مشهد من الذاكرة – من شنقيط إلى الحيرة

المذكرة الصغيرة

الزمان أنفو _ في طفولتي بشنقيط، كنت أستيقظ على صوت الجدة وهي توقظني للصلاة، ثم أخرج من تحت غطاء محليّ الصنع، وأتجه لحلب الشاة أو أتناول بقايا كأس دافئ، قبل أن أحمل محفظتي الصغيرة وأمشي نحو المدرسة شرق المقبرة، عبر طريق حجري لا ترحم قسوته أقدامنا الصغيرة.

وذات ضحى، زرت العمة الراحلة، فشدّني حجر عند بابها نُقش عليه “اللهم ارحم فلانة…” دون تاريخ. تذكّرت كرمها وحنانها، قبل أن تفتح الجارة الباب وتقول: “الشاهد هذا واقف من أعوام”.

دخلت وأنا أفتح كتاباً كنت أطالع فيه قصة حنظلة الطائي ويوم بؤس النعمان، حيث اختُبر الوفاء في ساحة موت، وغلبت المروءة قانون الظلم، وغابت شمس يوم البؤس من مملكة النعمان… كما غابت شمس جدّتي وعَمّتي، وبقيت في القلب صخرتان من وفاء.

رنّ الجرس، فذكّرتني عمتي أنني لم أنهِ المذق، فأجبتها:
“اليوم سيمرّ اسمي في دفتر الطب… بسبب جرح في القدم من تلك الحجارة نفسها التي مرّت فوقها خطوات حنظلة، وخطاي.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى