رئيس إفريقي كامل العيوب بشهادة الجميع / سيدي علي بلعمش

في ما أسماه “مهمة مستحيلة” قال رومينيه سيرمان، المستشار بالرئاسة الفرنسية، للسفير الأمريكي في باريس في لقاء جمعهما 10 دجمبر 2008 ، إن الفرنسيين يواجهون صعوبة متزايدة في اتخاذ موقف من الوضع الموريتاني؛ ففي حين يعتبر الدبلوماسيون أن فرنسا لا يمكنها التساهل مع الانقلاب العسكري، ترى مجموعات الاستخبارات العسكرية أن الخدمات التي تقدمها موريتانيا لفرنسا في مجال مكافحة الإرهاب لا تمكن المخاطرة بها، وأن ذلك هو ما دفع الفرنسيين إلى مراجعة سياستهم تجاه موريتانيا قبيل الزيارة التي قام بها سيرمان إلى نواكشوط في شهر نوفمبر 2008، حيث كان عليه اتباع خط حذر يلزمه – نزولا عند رغبة الأوساط المخابراتية والعسكرية – الامتناع عن توجيه إشارات قوية إلى الانقلابيين من شأنها أن تؤثر على التعاون العسكري، مضيفا ” خصوصا وأنهم يسمحون لقواتنا بممارسة مهامها في موريتانيا”.

ـ التعاون في القاموس الفرنسي الإفريقي يعني التبعية و العمالة و “يسمحون لقواتنا بممارسة مهامها في موريتانيا” تعني يسمحون لنا بأن نستغل الأراضي الموريتانية كميدان عمليات من دون أن يفهموا ماذا نعمل. و كانت انطباعات المستشار الفرنسي رومينيه سيرمان بعد لقائه الأول مع ولد عبد العزيز ـ كما جاء في الوثيقة التي سربها موقع “ويكيليكس”، ـ في غاية الأهمية لسببين : الأول دقة ملاحظات المستشار الفرنسي و الثاني قدرته الفائقة على التعبير عنها.  قال رومينيه سيرمان إنه “لم يحتفظ بالكثير من الانطباعات الايجابية عن عزيز الذي التقاه لأول مرة، حيث اعتبر بأنه يفتقر لخصال رجل الدولة سواء الثقافية أو القيادية وأنه يفتقر كذلك للكاريزما، وأنه لم يكن قادرا على النظر في عيني محدثه إذ ظل ينظر خلال حديثه معه إلى سقف المكتب. وقال سيرمان إن عزيز قضى كل خدمته الوظيفية داخل القصر مما يجعله صاحب رؤية ضيقة، وأنه قد وصل إلى السلطة عبر انقلاب من داخل القصر كان نتيجة لغضب بعض القيادات من الرئيس ولد الشيخ عبد الله، وأنه لا يمتلك رؤية لما بعد الانقلاب” هذا هو رئيسكم و هذه هي انطباعات الفرنسيين عنه (التي جعلتهم يتمسكون به.) و عن غباء عزيز ، أضاف المستشار الفرنسي سيرمان، كما جاء في الوثيقة، أن عزيز عبر له عن قلقه من احتمال تدخل عسكري أمريكي في موريتانيا لتغيير السلطة. ومع أن المسؤول الفرنسي اعتبر أنه من الغباء أن يفكر عزيز بهذه الطريقة ومن الغباء أكثر أن يكشف عن مثل هذا الموضوع للفرنسيين، إلا أنه قرر استغلال خوف عزيز لممارسة ضغط أكبر عليه، حيث قال له بأن باراك أوباما الذي سينصب رئيسا بعد فترة قصيرة معروف بالدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية وأنه من غير المتوقع أن يدعم الانقلابات التي أطاحت بحكومات منتخبة، مما يعني أن الموقف الأمريكي قد يكون أكثر تشددا مع وصول الإدارة الجديدة إلى البيت الأبيض… في يوليو 2012 “تنبأ” الدبلوماسي الفرنسي لوران بيغو (Laurent Bigot) بسقوط نظام ابليز كامباوري و أحدث تصريح لوران حينها ـ الذي ورد في حوار في المعهد الفرنسي للعلاقات الخارجية ـ  زوبعة من ردود الأفعال، أنتهت بإعفائه من مهامه في وزارة الخارجية (قسم إفريقيا الغربية الذي كان يمثل فيه الرجل الأول) و يعيش اليوم في المغرب كمستشار و باحث في شؤون إفريقيا . و في مقابلة مع راديو فرنسا الدولية يوم 09/12/2014 أي قبل حدود 10 أيام فقط ، قال لوران بيغو : “جميع بذور سقوط بليز كانت موجودة: كل اقتصاد البلد تتحكم فيه مجموعة من مقربيه، المؤشرات الاجتماعية و الاقتصادية لا تتقدم في البلد و لكن أيضا ، كان هناك استياء عام تجاوز حدوده . كان إذن يكفي أن نعد تحليلا دقيقا للوضع لنفهم أن سقوط نظام ابليز أصبح مجرد مسألة وقت” . فهل يذكرنا هذا الكلام بنظام ولد عبد العزيز أو بتأييد رئيس حزبه لثورة الشعب البوركينابي على نظامه؟ و حول ما إذا كان يرى الآن أن هناك بوركينافاسوهات أخرى ، قال لوران “من الصعب أن نقيس موجة الصدمة لكن هناك موجة صدمة بكل تأكيد لأن الجميع كان يعتقد أن نظام بليز صلب و متماسك و قد انهار بسرعة. و هذا يعني أن الشباب حين يقرر أن يضع اليد على الأشياء لا شيء يمكن أن يصده .. شعوب شابة ، تزداد تمدنا مع وعي مدني متصل بالعالم ، هذه هي البذور التي تجعل أي نظام لا يستمع إلى شعبه لا بد أن يخرج بالمكنسة” و حول سؤال متقن الإعداد عن الإرهاب و المتواطئين أكثر مع سياسة هولاند “المدافع عن حقوق الإنسان و الديمقراطية” من القادة الأفارقة ، قال بيغو : “هناك نظام يطرح مشكلة، إنها موريتانيا. الرئيس ولد عبد العزيز لعب عليه. إنه يعتبر الحرب على الإرهاب دخلا دبلوماسيا حقيقيا له. أدعوكم لقراءة مقابلة الرئيس الموريتاني الأسبق اعلي ولد محمد فال مع وسيلة إعلام موريتانية. إنه يصف النظام الموريتاني بطريقة مؤثرة، مثل ما لم ينتقده أحد قدحا. أتصور أن ما قاله صحيحا. لكنه من دواعي القلق أن نرى إلى أي حد يغرق البلد في الفساد من كل ناحية.  و مردود  الحرب على الإرهاب يفتح أيضا من ناحية أخرى، أبعادا خطيرة لا بد أن ندفع ثمنها يوما أو آخر” و هذا بالضبط هو ما عناه “المستشار الفرنسي رومينيه سيرمان في “مهمته المستحيلة” سنة 2008 ، حين قال “ترى مجموعات الاستخبارات العسكرية أن الخدمات التي تقدمها موريتانيا لفرنسا في مجال مكافحة الإرهاب لا تمكن المخاطرة بها، وأن ذلك هو ما دفع الفرنسيين إلى مراجعة سياستهم تجاه موريتانيا” و رغم وضوح ما قاله “لوران” هنا أي أن ولد عبد العزيز يدخل معركة الحرب على الإرهاب من منظور دخلها فقط و أنه سيدفع ثمن هذا التوجه يوما أو آخر ، إلا أنه قالها بلغة دبلوماسية عالية السقف نحتاج إلى رده على السؤال الموالي لفهم خطورة ما يعنيه. “هل هناك دول أخرى بهذا المثل”؟ الرد على هذا السؤال يعني أن الحالة التي سيتكلم عنها “لوران” هنا مجرد مشابهة للحالة الموريتانية أي أنها تأتي دونها في البشاعة لكنها مماثلة لها في بعض الأوجه و هذا ما أردت أن أنبهكم إليه لتدركوا خطورة هذا الكلام. و كان رد “لوران”: “هناك دولة اتشاد التي اندفعت مع فرنسا و التي دفعت الثمن بالدم. و هذا لا يمكن أن ننزعه عنها . لقد سقط العديد من جنودها في ساحة الشرف؛  لقد حاربوا بحق ضد الإرهاب، هذا أكيد . من هنا يمكن أن نناقش قيادة نظام إدريس ديبي” و حول أسباب الإرهاب في المنطقة ، قال “لوران” إنه إحدى النتائج العديدة لأزمة القيادة العميقة في الساحل و إفريقيا الغربية بصفة عامة ، إنه إذن قضية سياسية و إذا لم نواجه بغير الحل العسكري فهذا يعني إننا لن نحل المشكلة”. و حول محاولة فرنسا  إعداد قوة إفريقية للرد السريع، قال لوران : ” السؤال الذي يجب أن نطرحه هو لماذا كل هذه الأنظمة الإفريقية لم يرغبوا في إنشاء جيوش؟ بالنسبة للكثير من القادة الأفارقة، فإن الجيوش تشكل خطرا عليهم. لهذا يشكلون حرسا رئاسيا لحمايتهم و المهم بعد ذلك هو أن لا يكون الجيش قادرا على القيام بانقلاب عسكري ضدهم. و حين يصبح القادة على خط مع شعوبهم لن يخافوا من جيوشهم و حينها سيكون باستطاعة الجيوش القيام بمهامها” كل هذا الكلام يجعلنا نتذكر بوضوح أن ولد عبد العزيز رئيس افريقي تتوفر فيه كل هذه المواصفات أي “رئيس إفريقي كامل العيوب”.. نعم أنت وحدك من تحق له الرئاسة الأبدية للاتحاد الإفريقي حتى لو كان قادة القارة يرفضون منذ توليك المهمة الاجتماع تحت أي سقف برئاستك..و بالعودة إلى تشخيص لوران بيغو (Laurent Bigot) يتضح لنا أن بقاء ولد عبد العزيز في الحكم أصبح مجرد مسألة وقت : “جميع بذور سقوط بليز كانت موجودة: كل اقتصاد البلد تتحكم فيه مجموعة من مقربيه، المؤشرات الاجتماعية و الاقتصادية لا تتقدم في البلد و لكن أيضا ، كان هناك استياء عام تجاوز حدوده . كان إذن يكفي أن نعد تحليلا دقيقا للوضع لنفهم أن سقوط نظام ابليز أصبح مجرد مسألة وقت” فمن كان سيلاحظ أي نشاز لو كان لوران بيغو يقول هذا الكلام في ولد عبد العزيز بدل ابليز؟ و لم تعد مشكلة ولد عبد العزيز اليوم مع المعارضة بل تجاوزتها إلى الشارع و الأرياف و القرى و “أولاد لبلاد” و أولاد جيرانها (المغرب و السنغال و مالي) و الاتحاد الأوروبي و في داخل أغلبيته المستاءة اليوم أكثر من الجميع بسبب تهميشها و احتقارها من قبله و في صفوف ضباط الجيش و الأمن و في أوساط الطلاب و النقابات العمالية و حملة الشهادات و العمال “العقدويين” و هو تعبير تم إنشاؤه على المقاس من قبل أجهزة الدولة الموكلة على تعميم الظلم لأن القوانين الموريتانية تعتبر أن كل عامل تجاوز مرحلة التجريب أصبح رسميا من دون الحاجة إلى أي عقد… و كان نواب الاتحاد من أجل الجمهورية في الأسابيع الماضية يلوحون بحجب الثقة عن حكومة ولد حدمين  و هو ما تطلب أسابيع من الجلسات الانفرادية  في سرية تامة، لتحاشيه … فهل تستطيع سياسة ولد عبد العزيز العرجاء امتصاص هذا الاستياء العام و الخاص، الداخلي و الخارجي؟ هل نزق ولد عبد العزيز الذي يرد على صحافي ذكره بما ينخر الدولة من فساد بـ”طير” ثم السجن، هو من سيستوعب هذا الكم من التناقضات الضاربة في الأعماق؟ هل يمكن أن يوكل إلى وزراء “التوجيهات النيرة لفخامة رئيس الدولة” مهمة التعاطي مع الغاضبين من تصرفات عزيز الرعناء و المخجَلين من وجوده على رأس قيادة “أرض الرجال”؟ هل يستطيع عزيز أو غيره من الرؤساء الأفارقة ، بعد سقوط “ابليز” أن يعطي الأوامر بإطلاق النار  و لو في السماء، على أي متظاهرين مهما كانت أسبابهم، حتى لو دخلوا قصره عنوة ؟ فماذا تحتاجون أكثر من هذا لتضعوا نهاية لهذه المأساة المريرة؟ لن تصبح موريتانيا دولة يحترمها شعبها ما لم توزع شقق العمارات الشاهقة التي يشيدونها اليوم على أرض “ابلوكات” على الأسر الفقيرة التي كانت تسكنها و توزيع إيجار محلاتها الأرضية عليهم كرواتب مدى الحياة تعويضا لما أذاقتهم عصابة النهب من إذلال و احتقار … لقد أجهضت هذه العصابة مشروع الدولة و علينا اليوم أن ننطلق لا من الصفر و إنما من تحت الصفر لأنه علينا أن نهدم ما أسسوه من ممارسات خاطئة لإعداد أرضية صالحة للبناء : في التعليم و الصحة و العدالة و الأمن  و كلها أمور ترتكز على إعداد الإنسان الصالح الذي تم تدميره من خلال فرض كل وسائل الانحراف ليصبح الحلاق على رأس الصحافة و النادل على رأس مجلس الشيوخ  و بائع الباكلوريا على رأس المجلس الدستوري و سفير تل آبيب على رأس دبلوماسيتنا و الموزع الحصري للدواجن المستوردة القائد العام لجيوشنا : لقد هانت حقا حتى سامها كل  مفلس …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى