طيش الطفولة.

بقلم: الدهماء

الزمان أنفو _
…..
يقال إن الأنثى ذكية بالولادة والرجل ذكي بالممارسة، أترفَّقُ بمن سيندفع للتصديق أو التكذيب.

نظرتْ إليَّ ابنتي متسائلة: متى بدأتِ سياقة السيارة؟!
طبعا هي مدركةٌ أني أعرف أنَّ استفهامها المفخّخ غير بريء، ..

لم أكن بطبعي متهورة ولا “مرموحه”،.. بل كنتُ حساسة جدا لما يُحسب ضدي، ومع ذلك مارستُ بعض التهور وبعض “الرَّمحه” حتى آخر قطرة.
داعبتُ مقود السيارة في سن السادسة عشر، وكانت السياقة من أحلامي الـمُعجَّلة، فحظيتُ خلسة بدروس من مُحسنين من الأسرة، ومن وراء علم الأهل.

في عطلة صفية مع شقيقي في انواذيبو، عمدتُ تهورا إلى رفع سقف الاسراف،.. كان يخصِّصُ لخدمة بيته سيارة جديدة من نوع R18 ، يسلمني السائق مفاتيحها مساء، فأتحين فرصة خُلوِّ البيت للشروع في إساءة استخدام الأمانة، أقوم بدورات أمام المنزل، طوَّرتها لجولة بالحي، ثم غازلتُ الطريق المسفلت، و مع الوقت انفتحت شهيتي لمشاوير أطول متشجعة بعدم انكشافي.

في أحد الأيام دفعتني الثقة الزائدة للنزول اتجاه “سوق محفوظ” لأشتري خرطوشة تعبئة للمصورة ” بولارويد “، أقنعتُ أختي الرزينة -رحمها الله- بمرافقتي، لأضمن شريكا متمالئا، وهي تكبرني بقليل،.. أربكتني كثرة السيارات وخذلتني المهارة، فلمْ أكن أتقن السَّير نحو الخلف، فاحتككتُ بسيارة أجرة، كان صاحبها زبانية بكامل لياقته العدوانية، فأشعل حريقا صوتيا، صُراخا ولوما، مستندا على يقينه بأن أخْبارنا ماهِ اعلَ بابْها، فتدخَّل بحارة من العراق كانوا في عين المكان وأخمدوا شرَّه المستطير بورقة ألف أوقية، فعدنا أدراجنا نرتعش،.. ومع ذلك كررتُ اختلاس السيارة ثانية، إلى أن كَمَنَ لي شقيقي بعد وشاية داخلية، فقبض عليَّ متلبسة بالجرم المشهود، لم يعاتبني لكنه لم يكن مرتاحا، وقال لي: «تمِّ أصركِ امعاهَ أوساده حد شاف الوتَّه ماشه إشك انها اتصوكْ راصها»،.. واشترط علي أن أقتصر تحركاتي على “كابانو”..

لكن فات على شقيقي نفسه استذكار أنِّي وأنا في سنِّ السابعة كنتُ شاهدة على طيش منه مماثل، كان أحد أقاربنا وهو تاجر في سوق لكصر، يودعنا درَّاجته النارية من نوع بيجو 102 ويحكم تقييدها بسلسلة وقفل، و”يروح” باتجاه أهله في “اجدير”، وساعة بعد مغادرته يُغافل شقيقي والدتي، ويجرّ الدراجة للشارع، “إقنزر لكَفل”، أجلس خلفه وألف ذراعيَّ على وسطه، كانت تلك الجولة من متع الدنيا النادرة، نمر أمام قاعات السنيما، يتمظهر بالدراجة على أصدقائه، نطَّلع على برنامج العرض و”الآفشات”، تم نعود إلى البيت، يسحب الدراجة بهدوء إلى الداخل ويعيد لها القيد، ثم أُباشر مهمتي فأكنس أثرها لنخفي معالم الجريمة عن والدتي وعن مالكها الذي سيعود في صباح الغد..

نعيش مع أبنائنا حالة التباس، تتلاشى ملامح الزمن بسرعة، فننسى أننَّا كنا يوما في أعمارهم، نستكثر عليهم اليوم بعض الجنون البريء الذي مارسناه بالأمس،.. فمن باب الاستبداد التربوي العادل، نريد لممارساتهم في الحياة أن تنضج في وقتها المنطقي خطوة خطوة على السلم، وأن يكونوا على قدر من الحكمة لم نكن أنفسنا عليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى