الحلقة 5: مطاعم الرفاهية والغش التجاري

الزمان أنفو _ (رامي… بين لهاث الربح وميزان الضمير)
رامي شابٌ طموح ورث عن والده مطعمًا عائليًا بسيطًا في قلب العاصمة. كان المطعم معروفًا بأطباقه الشعبية الصادقة ونظافته ودفء أجوائه. غير أن رامي، بعد أن أكمل دراسته في إدارة الأعمال، قرر أن «ينقله إلى مستوى آخر». راودته أحلامٌ كبيرة: تصميمٌ فاخر، ديكورٌ مستورد، أطباقٌ تحمل أسماء أجنبية لامعة. أراد أن يصبح مطعمه «حديث المدينة»، لا مجرد مكانٍ للأكلات الشعبية.
اقترض مالًا، جدّد الواجهة، واستعان بمهندسين لتحويل المطعم إلى تحفةٍ معماريةٍ صغيرة. في البداية، أثار المشروع إعجاب الجميع، لكن الكلفة كانت هائلة، والأسعار التي فرضها لتعويضها كانت فوق طاقة الزبائن العاديين الذين شكّلوا قاعدة المطعم القديمة. بدأ عدد الرواد في التراجع، في حين كانت الفواتير تتراكم.
في تلك اللحظة الحرجة، زاره أحد الموردين غير الموثوقين، وعرض عليه لحومًا ومنتجاتٍ غذائية بأسعارٍ منخفضةٍ جدًا، لكنها منتهية الصلاحية أو مُعاد تغليفها. قال له الرجل: «الناس لا تفرّق… المهم الشكل والطعم، وأنت تحتاج إلى الهامش الربحي الآن.» تردّد رامي، لكن إغراء الربح السريع تغلّب على ضميره.
بدأت الشحنات المشبوهة تدخل المطبخ. في البداية، لم يلاحظ أحد، بل بدا أن الأمور تسير «على ما يرام». انخفضت التكاليف، وبدأت الأرباح تتحسّن. غير أن الحقيقة لا تبقى مختبئةً طويلًا. بعد شهرين فقط، شنت السلطات الصحية حملة تفتيشٍ مفاجئة، وضبطت مواد غذائية غير صالحة داخل مستودع المطعم. أُغلق المكان فورًا، وفرضت عليه غرامة كبيرة، وأُدرج اسمه في قائمة المخالفين.
تلك الليلة، جلس رامي في المطعم الخاوي، يتأمل الجدران التي زيّنها بحلمٍ كبير، واللافتة المغلقة التي تحمل اسمه. شعر أنه خسر أكثر من المال… خسر «الاسم» الذي بناه والده بعرق جبينه.
بعد أيامٍ ثقيلة، قرر ألا يهرب. انضم إلى برنامجٍ وطني أطلقته وزارة التجارة بعنوان «الجودة أولًا»، يهدف إلى مساعدة أصحاب المطاعم على تحسين الأداء والالتزام بالمعايير الصحية. تلقى دوراتٍ مكثفة في إدارة الجودة، وأعاد تشكيل فريق العمل، واختار موردين موثوقين. تخلّى عن الأطباق المتكلّفة التي لا تشبهه، وعاد إلى الجذور: أطباقٌ محلية تُطهى بصدقٍ ونظافة، وبأسعارٍ عادلة.
أعاد افتتاح المطعم في حفلٍ متواضع، دعا فيه أهل الحي والزبائن القدامى. دخل الناس بحذرٍ أولًا، لكن سرعان ما عادوا يملؤون المكان. تذوقوا الطعم الأصيل، وشاهدوا النظافة بعينهم، وأُعجبوا بالبساطة الصادقة أكثر من أي زخرفٍ سابق.
بعد أشهر، صار مطعم رامي مثالًا يُذكر في الإعلام المحلي كمشروعٍ أعاد بناء سمعته من الصفر. قال رامي في مقابلةٍ صحفية:
«ظننت أن الرفاهية في الزخرفة… ثم أدركت أن الرفاهية الحقيقية هي أن أُقدّم للناس طعامًا نظيفًا بضميرٍ مرتاح.»
وهكذا، انتقل من لهاث الربح إلى ميزان الضمير، وأثبت أن الثقة لا تُشترى… بل تُستعاد بالصدق والعمل الجاد.

العافية امونكه

اضغط لقراءة الموضوع بالفرنسية

اضغط هنا لقراءة الحلقات 1 و 2 و 3 و4 و5 ز6

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى