هل يتدبر العرب والمسلمون حالهم في أفق النظام العالمي الجديد !!!!!!

كتب الدكتور محمد ولد الراظي:

الزمان أنفو – حين تأسست المنظمة الدولية بعيد الحرب الأولى لم تكن رابطة للدول بل كانت عصبة للأمم فديناميكية التوسع في أوروبا كانت بمحددات قومية وحين تأسست منظمة دولية بعيد الحرب الثانية كانت الأمم المتحدة فأمريكا حينها لم تتبلور لديها فكرة ولا إمكانية تجاوز الأمم الأوروبية ودمجها في كيانات هلامية تسيطر بها عليها جميعا…..لا توجد هوية أمريكية أصلا فالذين يشكلون سكان أمريكا شتات من كل بقاع أوروبا وأفريقيا حطوا الرحال بواد يكاد لا تكون به ساكنة فكان هذا الخليط بحاجة بعضه لبعض ولا أحدا فيه يدعي سبقا في الأرض ولا جذورا والكل يشعر أنه غريب بها فانسجم الجميع وكل ما حصل من حروب بينية لاحقا كان في غالبه مدفوعا بقوى خارجية وقد بدأت اليوم ولايات مهمة جدا تخرج عن واشنطن فالناس لا ينسون كيف استلتهم أمريكا بالقوة من أوطانهم ولا ينسون كيف عاملتهم ذلا وقسوة فأصبحت أمريكا في شغل قد لا يسمح لها بتدارك ما ترسله القارة الأوروبية من إشارات مزعجة….

ولكن ما هو الغرب الذي يتحدث البعض عن نهايته اليوم ؟ ولماذا القول إنه يعيش آخر أيامه ؟ و هل سينتهي بالحروب كما نشأ بها أول مرة ؟ وأين سيكون العرب والمسلمون حين لا يعود لهذا الغرب السياسي وجود؟

الغرب هو بلغة الجغرافيا الطرف المقابل للشرق وكلاهما مصطلح متغير بتغير نقطة المركز حيث يكون الشخص أو تكون الدولة وفي السياسة كان جدار برلين هو الفاصل بين الشرق والغرب فروسيا وعالمها شرقه وأمريكا وعالمها غربه ولكن ليس عالم روسيا وحده شرق الجدار وليس عالم أمريكا وحده غربه ولا شيء يوحد شرق الجدار غير السياسة كما لا شيء يوحد غربه غيرها……ولأن السياسة هي التي جعلت الشرق شرقا والغرب غربا أصبحت اليابان في أقصى الشرق جزءا من الغرب كما كوريا الجنوبية وأصبحت كوبا في أقصى الغرب محسوبة على الشرق وكان هناك عالم ثالث أعلن عنه مؤتمر باندونغ بعضه في الشرق وبعضه في الغرب ولا هو شرقي ولا هو غربي…..

يتميز الغرب السياسي أن به كل الدول الاستعمارية السابقة ويتميز الشرق السياسي أن لا أحدا من أعضائه له ماضي استعماري فكانت الخلفية الفلسفية والنفسية حاضنة لتباين العالمين تباينا كبيرا.

بعد سبعين عاما من ثورة لينين انتهى الشرق السياسي مصداقا لما يقول به الكثير من المفكرين والساسة من أن العمر الافتراضي لأي نظام سياسي لا يتجاوز في أحسن الأحوال ستة أو سبعة عقود وقد يكون لذلك علاقة بالدورات الاقتصادية التي تمتد عادة لستين عاما فالسياسة والاقتصاد توأمان متطابقان……..

وقد يكون من أسباب ذلك أيضا أن نشأة أي نظام تكون بسبب غلبة أصحابه والغلبة تعني السيطرة ولكنها لا تعني بالضرورة التفرد فالتفرد لا يكون إلا بالقضاء على الطرف الآخر والغرب استطاع ان يتسلط وفشل أن يتفرد والغلبة مبنية على معطيات متغيرة باستمرار أهمها علاقات الإنتاج وعلاقة السلطة بالمال وعلاقة الفرد بالسلطة وبالسياسة ونظام الحكم وعلاقة الدول بالدول وحسن إدارة الشعوب المغلوبة لما هو متاح من وسائل الرفض والممانعة وغيرها كثير وجميعها في تغير دائب…..

فما هي العوامل التي مكنت الدول الاستعمارية من السيطرة على العالم ؟ وهل ما تزال هذه العوامل قائمة ؟

من أهم أسباب غلبة الغرب التي مكنته من بسط سيطرته على الشعوب الأخرى عنصران أساسيان القوة الديمغرافية والفارق الهائل في مستوى التطور العلمي والتقني.

في عام 1900 على سبيل المثال كان سكان فرنسا يزيدون على 40 مليون إنسان وفي نفس العام لم يتجاوز سكان ما يعرف بدول إفريقيا الغربية الفرنسية مجتمعة 10 ملايين نسمة وحين دار الزمن بقرن ونيف وصل عدد سكان هذه الدول لما يربو على 165 مليون إنسان وظلت ديمغرافية فرنسا تحبو ببطء شديد إلى أن وصلت 65 مليون نسمة…..

وفي العام 2023 بلغ عدد سكان إفريقيا 1400 مليون إنسان ولم يكن يتجاوز 140 مليونا عام 1900 وتشهد أوروبا الاستعمارية نمو ديمغرافيا سلبيا أوصل عدد سكانها لحدود 448 مليونا عام 2023 بعدما كان 450 مليونا عام 1900

و انضاف لهذا الانقلاب الكبير في الميزان الديمغرافي أن الفجوة التكنولوجية تقلصت إلى حد مذهل بين الجانبين بالمقارنة مع ما كانت عليه عام 1900 وفارت الأرض الإفريقية بوعي لا حدود له ثم أصبح العالم قرية صغيرة لكل فيها قدم ويد ولسان……

يفسر النمو الديمغرافي السلبي في الغرب و المخاوف الوجودية التي خلقها حرص الدول الاستعمارية على سن قوانين دولية لتنظيم الأسرة والحد من الإنجاب وتثوير المرأة على الرجل في المجتمعات الإفريقية وخلق منظومة أخلاقية جديدة تحد من النسل فتحارب زواج الفتيات في أعمار مبكرة وتبيح الزواج المثلي وزواج البشر من الحيوان وتربط المساعدات المالية بمستوى احترام الدول الفقيرة لبرامج الأمم المتحدة ذات الصلة بهذه المواضيع…….

أما التكنولوجيا والتطور العلمي فقد أصبحت في متناول الجميع ولم يعد بالإمكان تطويق المعرفة ولا منع انتشارها والثروة الفعلية المستدامة ليست أوراقا مالية ولا أسهما ولا سندات وإنما هي موارد طبيعية ومن لا يملكها فقير حتما ولا يملك مفاتيح مستقبله وقد أثبتت سنتان من الحصار الغربي لروسيا عبثية العقوبات وأثبتت ضعف الاقتصادات الأوروبية ومتانة الإقتصاد الروسي الذي يملك محليا كل الموارد المطلوبة لتحريك مصانعه ولا حاجة له بأحد من خارج حدوده.

لكن الغرب لم يفقد فقط ميزة الديمغرافيا وميزة الانفراد بالتفوق التكنولوجي فحسب بل تآكلت الأسس السياسية الناظمة لمؤسساته وتجمعاته السياسية والأمنية.

ثم إن هذه الكيانات الهلامية التي تشكلت في أوروبا لتتجاوز الأمم وتقدم السياسة على الهوية وتمكن أمريكا من السيطرة بالمال والقوة العسكرية كل هذه الكيانات بدأت تتلاشى وبدأت بموازاة ذلك ثورات قومية مزقت الإتحاد اليوغسلافي فخرجت منه أمم متمايزة عن بعضها البعض وصعدت التيارات اليمينية في كل الدول الأوروبية وصعود اليمين يعني ثورة على الغرب السياسي والغرب غير السياسي لا وجود له أصلا…..

فأي مصير ينتظر الغرب حين يكون للنظام المالي والنقدي عنواين متعددة ؟ وأي مصير للغرب حين يتوسع الشرق شرقا فيأخذ الصين ويتحرر من أثقال دول البلطيق وبولندا وحوض الدانوب ؟ وما الذي سيبقي من الغرب السياسي حين يعود الدولار عملة وطنية لأمريكا ؟ وحين تولد بؤر مسلحة نشطة تحارب الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط وأفريقيا كما هو الحال اليوم ؟ وما الذي سيبقي من عالم أمريكا يوم تنضب مخزونات غاز الشيست في السنوات الخمس القادمة؟ وكيف لأمريكا أن تستمر في قبضتها على ألمانيا للحيلولة دون تقاربها مع روسيا ؟ ومن أين ستجلب المصانع الألمانية وقودها غير روسيا القريبة ؟ وحين تتراجع القدرة التنافسية للاقتصاد الألماني في الأسواق الدولية تكون الظروف شبيهة بتلك التي أنتجت النازية باقتراع حر شفاف ونزيه فمن سيضمن أن لا ينتخب الألمان حزبا أكثر تطرفا ؟ وحين تهتز ألمانيا ستهتز أوروبا جميعا …..

أين يكون العرب وأين يكون المسلمون ؟

الكثير من العرب والمسلمين ارتهن لأمريكا لكل واحد أسباب يقول بها تختلف عما يقول صاحبه وجميعها غير مقنعة ولكنه واقعنا لا يمكن تغييره بإنكاره بل لا بد من تمحيص أسبابه ومعرفة ما إذا كانت الدوافع التي خلقته ماتزال قائمة أم لم تعد…..

إن التحولات التي يشهدها العالم هذه الأيام يمكن تلخيصها في كلمة واحدة أن العالم يعيش لحظة مخاض بها ألم شديد ووجع قاسي وأنات وترقب وانتظار لعالم لم تتضح بعد معالمه ولكنه حتما متجاوز لما سبقه ومتطور عنه لاعبوه كثر وأكبر خاسر فيه أمريكا ومجرتها.

سيكون علينا أن لا نفوت الفرصة شعوبا وحكاما وأحزابا وأصحاب رأي فننفر خفافا وثقالا للمساعدة في ولادة هذا العالم ومؤازرة المولود الجديد وأخذ مكان في الصدارة في رحلة العالم بالقرن الواحد والعشرين ومن أفضل السبل وأكثرها سلامة وأمنا أن نلتف جميعا كل من موقعه في دعم الحلف الروسي الصيني ومنظومة لبريكس ومطالبة الحكومات ببدء مشاورات معها والمطالبة أن تلد هذه الكتلة الاقتصادية منظمة أمم متحدة أو شعوب متحدة تكون بديلا عن سان فرانسيسكو وتكون بديلا لبيرتون وودس….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى