التي لا تطير منها جرادة ، يقوم قائد الطيران العسكري باكتتاب و تدريب وحدات عسكرية في مراكز تدريب على طريق أكجوجت، لا أحد يعرف كم بلغ عدد المكتتبين فيها و لا طبيعة انتمائهم القبلي .. و منذ مجيئه إلى السلطة أغدق ولد عبد العزيز بالعطايا على مكتب الرماية التقليدية و حوله إلى اتحادية لا تخضع للاتحادية العامة للرياضة في تجاوز صارخ للقوانين المنظمة للرياضات في موريتانيا و حسب علمي أن موقفه كان سلبيا من هذه القوة الغامضة أيام الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله. و تتشكل اتحادية الرماية من عدد كبير من فرق القناصة المحترفين، تمدهم القيادة العامة للجيش بالذخيرة  و الكادر الفني و أكثرهم من البرلمانيين و العمد و الوزراء و الأمناء العامين و مدراء المؤسسات الوطنية و رجال الأعمال و التجار و هي طبقة لا يحتاج أحد إلى النبش في علاقتها بولد عبد العزيز و من يرى تجمعاتهم في إحدى دوراتهم الداخلية و ما يصاحبها من بذخ يدرك بسهولة أنهم أصبحوا دولة داخل الدولة.. فهل من يعد هذا على الأرض و يحول ثلث مدرسة الشرطة إلى محلات تجارية  و نصف الملعب الأولمبي إلى منتجع سياحي خاص، يفكر في تسليم الحكم للمعارضة و الذهاب مثل ولد هيداله للجلوس في بيته؟ إن سياسة إضعاف الجيش و الأمن و تهميشهما و تقوية المليشيات المنظمة و تدليلها أصبح أمرا واضحا، لا يمكن التغافل عنه . و أي حوار مع عزيز لا يشترط أصحابه حل كل هذه المليشات هو حوار على نعش الجمهورية .. إننا نساق إلى جحيم حقيقي و إذا لم نكشف هذا الوضع و نعزل أهله و نعري كل حقائقه، ستدخل البلاد قريبا في مرحلة التصفيات الجسدية و الترهيب الفكري لكل من يقف في وجهه و كل من يشير بكلمة إلى خطورته و قد كانت قضية حنفي و أولاد  لبلاد و بعض أفراد عائلة أهل اعبيدنا، بداية واضحة لدخول هذه المرحلة و لن تكون هذه الحالات الأخيرة بكل تأكيد لأنهم دخلوا مرحلة التناقضات الكبرى: السيطرة على كل شيء و اليأس من الاستمرارية، لأن المنتدى الذي يحاولون تفتيته اليوم، استطاع بالفعل أن يحشرهم في زاوية ضيقة في الأشهر الماضية  حتى تراءى لهم بوضوح كل ما ينتظرهم في المستقبل القريب. و تهدف هذه اللعبة اليوم إلى تفكيك المنتدى لكسر هذا الطوق الذي بدأ يضيق عليهم بالتدريج . أتحتاج هذه الحيل البسيطة إلى عقول عبقرية لفك طلاسمها؟ لماذا يرمي ولد عبد العزيز كل نظامه في زبالة التاريخ و يطلب محاورتكم ؟ و إذا كنتم بذلتم جهودا مضنية لزعزعة نظام ولد عبد العزيز، لماذا تتنازلون عنها اليوم و ترتمون في أحضانه تماما مثل ما فعل هو لأغلبيته؟ إذا كان ولد عبد العزيز انزعج إلى هذا الحد من مقاطعتكم له و صمودكم في وجهه ، فكيف تتنازلون له عن سر قوتكم بالهرولة إلى حوار سيقودكم حتما إلى مصيدته؟ ألا تذكركم أسبابكم و مبرراتكم اليوم بأسباب و مبررات “المعاهدة” قبل فترة وجيزة؟ أتوقع ـ إذا شاءت الأقدار لهذا الحوار أن يتواصل بينكم و بين ولد عبد العزيز و هو ما أتمناه ـ أن لا تخرجوا منه إلا و قد اصطفت موريتانيا بموالاتها و معارضتها و غير مهتميها، خلف من فضلوا محاورة ضمائرهم و الأيام أمامنا .. تأكدوا جيدا أن الأمر لو كان بيد ولد عبد العزيز لما حاور أي أحد لكن المجتمع الدولة لم يعد يقبل نظامه المهدد لأمن المنطقة ؛ مهدد لتماسك موريتانيا و مهدد لاستقرار جيرانها و هذه هي الحقيقة الأكبر، المغيبة في هذا الحوار .. و من الواضح الآن أن ولد عبد العزيز يتحرك على خارطة تعليمات ملزمة، تم إملاؤها عليه من قوى خفية لا يستطيع تعديل فاصلة فيها، بما يذكرنا بما قالته أمريكا للرؤساء الأفارقة في القمة الأخير ّإما أن تتغيروا و إما أن تغيروا” . و هذه فرصة وطنية كبيرة يجب استغلالها و التخلي عن المشاريع الفردية الضيقة التي أنهكت بلدنا و أفسدت عقول نخبنا و حولت بلدنا إلى سخرية يتندر بها الجميع: يعتقد الموريتانيون أنهم معفيون من منطق الكون و قوانين الجاذبية و أنهم يستطيعون تبرير كل شيء و عكسه بالكذب و التأويل و الإيحاء :  المعارض اليوم معروف و غير المعارض معروف و من يحاول المشي على الحبلين معروف و ما يدور في عقل كل واحد منهم معروف و ما يخشاه بعضهم و يسعى له البعض معروف : ـ المعاهدة  ليست معارضة و هي من اختارتها .. “المعاهدة” تم تشكيلها لتكون بازيب ولد عبد العزيز السياسية أي أنها أخطر بكثير من الموالاة . و حين فشلت في مهمتها تم تجاوزها من قبل ولد عبد العزيز و لم تعرف كيف تعود إلى المعارضة ، لا لأن المعارضة ترفضهم و إنما لأنهم يصرون على التمسك بكذبتهم .. ـ “تواصل” تجار شنطة يحملون تجارتهم على أكتافهم و يطوفون بها من دون دفع ضرائب و لا أتعاب تأجير و من يحاول أن يقنعهم بالالتزام السياسي كمن يحاول إقناعهم بتأجير محل و سواء رفضتهم المعارضة أو قبلتهم، ستظل طوابير حمالتهم تطوف بهم كما تطوف على غيرهم ، من دون أن يحملوا الصفة الشرعية للتاجر أو الزبون؛ إذا كان بعض المعارضة “يريد محاكمة ولد عبد العزيز” يا جميل منصور و هذا هو أكثر مطلب شرعية على وجه الأرض، فإن بعضها يريد الدفاع عنه و لا أدري أيهما أدعى للتهكم و لا أيهما أقرب لدور و واجب المعارضة..  ـ أغلبية ولد عبد العزيز هي  ولد التاه و ولد محمد لغظف و امربيه ربو و ولد باهيه: هل يستطيع ولد محم أن يقول إنه يعرف ما يريده ولد عبد العزيز من هذا الحوار أو أنه يشاركه في الطرح و الرأي؟ .. هل تستطيع أحزاب الأغلبية أن تقول إنها علمت بحوار ولد عبد العزيز قبل نشره في وسائل الإعلام ؟ هل يستطيع ولد حدمين أن يقول إن ولد أتاه يشعره بأسفاره إلى الخارج و المهام التي يسافر من أجلها؟ على الموالاة  ـ حين ترفض المعارضة الحوار معها ـ  أن تفهم أن ولد عبد العزيز هو من يقزمها و يهمشها ، لا المعارضة، فلماذا تنتظر من المعارضة أن تعطيها ما ضن عليها عزيز به و رضيت به هي لنفسها؟ ـ على مسعود أن يفهم أنه هو من أقصى نفسه من المعارضة ..  مسعود لم يعد رئيس البرلمان بل أصبح موظفا للدولة و عليه أن يتذكرها جيدا و أن يفهم ما يترتب عليها من أمور ..  لا يمكن لمسعود اليوم أن يحتل صفة الوسيط و لا صفة المعارض و لا صانع المبادرات الوطنية المنزه. رغم كل ذلك ، ظلت المعارضة تجامله و تحترمه كشخية وطنية هامة و كانت الأغلبية هي من لفظته و قالت إنه غير مهم .. كان ولد عبد العزيز يريد أن يصنع دولة من الأكاذيب على مقاس عقله و كما كان يفعل في مرآب الجيش  بحذف كل قطعة أصلية و استبدالها بأخرى مزورة ، همش الجيش و أذل قادته و أستبدله بكتيبة  بازيب . همش وزارة الداخلية و أفرغها من صلاحياتها و أستبدلها بالحالة المدنية .. همش ولد الغزواني بعد طلقة صديقته و حوله من قائد عام للقوات المسلحة إلى منسق عام للجيوش.. همش الأمن و استبدله بشرطة مسقارو .. همش الأغلبية  و استبدلها بتكيبر و ولد اتاه و أحميده و ولد محمد لغظف .. همش المعارضة و استبدلها بالمعاهدة .. و حين غير ولد عبد العزيز كل أجزاء الدولة الرئيسية و أراد أن يجلس تحت عرش عبقريته بدأ البناء الجديد ينهار فوق رأسه ، فبدأ يعيد  بعض القطعة بانتقائية إلى مكانها : رد الشرطة و رمى “كتيبة مسقارو” و الآن يحاول رد المعارضة و تهميش “المعاهدة” و إذا تواصل تمرد نواب الأغلبية و عمدها سيلجأ حتما إلى ردها إلى مكانها . و المطلوب من المعارضة الآن هو أن ترفض  أي تعامل مع ولد عبد العزيز قبل استرداد جميع قطع الدولة الأصلية التي سرقها إلى أماكنها. و مشكلة ولد عبد العزيز اليوم أنه استبدل قطع الدولة الثقيلة في وقت كان يتمتع فيه بكامل قوته البدنية و عليه اليوم أن يستردها بعدما فقد 90 في المائة من قوته و احتل اليأس منه مساحة الاندفاع. و صحيح أن ولد عبد العزيز لم يرحم الناس و لم يرحم نفسه لكنني أشفق عليه حقا و أحتار أحيانا مما يجلب لنفسه من شرور و عداوات كان في غنى عنها : ما حاجتك إلى كل هذا المال؟ ما حاجتك إلى جبل المظالم الذي تدفع منذ وصلت هذا الكرسي اللعين إلى قبرك؟ ما حاجتك إلى هذه الأبهة الزائفة التي يدفعك المنافقون إلى الموت على خشبة تهريجها ؟  ما أعظم المتنبي حين يقول : “ولم أرَ فى عيوب الناس شيئًا         كنقص القادرين على التَّمامِ”  

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى