شواطىء جزر الخالدات وكثبان شنقيط/عبدالله الفتح

قبل قرابة عقدين من الزمن أنشأت مدونة"ساحل شنقيط " وكنت أدون باسم حنظلة، حينها كانت صورة حنظلة المرسومة على جميع لوحات الفنان المغدور ناجي العلي لاتغادر ذهني..وهنا أعيد نشر هذه التدوينة لنفض الغبار عن لوحة قد لا ترقى إلى لوحات ناجي التي كانت سببا في قتله..

نشرت أول مرة في كانون الأول 13, 2007

رحلة إلى جزيرة اسبانية

شواطئ جزر الخالدات وكثبان شنقيط

شواطئ جزبرة من جزر الخالدا ت تلوح فى الأفق ..وكثبان مدينة نائية ،قابعة فى الصحراء ،تلوح أيضا فى أفق الذاكرة..كانت الباخرة الصغيرة تناور لتغيير مكانها في الميناء..حالة هرج ومرج تشي بانتهاء العمال من ربطها بعد إنزال المرساة..نبهنى أحد البحارة العاملين على متنها قائلا:

-حضرة الضابط قم إذا أردت أن تصحبنا لنتجول فى المدينة ونقضى بعض الحاجات ..فقد انتهينا من تفريغ الباخرة وزأخذنا أجرنا وسنرسل منه شيئا إلى البادية قبل أن يأزف وقت الرحيل..انتبهت ولم استحضر من ذلك الحلم البديع إلا منارة مسجد عتيق وكثبان تطاول عنان السماء وسيل يمخر بحر الرمال.ومقبرة قابعة تحت كآبة أبدية ..لكننى كنت مسرورا بكل ما استحضرت وقتها .كنت أسير مع البحارة الأربعة نحو بوابة ميناء لاسبالماس ..خرجنا من البوابة باتجاه سوق جديد، يقع قرب الميناء لكنه لم يكن قد بنيّ حين زرنا الجزيرة أولّ مرة ، كان بديع التصميم ويحوى ما تهوى النفس وتلذ الأعين ..ملابس وعطور من ماركات مختلفة ..وفتيات أنيقات بسحنات مميزة…لا يمكن للزائر العربى إلا أن يستحضر الأندلس وهو يراهن ..دوى صوت نزار قبانى فى ذهنى :-“وجه دمشقي رأيت خلاله أجفان بلقيس وجيد سعاد ..
وانتهى بنا التطواف إلى شاطئ ..” لاس كانتيرس” الجميل حيث التقينا شبان من بلاد نا..ا وصلوا بطرق شتى وحدثونا عن هجرتهم و الحياة فى المهجروكيف حصلوا على الأوراق التى خولتهم العمل من آن لآن .وشربنا معهم شايا منعنعا أعدّه أحدهم فى شقته الصغيرة..
وعلى أنغام المطرب سدوم المنبعثة من مسجل، يستعينون به على غربتهم الثقيلة ،تبادلنا أخبار الوطن وحثنا أحدهم على الّتغرب معهم رغم الضجر الذى يعانون منه..قال:
الكثير من البحارة هرب من باخرته التى تدفع له نقودا كثيرة لأنهم لايريدون العودة إلى ذلك الوطن البائس الذى يفتقر الإنسان فيه إلى أبسط حقّ فى العيش الكريم..أنظروا هنا يوفرون لنا الدواء بالمجان الشيء الذى نحرم منه فى وطننا العزيز.ووقع جدال بيننا إذ نصر على الإقامة فى الوطن ونصبر .ويرد أحدهم ..إلى متى الصبر ؟! إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟!…لم يتغير شئ ويرد عليه آخر”النص امع لهن زاكى” من أمثالنا الشعبية الرائعة .رغم أنني لست معهم فى رأيهم القائل بالهجرة ..وقد كنت طول الوقت أذكر تلك الرمال والنخيل والطفولة الشقية وكأننى لن أعود يوماإلى تلك الربوع..ورغم ذلك فقد دار فى ذهنى قول الإمام الشافعى:


تغرب عن الأوطان فى طلب الــــعلا وسافر ففى الأسفار خمس فوائد
تفريج هم واكتساب معــــــــــــيشة
وعـــــــــــــــــلم وآداب وصحبة ماجد

فإن قيلَ في الأَسفـارِ ذُلٌّ ومِحْنَـةٌ

وَقَطْعُ الفيافي وارتكـاب الشَّدائِـدِ

فَمَوْتُ الفتـى خيْـرٌ له مِنْ قِيامِـهِ

بِدَارِ هَـوَانٍ بيـن واشٍ وَحَاسِـدِ” .
وبعد مدة توجهنا نحو الميناء مشيا على الأقدام ،وفى الطريق لفت انتباهنا مقهى به بعض المهاجرين من دولة مجاورة، يتعاطون الحديث على أنغام الموسيقى الصاخبة ..وعرّجنا عليهم وما إن لمحو ا الّدراعة حتى استقبلنا أحدهم وهو شاب طويل القامة أسمر البشرة ..رجّب بنا ..أهلا ببلاد الكرم،وعرض علينا جعة فاعتذر البعض طالبا قهوة-كورتادو- والبعض شربها،و مضى الوقت سريعا وسط الضحكات والنكات ..وتتالت زجاجات الجعة فراح أحدنا يستفسر عن من باستطاعته الحديث عن الأندلس وتاريخ العرب بها..ثم صاج أجدنا، بعد أن لعبت الجعة برأسه،مرتلا من شعر نزار :
اسمعو سألقى عليكم من ما يناسب الجلسة..
كتبت لى يا حبيبتى الغالية .
كنبت تسألين عن الأندلس وعن طارق بن زياد وعن عقبة بن نافع .عن السرايا الزاهية وأعين كبيرة لم يزل فى سوادها ينام الليل.
سألتنى عن قرطبة المئذنات الباكية.
لم يبقى شئ جميل ياحبيبتى من الثمانية قرون إلا القليل لمتبق إلا الأطلال
كتبت تسألين عن اسبانية عن طارق يفتح باسم الله دنيا ثانية عن عقبة بن نافع يزرع شتل نخلة… ”

تقدم أحد المهاجرين نحو النادل وكان يترنح ويقول :

  • هذا السيد أرهقنا” بعربية القرآن”..

وماهي إلا لحظات حتى كسر الفتى كأسا وحاول الإعتداء على زميله، فتم استدعاء الشرطة ليتفرق الذين لا أوراق لهم واضعين حدا للسهرة.

من يوميات مسافر – لاس بالماس 2005

يتواصل….

كتبها handhala في 04:19 مساءً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى