الحلقة 6: السفر للتباهي والاحتيال

الزمان أنفو _ (لينا… حين تتحوّل الرحلات إلى هروبٍ من الذات)
لينا شابة في أواخر العشرينات، تعمل في شركةٍ خاصةٍ في العاصمة. كانت موظفة مجتهدة، أنيقة المظهر، ذكية في تواصلها مع الآخرين، لكنها كانت تعيش تحت ضغطٍ خفيٍّ من عالمٍ افتراضيٍّ لا يرحم. تمضي ساعاتٍ طويلة في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، تتابع المؤثرين، ترصد رحلاتهم الفاخرة، وصورهم أمام معالم العالم الشهيرة، فترى في كل صورةٍ مرآةً تعكس لها «نقصًا» ما.
في البداية، كانت تكتفي بالمشاهدة والإعجاب. ثم بدأت تخطط لرحلاتٍ قصيرة داخل البلد. غير أن التعليقات على صورها لم تكن بنفس الحماس الذي تراه على صفحات الآخرين، فبدأت تطمح إلى «رحلاتٍ تليق بالأنظار»: باريس، إسطنبول، جزر الكناري… لم يكن راتبها يسمح بمثل هذه المغامرات، لكنها أقنعت نفسها أن «الصورة أهم من القدرة»، وأن الناس «لا يسألون عن التفاصيل المالية».
اقترضت أول مرة من صديقة، وسافرت إلى تركيا، وعادت محمّلة بالصور أكثر من الذكريات. حصدت إعجاباتٍ كثيرة، وشعرت لأول مرةٍ أنها «أصبحت مرئية». تكررت التجربة مرةً أخرى، ثم مرة ثالثة، لكن التمويل هذه المرة أصبح أكثر تعقيدًا. لم يعد أحد مستعدًا للإقراض، فبدأت تبحث عن طرقٍ أخرى لتغطية النفقات المتزايدة.
بحكم عملها في قسم التسويق الرقمي، كانت لينا تتعامل يوميًا مع الزبائن عبر الإنترنت. خطرت لها فكرةٌ خطيرة: أن تنشئ صفحةً وهمية لبيع منتجاتٍ غير موجودة، تجمع الطلبات وتقبض الأموال ثم تختفي. في البداية، كان المبلغ صغيرًا، لكنها وجدت أن «الطريقة سهلة» ولا أحد يشك فيها، فاستمرت.
لم تمضِ أشهرٌ حتى انكشف أمرها؛ أحد الضحايا تقدّم بشكوى رسمية، وتم تتبع التحويلات حتى وصلت إليها. كادت تفقد وظيفتها فورًا، لولا أنها بادرت بالاعتراف وإرجاع المبالغ للضحايا تحت إشراف الإدارة. تلقت إنذارًا نهائيًا، وفُرضت عليها رقابة إدارية مشددة. أما صفحتها الشخصية، فقد تحوّلت من مصدر فخر إلى مصدر خوفٍ وفضيحةٍ محتملة.
في تلك اللحظات القاسية، جلست لينا في غرفتها تتأمل الصور التي كانت تظنها دليلًا على نجاحها. بدت لها فجأةً باردة، مصطنعة، بلا حياة. قالت في نفسها:
«كنت أهرب من خوفي من العادي… فصنعت لنفسي عالماً زائفًا.»
خلال فترة مراقبتها في الشركة، كُلّفت بمشروعٍ جديد يتعلق بالترويج للسياحة الداخلية. سافرت في مهمةٍ ميدانية إلى الشمال، وزارت مواقع طبيعية لم تطأها قدمها من قبل. هناك، وسط صحراءٍ صامتةٍ وبحرٍ لا نهاية له، شعرت لينا بشيءٍ لم تشعر به في أي رحلةٍ خارجية: الانتماء.
عادت إلى العاصمة بعينين مختلفتين. بدلاً من التركيز على «الإعجابات»، بدأت توثق رحلاتها المحلية بروحٍ صادقة، تنقل الجمال كما هو، وتروي القصص الصغيرة التي لا يراها أحد. لاقت منشوراتها الجديدة تفاعلاً مختلفًا: صادقًا، عميقًا، خاليًا من الهوس بالمظاهر. فتحت شركة صغيرة للترويج للسياحة الداخلية، بالتعاون مع وزارة السياحة، وقدمت عروضًا بأسعار معقولة للشباب والعائلات.
تحولت لينا من فتاةٍ تركض وراء الصورة، إلى امرأةٍ تصنع معنىً حقيقيًا. وأدركت أن الرحلات لا تُقاس بعدد الطوابع في الجواز، بل بعدد البصمات التي تتركها في القلب.
العافية امونكه

 

اضغط لقراءة الموضوع بالفرنسية

اضغط هنا لقراءة الحلقات 1 و 2 و 3 و4 و5 ز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى